روعةُ يومِ بيتر هوجارَ البطيءُ الهادئُ

في صباح خميس بارد مبكّر من شتاء 1974، سجّلت الكاتبة ليندا روزنكرانتز المصوّر بيتر هوجار بينما يحكي أنشطته خلال أربع وعشرين ساعة. ما كان يفترض أن يكون شرارة لمشروع إبداعي أكبر لم يُتحقّق آنذاك، لكنه ينبعث من جديد بعد نحو خمسين عاماً في فيلم “يوم بيتر هوجار” (2025) إخراج ايرا ساكس. بطولة بن ويشو وربيكا هول، اللذان ينقلان شظايا من نص التسجيل الصوتي حرفياً، يتكشف الفيلم كمجموعة لوحات حيّة داخل شقة روزنكرانتز البوهيمية في السبعينيات. هو في آن واحد فيلم صداقة غير تقليدي من الطراز الرفيع (من لا يفرح برؤيتهما يرقصان على تسجيل لتينيسي جيم؟)، وصورة رقيقة لجهد هوجار قبل أن يحظى بشهرة في عالم الفن: تذكير بأن بين اثنين من الأصدقاء النابهين لا موضوع ممل، وأن أبسط التجارب يمكن أن تغذي إنتاج فني.

بكاميرا مصوّرة على فيلم 16مم من كوداك، ننتقل من ركن إلى آخر داخل مسكن روزنكرانتز؛ من الشرفة النّاصعة تحت الشمس إلى المطبخ المضاء بالشموع، والمشهدان مُرتّبان بعناية بينما تبقى الكاميرا ثابتة. ما يحدث بينهما يبدو عفوياً ومتحرّراً، وقد يكون انعكاساً لنهج المخرج النادر الذي يتجنب البروفات. من نقاشهما حول تأثير سوزان سونتاج على مشهد المعارض إلى اندهاشهما من ارتفاع سعر السجائر (56 سنتاً!)، نكون هناك كمراقبين فضوليين، مع نقر المسجل الذي يقسم المحادثة إلى فصول متتابعة خلال يوم واحد.

بطبيعة الحال، يستطيع ويشو أن يأسر المشهد وهو يكسر الفستق، وتلفت هول الأنظار وهي تصب إبريق الشاي. لكن من دون السجال المتأمّل بينهما، لكان الفيلم بسهولة انزلق إلى مجرد استغراق في تأمّل النجوم. الكيمياء بين الممثلين تتناسب مع من شاركوا الضحك والبغض والكسل لسنوات؛ وليندا كمحاورة تهبّل نكات لاذعة وتطرح أسئلة متابعة منقادة بالإخلاص؛ وجهها لوحة دقيقة من الاستجابات لشوق بيتر. «أود أن تقف أعمالي… بحد ذاتها من دون نجمة واحدة فيها»، يعترف بصوت منخفض. حين تذرف الدمع قرب نهاية الفيلم، يبقى الغموض: هل هي شفقة على صديقٍ يكافح فنياً ومالياً، أم ألم على طموحاتها الإبداعية المعرقلة، أم كليهما؟

يقرأ  مظاهرات وطنية تهدد بتعطيل السفر في أنحاء فرنسا يوم الأربعاء

ورغم ما يتسم به الفيلم من حرفة فنية واضحة، فإنه يبتعد عن المبالغة في الحنان أو الحنين. هوجار يأكل قليلاً وبسوء، حتى ينتفخ بطنه بعد بعض السندويشات الضئيلة. تُنشر صوره مراراً في مجلات مرموقة، ثم تجد تلك المجلات طرقاً لتتهرب من دفع مستحقاتها. الماء الساخن يُقطع كثيراً في الحي الشرقي. ونتعرّف إلى أن ألين جنزبرغ — بسخرية أو بصدق — اقترح عليه تجربة جهازيات جنسية لجذب الأدباء المثليين.

إلا أن الفيلم، رغم واقعيته الخشنة، يتحدث عن قوة شكلين فنيين مهددين: وسيلة السينما ذات القدرة على ذوبان الزمن، وحوار الساعات الطويلة وجهًا لوجه. عند خروجي من العرض شعرت وكأنني قضيت يوماً كاملاً مع صديقين مبدعين ومعقّدين. كما انتابني حنين لآخر مرّة تحدثتُ فيها بلقاء مطوّل بعيداً عن تشويش الرقمي.

سبق أن كتبتُ أن صور هوجار تلتقط «الغرابة اليومية المألوفة، أو الشذوذ اليومي». فيلم ساكس يحقق هذا ذاته بلغة بصرية تأملية خاصة به. يُدعى المشاهد للنظر — وللاستماع — بنفس الشغف الذي يتحلّى به مواضيع صوره.

قال هوجار: «أود أن تقف أعمالي… بحدّ ذاتها من دون نجمة واحدة فيها».
يفتتح فيلم “يوم بيتر هوجار” (2025) إخراج ايرا ساكس، وبعد عرضه في مهرجان نيويورك السينمائي سيُعرض في 7 نوفمبر في “فيلم آت لنكولن سنتر”، مصاحباً بمجموعة من بورتريهات هوجار المعروضة في معرض فورمان بمسرح والتر ريد (165 غرب شارع 65، أبر ويست سايد، مانهاتن).

أضف تعليق