«أزمة»: لماذا تخيف خطة الاتحاد الأوروبي لفرض رسوم بنسبة ٥٠٪ صناعة الصلب البريطانية؟

أوضح قادة صناعة الصلب أن خطة الاتحاد الأوروبي لرفع الرسوم على واردات الصلب التي تتجاوز الحصة السنوية المعفاة قد تدفع صناعة الصلب البريطانية إلى أسوأ أزمة في تاريخها.

اقترحت المفوضية الأوروبية يوم الثلاثاء خفض الحصة السنوية المعفاة من الرسوم للواردات من الصلب بنسبة 47% لتصبح 18.3 مليون طن، وفرض رسم قدره 50% على أي واردات تتجاوز هذا الحد.

الحزمة تمثّل رفعاً حاداً مقارنة بالحصة الحالية البالغة 33 مليون طن سنوياً، والتي تُطبَّق عليها حالياً رسوم بنسبة 25% عندما تتجاوز هذا الحد. الإعلان أثار قلق صناعة الصلب البريطانية التي تصدر نحو 80% من إنتاجها إلى الاتحاد الأوروبي.

قال غاريث ستايس، المدير العام لجمعية UK Steel، يوم الثلاثاء: «قد تكون هذه أكبر أزمة تواجه صناعة الصلب في المملكة المتحدة على الإطلاق». ووصف الخطوة بأنها «كارثة» للصلب البريطاني. كما حذرت نقابة Community، التي تمثل عمال الصلب في المملكة المتحدة، من أن اقتراح الاتحاد يشكّل «تهديداً وجودياً» لهذه الصناعة.

ما نعرفه عن الرسوم الجديدة ولماذا تقلق المملكة المتحدة:

لماذا أعلن الاتحاد الأوروبي رفع الرسوم على واردات الصلب؟
من المتوقع أن يدخل التعريف الجديد حيز التنفيذ اعتباراً من يونيو 2026، إذا ما وافقت دول الاتحاد والبرلمان الأوروبي عليهما. يبرر الاتحاد هذه الخطوة بضرورة حماية سوقه من فيضان الصلب الآسيوي المدعوم الذي جرى تحويله إلى أسواق الاتحاد بعد فرض الولايات المتحدة، بقرار من الرئيس دونالد ترمب، رسوماً بنسبة 50% على كل واردات الصلب إلى أميركا. كما يسعى الاتحاد إلى التصدي لتحدي الفائض العالمي في القدرة الإنتاجية.

دافع ماروس سيفكوفيتش، مفوض الاتحاد لشؤون التجارة والأمن الاقتصادي، عن اقتراح الرسوم بقوله إنه إجراء لحماية قطاع حيوي يعاني تدهوراً كبيراً في ميزان تجارته. وأضاف أن أكثر من 30 ألف وظيفة قد فُقدت منذ 2018 في صناعة الصلب بالاتحاد التي توظف حوالى 300 ألف شخص. وبيّن أن دولاً أخرى بدأت تفرض رسوماً وإجراءات وقائية لضمان بقاء صناعاتها المحلية، لذا تسعى المفوضية من خلال الاقتراح إلى «إعادة التوازن إلى سوق الصلب في الاتحاد».

وفي تعليق مقتضب لصحيفة التايمز قال مسؤول أوروبي رفيع المستوى: «أصدقاؤنا البريطانيون الأعزاء، عليكم أن تفهموا أننا لا خيار أمامنا سوى تحديد إجمالي حجم الواردات إلى الاتحاد؛ فعدم التحرك قد يترتب عليه عواقب قد تكون قاتلة بالنسبة إلينا».

يقرأ  خطة من عشرة بنود لإسرائيلالصراع الإسرائيلي–الفلسطيني

بالمقابل، ركزت بيني ناس، نائبة الرئيس التنفيذي المؤقتة لشؤون الابتكار والتنافسية في مؤسسة GMF غير الربحية، على أن الربحية ليست العنصر الوحيد. ورأت أن «القدرة الإنتاجية في الولايات المتحدة وأوروبا تُعتبر حيوية للأمن الوطني والاقتصادي، فهدف هذه الرسوم أقل ارتباطاً بالمحافظة على الأرباح وأكبر ارتباطاً بالحفاظ على القدرة الإنتاجية والمجتمعات والوظائف والمهارات اللازمة لتشغيل المصانع». وأضافت أن الرسوم والحصص استُخدمت لسنوات لحماية الصلب بنتائج تجارية مختلطة.

