لندن — لم يعلن المعرض الوطني بصخب عن استراتيجيته الممتدة لعقدٍ من الزمن لتوسيع أفق الجمهور البريطاني خارج حدود أوروبا، بل عمِل بهدوءٍ وتصميم على تصحيح هذا الانغلاق في تاريخ الفن. بدلاً من الشعارات الكبيرة، غطّى ثغرات مهمة من خلال معارضٍ أعادت الاعتبار لفنانين مهمّين مهملين سابقًا، مثل رسّام المناظر الطبيعية الأميركي وينسلو هومر أو الانطباعيين الأستراليين. والآن يقدم المعرض عرضًا أحادي الموضوع لخوسيه ماريا فيلاسكو بعنوان «منظر للمكسيك»؛ وهو أوّل معرض أحادي من نوعه لهذا الفنان المكسيكي البارز في بريطانيا، والأدهى من ذلك أنّه أوّل عرض مكرّس لفنان لاتيني أميركي في تاريخ المعرض الوطني. في هذا الإطار، لا يحتاج القيمان على المعرض إلى مبرر إضافي بمناسبة مرور مئتي عام على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين بريطانيا والمكسيك.
فيلاسكو ليس رسامًا قوميًا بالمعنى الأيقوني. على عكس عدد من نظرائه الأوروبيين الذين استعملوا المنظر الطبيعي كساحةٍ لسرد مشاهد درامية (كما يفعل معرض مواز على ميلّييه، مثلاً، الذي يركّز على شخصيات فلاحية محاطة بالمنظر)، يجعل فيلاسكو التضاريس والنباتات والحياة البرية الموضوع المحوري؛ الأرض البركانية العالية المحيطة بمكسيكو سيتي تبدو كشخصيّة مستقلة في لوحاته. كان فيلاسكو من مؤسسي الجمعية المكسيكية للتاريخ الطبيعي، وما يميّز منهجه هو ميله إلى توثيق التفاصيل الطبيعية بدقّة علمية بدلًا من تزيينها اختياريًا؛ هذا ما يحوّل أعماله إلى أرشيف تصويري وثائقـي أكثر من كونها سردًا روائيًا. ومن خلالاً تتتبّع لوحاته علامات التصنيع والتحديث المتدرّج في المكسيك عبر بروز مبانٍ صناعية متناثرة أو امتداداتٍ مدينيّة في الأفق الطبوغرافي.
لوحات فيلاسكو تمتاز بعظمةٍ هادئة على مستوى المقياس، لا ببهرجةٍ بصرية. حيث تبني اللوحات السردية عمقها غالبًا عبر طبقاتٍ مصطنعة تشبه ديكورات المسرح، فإنّ آفاق فيلاسكو — المسجّلة بوضوح في المكان — تعتمد على براعة رسمية مذهلة تُحدث إحساسًا بالدوّار تجاه هاويةٍ مفترضة: تبدو ملحمته «وادي المكسيك (منظر وادي المكسيك من تل سانتا إيزابيل)» (1877) كما لو أنها تنزلق إلى الأسفل من تحت أقدامنا. ظلّ الغيوم على جبالٍ بعيدة هو تفصيل طبيعي نادرًا ما يضيفه رسّامو السرد، وبالمثل فإن ندرة صفائح اللّون الزيتية الشفافة تُمنح الألوان صلابةً ومَطِعًةً تلتقط جفاف السهوب المكسيكية.
آثاره المتأخرة، بعد حادثٍ قيّد حركته في 1901، تميل إلى نزعةٍ أكثر شاعرية؛ ومع ذلك تبقى فيها نفس الخشوع والدقة والصبغة النَفَسيّة المهيبة. من أكثر الأعمال تأثيرًا «المذنب العظيم لعام 1882» (1910)، لوحة اعتمدت الذاكرة لتسجيل ظاهرةٍ رأىها قبل عقود: سهم أبيض وحيد يخترق سماءً متدرجة بلطف ولكنها خالية من التفاصيل. أما الربط بين هذا المشهد واندلاع الثورة المكسيكية في العام نفسه، كما يقترح تعليق المعرض، فيبدو تأويلًا متحمّسًا وربما مبالغةً أحادية ضمن نصوص المعرض المتوازنة.
النقاد الذين يصفون فيلاسكو بأنه «ممتلئ بالفخر وممل… غير رومانسي وموضوعي» أو يكتفون بتسميته «مملًّا» يغفلون الجوهر. يجب قراءته كقوة تقنية مكرّسة للاحتفاء بالكيان الفيزيائي للمكسيك، ومسؤولًا عن توثيق تاريخها بأسلوب أكاديمي، لا إرضاءً لتوقّعات الأوروبيين التقليدية عن لوحة التاريخ المفعمة بالوطنية. أمثلةٌ كهذه من المعارض مطلوبة أكثر فأكثر.
معرض «خوسيه ماريا فيلاسكو: منظر للمكسيك» مستمر في المعرض الوطني بميدان ترافالغار حتى 17 أغسطس، وسينتقل بعد ذلك إلى معهد مينيابوليس للفن في الفترة من 27 أيلول/سبتمبر 2025 إلى 4 كانون الثاني/يناير 2026. المعرض منسّق بإشراف داكستر دالوود ودانيال سوبرينو رالستون.