براندون ستاتنتون، المصور الذي يقف وراء سلسلة الصور الشهيرة «بشر نيويورك»، استثمر معظم مدخراته المتراكمة على مدى الخمسة عشر عاماً الماضية في مشروعه الأحدث: تركيب فني ضخم داخل محطة جراند سنترال. المشروع العام المصوَّر «عزيزي نيويورك» يعرض الآن مكان الإعلانات في المحطة الكبرى في مانهاتن، ويستمر إلى 19 أكتوبر — وهي المرة الأولى في تاريخ المحطة التي تُستبدل فيها جميع اللوحات الإعلانية بهذا الشكل، حسب ما يقول الفنان.
منذ صيف 2010 التقط ستاتنتون أكثر من عشرة آلاف صورة لسكان نيويورك، في ما وصفه على موقعه بأنه «تعداد فوتوغرافي» لسكان المدينة. مجموعة مختارة من تلك البورتريهات تنتشر الآن في قاعة الكونكورس الكبرى للمحطة وتمتد إلى ثلاث مستويات وصولاً إلى محطات مترو خطوط S و7 و4 و5 و6. كما طلب من 600 تلميذ في مدارس عامة عرض صور لأشخاص يودون تكريمهم، ودُعي أحد عشر مصوراً محلياً للمشاركة في معرض أقيم في قاعة فاندربيلت.
طباع ستاتنتون الحانية تجعل من السهل تصوّره يقترب من المارة لالتقاط صورهم، ويستمع إلى قصصهم الحادة، ومقتطفات من تلك الحكايات مزينة على جدران المحطة. يوم الأربعاء 8 أكتوبر، تجوّل ستاتنتون في أروقة جراند سنترال بين المارة المسرعين وعمال الصيانة، وهو يضع آخر صور الفيْنيل المخصّصة على الجدران المُبَّطنة بالبلاط، ويتوقف ليمسح قسماً مُجعداً من الفيْنيل. على أحد اللوحات كتب اقتباس يقول: «أريد أن أبدأ الحديث مع عائلتي مرة أخرى».
بدأ ستاتنتون بنشر الصور ومقتطفات المقابلات مع أشخاص عشوائيين على فيسبوك، ثم تطور المشروع إلى حساب على إنستغرام يجذب الآن 12.8 مليون متابع، وإلى أربعة كتب تصدّرت قائمة الأكثر مبيعاً في نيويورك تايمز. ويقول إنه جمع عبر منصته عشرة ملايين دولار لصالح جمعيات خيرية في المدينة.
لوحات الفيْنيل تعرض نصوصاً صادمة؛ لوحة واحدة تقول: «أنا أرسم الرجل الذي اغتصبني»، ولوحة أخرى تُظهر رجلاً ملقياً على الأرض دون عناية في رصيف مترو. تلك الوجوه المعارفَة لبورتريهات ستاتنتون تبدو في كل مكان: تحت البوابات، على الأعمدة والممرات، على شاشات المطار في مناطق صعود القطارات، ومُسقطة على جدران أوسع فضاء أيقوني في نيويورك: صالة جراند سنترال الرئيسية.
استعمل ستاتنتون لفظة «دمقرطة» لوصف رغبته في أن يتفاعل الجمهور مع العمل ويشارك فيه؛ فالمشروع يضم عازفين بيانو من كلية جوليارد، وهو يسعى أيضاً لإيجاد طريقة تتيح لأفراد المجتمع استخدام البيانو بأنفسهم. «الفن سيتغير ويتطوّر حسب ما يأتي الناس ويتعاملون معه»، قال ستاتنتون.
المعرض مفتوح حتى 19 أكتوبر، ويمتد داخل محطات مترو خطوط S و7 و4 و5 و6. في قاعة فاندربيلت توقف المارة، بينهم مصمِّمة الأزياء المحلية ماري يايغر، لمشاهدة أعمال الطلاب والمصورين المحليين. «نادراً ما آتي إلى جراند سنترال، لكني سعيدة حقاً برؤيته»، قالت يايغر. «هنا يكمن سحر نيويورك: أياً كان المكان تراه مفعماً بالمعارض الرائعة، والفن والأداء في كل زاوية».
إحدى المصوّرات المحلية، سابرينا سانتياغو، شاركت بعشرة أعمال في معرض «عزيزي نيويورك». قالت في مقابلة هاتفية إن صورها تُظهر «نساء الشوارع، كيف يعبرن عن أنفسهن في الأماكن العامة، وكيف أن لغة أجسادهن وذوقهن في الملبس يعكسان هويتهن». سانتياغو استجابت لدعوة توثيق المجتمع المحلي: «كان أمراً مميزاً أن أرى كيف تناول المصوّرون الآخرون الفكرة وانطلقوا بها»، وأضافت: «كثيرون منا في الخارج يحاولون اصطياد جوهر مدينة نيويورك».
أوضح ستاتنتون أن إنجاز مشروع عام بهذا النطاق تطلّب إقناع مؤسسات وأفراد عدّة. على سبيل المثال، لعرض صوره على جدران الكونكورس طلب استخدام شرفة محلّ «بالادينو» لتركيب أجهزة العرض. «لو قال لا، لانهار كل شيء»، قال ستاتنتون، مضيفاً إنه كان يراودُه كوابيس لأسابيع وأشهر قبل أن يلتقي بالمالك الذي تبين لاحقاً أنه «أروع رجل في العالم».
امتنع ستاتنتون عن الكشف عن تكلفة المشروع، مكتفياً بالقول إنها استنزفت معظم مدخراته منذ 2010. في البداية كانت نيّته أن يتبرع بعائدات مبيعات كتابه الجديد «عزيزي نيويورك» (2025) لتمويل مشروع إبداعي يعود بالنفع على العامة، لكن التكلفة فاقت الإيرادات بكثير فاضطر إلى الرجوع إلى أمواله الشخصية.
عن كتابه قال إنه «محاولة لتجميع كل ما تعلمته عن التصوير، والحكاية، والناس في مدينة نيويورك خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، لصياغة أخلص وأدق تحية ممكنة للمدينة». ومشروع جراند سنترال، في نظره، امتداد لهذه المحاولة — فضاء عام يُدرَك فيه الفن مباشرةً خارج البيوت وبعيداً عن محافل النخبة، يدعو الناس إلى التوقف والقراءة والمشاركة.