خلفية سوقية وأرقام
يأتي اقتراح المفوضية بينما يواجه قطاع الصلب في الاتحاد منافسة شرسة من دول مثل الصين التي تُمنح دعماً كبيراً. فالصين أنتجت أكثر من مليار طن متري من الصلب العام الماضي، تلتها الهند بـ149 مليون طن واليابان بـ84 مليون طن، وفق رابطة الصلب العالمية التي تتخذ من بروكسل مقراً لها. بالمقارنة، تنتج دول الاتحاد حوالي 126 مليون طن سنوياً، لكنها تحتاج إلى حوالى 67% فقط من هذا الإنتاج للاستخدام الداخلي — «أدنى من معيار الصحة الصناعي 80% وبأدنى من مستويات الربحية»، بحسب سيفكوفيتش. علاوةً على ذلك، تراجع إنتاج الصلب داخل الاتحاد بمقدار 65 مليون طن سنوياً منذ 2007، مع فقدان نحو نصف هذا المقدار منذ 2018.

قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية: «قطاع صلب قوي ومُخفض الكربون حيوي لتنافسية الاتحاد وأمنه الاقتصادي واستقلاليته الاستراتيجية. الفائض العالمي في القدرة الإنتاجية يضر بصناعتنا». كما أشار ستيفان سِجورْن، رئيس قطاع الصناعة في المفوضية، أن «صناعة الصلب الأوروبية كانت على شفير الانهيار» وأن خطة الرسوم تهدف إلى حمايتها كي تستثمر وتخفض انبعاثاتها وتستعيد قدراتها التنافسية.

لماذا ستتحمّل المملكة المتحدة العبء الأكبر من الرسوم؟
الاتحاد الأوروبي هو السوق الأكبر لصادرات الصلب البريطانية بفارق كبير. في 2024، صدّرت المملكة المتحدة 1.9 مليون طن متري من الصلب بقيمة نحو 3 مليارات جنيه استرليني (حوالي 4.02 مليار دولار)، ما يمثل 78% من منتجاتها الصلبية المصدّرة إلى الاتحاد.

يقرأ  رجل يضرم النار ويحطم الشاشات بمطرقة

لن تطبق اقتراحات الرسوم على أعضاء المنطقة الاقتصادية الأوروبية (النرويج وآيسلندا وليختنشتاين)، بينما ستُعفى أوكرانيا من حصة الرسوم بسبب «الوضع الأمني الاستثنائي والفوري» الذي تواجهه. ومع ذلك، قالت بيني ناس إن المملكة المتحدة «لم تتمكن من الحصول على أي اعتبار خاص لصلبها بموجب اتفاقيات ما بعد البريكست بين بريطانيا والاتحاد».

ويقول الاتحاد إنه سيفتح باب التفاوض مع بريطانيا بعد أن يُخطر رسمياً منظمة التجارة العالمية بالرسوم الجديدة.

الأثرات المحتملة على السلسلة الصناعية والعمال والمجتمعات هامّة، وتبقى التفاصيل النهائية مرهونة بموافقة الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي ومجريات التفاوض مع شركاء مثل المملكة المتحدة. لكن في الوقت الراهن يخيم غموض مستمر على المشهد.

وزاد من ذلك تخوف المملكة المتحدة من أن تتدفق إليها كميات من الفولاذ الأرخص المدعوم من آسيا، بعد أن تُغلق أسواق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أبوابها أمامه.

وقالت رابطة صناعة الصلب البريطانية في بيان: «إمكانية تحويل ملايين الأطنان التي ستحظر عليها الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي صوب المملكة المتحدة تشكل تهديدًا وجوديًا آخر».

نقلاً عن مركز تشاتام هاوس في لندن، قال نيكولاي فون أوندارزا لموقع الجزيرة إن الفولاذ الرخيص الذي ستقوده الرسوم المقترحة من الاتحاد الأوروبي سيأتي في الغالب من دول مثل الصين، «مما يزيد الضغط على صناعتنا».

