سام ماكينيس لوحات تُجسّد أمريكا المهووسة بالصورة في معرض جيفري دايتش

ملاحظة المحرر: هذه المادة هي الطبعة الثانية من عمود «تآكل الروابط» للكاتبة شانتّي إسكالانتي-دي ماتّي، الذي يستقصي تلاقي الفن والتقنية والإنترنت.

رسم الإنترنت أمر صعب. الإنترنت عبارة عن تراكم محتوى يبدو أو يقرأ كأشياء سبق أن قرأناها أو شاهدناها؛ فإذا أعادها الفنان إلى قماشته فهي تعود لتكون الشيء ذاته الذي اعتدناه. أما مسألة المنهج فتتقاطر إلى الانتقاء: ماذا يظهر، مرة أخرى؟

في معرض سام مكينيس الجديد «القانون والنظام» لدى جيفري ديتش، كان الفيلتر منصباً على رجال إنفاذ القانون ومن يخالفونه. معظم «الشخصيات» في لوحاته — كما يسميها — هي وجوه صارَت فيروسيّة أو مألوفة في مشهدنا الإعلامي: جيريمي ميكس وصورته الجنائية الشهيرة لكونه وسيماً، لويجي مانجيوني الذي التقطت له صورة وهو ينظر إلى الوراء بعد توقيفه أمام ماكدونالدز في بنسلفانيا، تشاك باس من مسلسل المراهقين Gossip Girl، وحصنٌان بلا راكب يسرعان في شارع حضري أحدهما ينزف.

مقالات ذات صلة

مكّينيس أخبر مجلة Cultured أنه أراد «تقريباً أن يصوّر اللحظة الفورية لما يعنيه أن تعيش في امريكا الآن». لكن تلك الخيول كانت تعدو في شوارع لندن، لا مانهاتن؛ تفصيل لا يغير كثيراً. بالنسبة إليه، أمريكا ليست موقعاً جغرافياً بقدر ما هي علاقة نصف مسيئة بالصور الأيقونية.

لفهم أميركا كسجل متحوّل من الصور الأيقونية تاريخ طويل: من مصانع الأحلام في هوليوود إلى ابتكارات الإعلانات في ماديسون أفنيو، طابع هذا البلد متأصل في صناعة الظهور. كتب جان بودريار مرةً أن «كل شيء مقدّر أن يعاود الظهور كمحاكاة: المناظر كصور فوتوغرافية، النساء كسيناريو جنسي، الأفكار ككتابة، الإرهاب كموضة وإعلام، الأحداث كتلفزيون». بدا له أن الأشياء لا توجد إلا في ضوء هذا المصير الغريب. وفي نفس الوقت كان في شيءٌ ما يثير سروره لدى بودريار تجاه زيف هذه الأمة، وهو شعور تجاوبه أجيال متعددة؛ من باريس هيلتون إلى آندي وارهول، الإفراط الطريف — أو غير الطريف فيما بعد — في تقديس السلع جزء من المشهد الأميركي.

يقرأ  مجلة جوكستابوز — «الأطياف»: مادلين بيالكي في معرض نيوتشايلد، أنتويرب

للرؤية بعد سياسي أيضاً. نُعلَّم في دروس التاريخ أن التقدم الاجتماعي مسألة توافق أخلاقي يتحقّق حين يُمثل موضوعٌ ما؛ هناك صور «تهز الضمير الوطني»، كما قالت سوزان سونتاغ في Regarding the Pain of Others، فتتحوّل إلى حافز لرد فعل جماعي على الحكومة أن تستجيب بإحداث تغيير. هذه الأسطورة تضع حرية التعبير والتمثيل في صميم حروبنا الثقافية: نظن أن الظهور هو مصدر حقوقنا.

مع ذلك، يعكس «القانون والنظام» تحوّراً في هذين الأسطورتين عن علاقة أميركا بالصور الأيقونية، بينما يطمس الإعلام الاجتماعي الحدود بين الإعلان والترفيه والسياسة. وإذا كان الأميركيون يعرفون أنفسهم بالصور بطريقة ربما لا تضاهى، فلا عجب أن تمثّل وسائل التواصل ما يعنيه أن تكون في امريكا الآن.

فما هو هذا الشعور فعلاً؟ رد فعلي العاطفي أمام لوحات مكينيس لا يختلف كثيراً عن تجربتي على الإنترنت. التجوال في القاعة يكرر الشرارات الباهتة للاعتراف التي نصادفها أثناء التمرير: تشاك باس (ضحكة)، فلاكو — البومة الهاربة من الحديقة — (حزنتُ لموتها)، سياسة معروفة (كاليستا جينغريتش)، الخيول الهاربة (مهيبة)، مجموعات الجوجالوس (غرابة مثيرة للاهتمام)، وهكذا. تلك التحفيزات التي نسمّيها الآن «ذرات الدوبامين» تتحوّل إلى شيء سلبي: أشعر بدافع لصنع معنى مما أرى وبين ما أرى، وفي الوقت نفسه برغبة في التمرّد ووضع حاجز من اللامبالاة الدنيئة. إن كان ثمة محاولة لبيع شيءٍ لي فلا أود الانتباه، وإن كان الأمر مأساوياً فأعلم أن ندائي لن يغيّر شيئاً. ثم هناك الدقّة الأخيرة في تابوتي: سطحية ما يجري تداوله، التي قد تُخيف حين تعود فجأة لتكتسب أهمية.

هذا الخداع البصري نجح لدى مكينيس: اللوحات تتراجع لتصبح «محتوى». بطبقة سميكة من الورنيش وبنعومة شبيهة بالجيف (JPEG) مضغوط، تبدو معظم هذه الصور قابلة للاستبدال. وبما أنها كانت معروفة مسبقاً على الإنترنت، فإن اعترافنا بها كمحتوى يولّد انطباعاً — خاطئاً في الغالب — بأنها سهلة الصنع، وأنه بإمكانه إنتاج الكثير منها بسرعة.

يقرأ  نينا شانيل أبني وجيفري دايتش — عن اكتشاف الصوت الحقيقي للفنان (حصري لكولوسال)

هل اللوحات جيدة؟ وهل هذا الوضع «جيد»؟ إنها صورة دقيقة، أي أنها في كثير من الأحيان قبيحة.

هناك لوحة واحدة في «القانون والنظام» لا تمثل صورة أيقونية بالمعنى المتعارف عليه — على الأقل لم أتعرف على موضوعها فوراً. إنها لوحة صغيرة لمجموعة مبانٍ عادية مرسومة من الأعلى. ومن خلال قائمة الأعمال عرفت أنها تمثل مركز معالجة الهجرة بوسط لويزيانا، المعروف أيضاً بمرفق الاعتقال لاغلاس (La Salle Detention Facility). إذا كان الشعور بأنك في امريكا يقوده سيل الصور، فهنا يعود المكان ليؤكد وجوده. هنا تكمن الحقيقة المهمة وغير المرئية: موقع تُختفي فيه الناس، كثيراً دون وصول إلى مشورة قانونية أو رعاية طبية أو مياه نظيفة. عمل لا يلفت النظر لكنه مفرّج نفسياً بطريقة ما؛ شعرت أنني رأيت شيئاً ذا معنى.

أضف تعليق