فيلا بافييرا، تشيلي — قرية ألمانية المظهر تحتمي بين تلال وسط البلاد، ذات أسقف حمراء مائلة ومروج مقلمة ومخبز يبيع بسكويت الزنجبيل المحلّي. المشهد يبدو كلوحة تنقل الزائر إلى قرى بافاريا، لكن تحت هذه الهدية الخلابة يكمن تاريخ مظلم.
كانت هذه المستوطنة تعرف سابقاً باسم كولونيا ديجنيداد؛ تأسست في عام 1961 على يد زعيمٍ ديني سري متسلط قادما من ألمانيا، باول شيفر، الذي فرض نظاماً قاسياً من العقوبات والإذلال. فُصل الأطفال عن آبائهم وأُجبروا على العمل منذ سن مبكرة، وتعرّض كثيرون منهم لسوء معاملة جنسيّة من قبل شيفر. كما استُخدمت بعض مرافق الكولونيا كغرف للاعتقال والتعذيب، خصوصاً بعد انقلاب أوغوستو بينوشيه عام 1973، حين نقِل معارضو النظام العسكري إلى هناك ثم لم يُر بعضهم مجدداً.
ما تبقى من الكولونيا تحوّل لاحقاً إلى وجهة سياحية: مطعم، فندق، أكواخ للإيجار وبركة للمراكب. ومع ذلك، قررت الحكومة التشيلية مصادرة أجزاء من الأرض لإقامة موقع للذاكرة وتخليد ضحايا الانتهاكات، ما أثار انقساماً بين من يرون في المكان شاهداً على جرائم لم تصل إليها العدالة بعد، ومن يعتبرون أنفسهم أيضاً ضحايا لا ينبغي إزاحتهم من بيوتهم.
قصة لويس إيفانجيليستا أغايو مثال مأساوي: اختُطف في أعقاب انقلاب 1973 بعد أن كان مفتش مدارس وعضواً نقابياً وناشطاً في الحزب الاشتراكي. أسرته بحثت عنه في مراكز الشرطة والمحاكم دون جدوى؛ أخيراً أشار إليها مزارع محلي برؤيته له داخل الكولونيا. تقول أخته آنا أغايو وهي تستعيد الذكريات بجوار المدفأة في منزلها في بارّال: “لويس كان هادئاً، يحب السباحة، وكان يريد عالماً أكثر عدالة”. لقد مات والدها من حزنٍ على عدم تمكنه من إنقاذه، وامها تعتقد أنها تسمع صوته يناديها “ماما، تعالي آخذني”.
تَشير التحقيقات القضائية الجارية بتكليف من الحكومة إلى أن عشرات — وربما مئات — من المعارضين السياسيين نُقلوا إلى الكولونيا وأن عدداً من الجثث حُفر عنها ثم أُحرقت وأُلقيت رمادها في مواقع محددة داخل الملكية. على الصعيد الوطني، تشير تقديرات إلى أن أكثر من 3,000 شخص قُتلوا وأكثر من 40,000 تعرّضوا للتعذيب خلال حكم بينوشيه (حتى عام 1990).
بين أولئك الداعمين لمشروع موقع الذاكرة آنا أغايو وأسر أخرى ترى في المصادرة تدخلاً ضرورياً للاعتراف بالحقائق وإتاحة المكان للذكرى والتعليم: “كان هذا مكان رعب وجرائم شنعاء. لا ينبغي أن يتحول إلى سوق أو مطعم يزخر بالسياح. يجب أن يتحول إلى فضاء للذكرى والتأمل وتعليم الأجيال كي لا يتكرر ما حدث.”
على الجهة المقابلة يعترض بعض سكّان فيلا بافييرا الحاليين والسابقين، ممن قضوا طفولتهم هناك، على أن تكون المصادرة شاملة ومثقلةً ببُناهم ومشاريعهم التي يعيشون منها. دوروتيه مونش، التي وُلدت في الكولونيا عام 1977، تصف ظروف نشأتها: عنابر نوم مفصولة حسب الجنس، عمل مبكّر في تنظيف أواني المجتمع وجمع الحطب، وإحساس دائم بالخوف. تقول إن مصادرة مركز القرية ستجعلهم ضحايا مرة ثانية، خصوصاً المسنين الذين ليس بوسعهم الانتقال وإعادة بناء حياتهم في مكان آخر.
إريكا تيم، القادمة من ألمانيا إلى الكولونيا بعمر سنتين في 1962، تذكر أنها فُصلت عن والديها وبكت طفلاً على فراق والدتها، وأنها تعرضت لصدمات كهربائية في صغرها. مثلها مثل آخرين، ترفض أن تُجبَر على الرحيل وتريد البقاء “مع من يفهمون ما مررت به”.
في المقابل يروي جورج كلاوبه، الذي عاش في الكولونيا منذ 1962 حتى 2010، شهادات تعذيب مروعة: صدمات كهربائية موجهة إلى أجزاء حساسة من الجسد، إكراهات نفسية وطبية، واعتداءات جنسية. يطالب بمقبرة للذاكرة لأنه “حدثت هنا قسوةٌ لا توصف بحق ألمان وتشيليين على حد سواء”، ويتعجب من وجود مطعم في مكان نزفت فيه دموع ودماء أطفال.
الحكومة أعلنت أنها ستصادر نحو 117 هكتاراً من أصل 4,829 هكتاراً من ممتلكات الموقع، تشمل المباني التي شهدت اعتقالات وتعذيباً، وأماكن استخدمت للتعامل مع رفات الضحايا. وقد نُشر مرسوم المصادرة في يوليو، وستحدد الدولة لاحقاً قيمة الأصول المصادرة لتعويض المتضررين. ثمة مطالبات قانونية من مجموعة من السكان والسكان السابقين لضمان توزيع عادل للتعويضات، بالإضافة إلى دعاوى تطالب بمساءلة قادة المستوطنة عن أرباحها.
تم اعتقال باول شيفر عام 2005، وأدين في 2006 بارتكاب اعتداءات جنسية بحق 25 طفلاً وبدعاوى اغتصاب عدة، كما أدين بعض شركائه. ويؤكد وزير العدل وحقوق الإنسان أن الهدف من تحويل جزء من المكان إلى ملكية عامة هو ألا تُمحى هذه الجرائم من الذاكرة: “لقد ارتُكبت هنا جرائم شنيعة. عندما تتحول إلى ملكية عامة سيتمكن التشيلينيون من دخول المكان بحرية، وسيصبح فضاء للذاكرة والتأمل حتى لا تتكرر مثل هذه الفظائع.”
الجدل مستمر بين حقّ الذاكرة والاعتراف بآلام الضحايا من جهة، وحقّ سكّان الكولونيا الحاليين في مسكنهم وسبل عيشهم من جهة أخرى؛ وبينهما تقع قصة مكان يحتكم إلى ماضٍ لا يزول بسهولة، وتستدعي قرارات حساسة توازن بين العدالة والإنصاف والذاكرة الجماعية.