ويعاني قطاع الصلب البريطاني كذلك من تبعات فرض ترامب رسوماً قدرها 25% على واردات الصلب البريطاني، ومن فائض المعروض العالمي، ومن ارتفاع تكاليف الطاقة، كما تكبد خسائر وظيفية في بعض منشآته الكبرى نتيجة مبادرات الانتقال الأخضر.

هل يمكن للمملكة المتحدة أن تتفاوض للخروج من هذا؟

بحسب قادة الصناعة، فذلك هو الأمل الأفضل المتاح حاليًا.

«نحث المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على الشروع فورًا في مفاوضات والقيام بكل ما يلزم لمنع الأثر الساحق الذي ستسقطه هذه المقترحات على صناعتنا»، قال أحد المسؤولين.

وقال فون أوندارزا لتلفزيون الجزيرة: «الخيار الأول للملكة المتحدة هو محاولة التفاوض من أجل استثناء من هذه الرسوم الأوروبية. المفوضية الأوروبية والمملكة المتحدة أبدتا بالفعل استعدادًا للحوار. قد تكون هذه المفاوضات شائكة، لكنها ليست مستحيلة الوصول إلى اتفاق».

يقرأ  مصرع ٥٠ شخصًا على الأقل وتدمير مجتمعات بأكملها بعد أمطار غزيرة وانهيارات أرضية تجتاح القرى

وفي طريقه إلى رحلة عمل تستغرق يومين إلى الهند، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر للصحفيين إن بلاده «في حوار مع الاتحاد الأوروبي» بشأن المقترح.

«سأتمكن من إطلاعكم على مزيد من التفاصيل في الوقت المناسب، لكننا في مناقشات، كما هو متوقع»، أضاف.

في المقابل، ألمح وزير الصناعة البريطاني كريس ماكدونالد إلى أن خيارات الرد الانتقامي قد لا تكون مستبعدة تمامًا.

«نواصل استكشاف تدابير تجارية أقوى لحماية منتجي الصلب في المملكة المتحدة من الممارسات غير العادلة»، قال للصحفيين.

إذا كانت الولايات المتحدة هي السبب، فهل يمكنها المساهمة في الحل؟

بينما أثارت المقترحات الأوروبية للرسوم احتجاجات في بريطانيا، تؤكد المفوضية أن الهدف منها أيضًا دفع الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات.

في أغسطس، اتفق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على صفقة تجارية تقضي بأن تفرض واشنطن رسوماً بنسبة 15% على 70% من صادرات أوروبا إلى الولايات المتحدة. ولم تُناقش بروكسل وواشنطن بعد كيف ستطبق الرسوم على الصلب الأوروبي، الذي لا يزال يواجه رسمًا بنسبة 50% بموجب نظام ترامب التجاري الجديد.

وقال سيفكوفيتش للصحفيين إن مقترح المفوضية بشأن رسوم الصلب سيكون أساسًا جيدًا للانخراط مع الولايات المتحدة وللتصدي لمشكلة فائض الطاقة الإنتاجية بوصفهما «شريكين متقاربين في الرأي».

كما أن إدخال هذه الرسوم الجديدة يشير إلى تقارب أقوى بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حسبما قالت نعاس. «اتفاق 21 أغسطس بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تضمن تعاونًا حول حماية أسواقهما المحلية من فائض الطاقة الإنتاجية في الحديد والألمنيوم والصلب، وهو ما قد يتيح للاتحاد الأوروبي الحصول على بعض ميزات الوصول المفضّل إلى السوق الأميركية»، أوضحت.

«مواجهة مشكلة فائض الطاقة الإنتاجية وضمان شروط سوقية مناسبة لصناعات الصلب والحديد والألمنيوم كانت دائمًا نقطة فشل في المفاوضات الأميركية–الأوروبية لعقود. تحركات الاتحاد الأوروبي تشير إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقتربان في الموقف إزاء معالجة هذه القضية بشكل منسق، وهذه إشارة إيجابية في إطار تنفيذ اتفاقية الإطار بين الجانبين.»

أضف تعليق