«جميل كالتقاءٍ عَرَضيٍّ على مائدة تشريح بين ماكينة خياطة ومظلة»، صورة شهيرة للشاعر الفرنسي كومت دو لوتريمون، راودتني حين دخلت معرض أبيجيل دادلي وإيليز سيجل: لوحات ومنحوتا في ستيفن هارفي فاين آرت بروجيكتس. سررت بأنني تجنبت قراءة البيان الصحفي قبل الزيارة، إذ كان يذكر أن هذه هي المرة الأولى التي تُعرضان فيها معاً وأن ممارساتهما «في حوارٍ وثيق»، لكن أعمالهما تبدو أوسع وأعمق من هذا الوصف التقييدي.
في البداية ظننت أن المعرض يجمع عرضين منفصلين لفنانتين داخل حيز ضيق؛ ذهبت بالغالب لرؤية لوحات دادلي التي أتابع مسيرتها منذ رصدتُ لها عملاً في مسابقة «ياونغ باينترز» بجامعة ميامي 2023، حيث كنت أحد المحكّمين. لكن لقاءي الأول بمنحوتات سيجل الخزفية كان كشفاً غير متوقع، جعلني أعيد التفكير في علاقة الأعمال داخل المساحة.
دادلي رسامة رصدية تتلمّس منذ ثلاث سنوات طرقاً لصهر حدود المرئي والمتصوَّر، ولإيجاد فضاء سائل تتعايش فيه المسافات القريبة والبعيدة، والواقعي والحلمي، بطريقة مقنعة. لا أدري إن كانت لوحة ماتيس «الاستوديو الأحمر» (1911) مصدر إلهام، لكن بعض لوحاتها الأخيرة — مثل «باقة سوق المزارع» و«أربعة وجوه» و«الاستوديو في الربيع» (جميعها 2025) — تسير على مسارٍ موازٍ من حيث معالجة المساحة والسطح.
في «باقة سوق المزارع» تستثمر دادلي الشكل المستطيل للوحة لإطار غرفة عميقة، وفي الوقت نفسه ترسم ستة أجسام ذات أوجه رباعية بأحجام مختلفة لتؤكد على السطح ثنائي الأبعاد للوحة بوسائط متباينة. مربع كبير موضَّب في الزاوية السفلية اليسرى، وقِربة زهور حمراء وصفراء وبرتقالية وبيضاء في جرة زجاجية على خلفية وردية وصفراء داخل المربع. التناقض بين ظل قاع الجرة ومسطح الزهور يطرح سؤالاً بصرياً: هل نحن أمام ترتيب ساكن أم لوحة تمثل ترتيباً ساكناً، أو — والأرجح — كلا الأمرين؟ يزداد هذا التنافر توتراً بفعل ظل الأرضية الخشبية إلى يمين المربع الذي يقع فوق سجادة زرقاء.
تعيد دادلي في تلك اللوحات استيضاح علاقة صندوق الغرفة بسِطح اللوحة ثنائي الأبعاد بطرق متباينة ومبتكرة. هي تحب تصوير الأشياء — من فراشي الطلاء المتسخة وعلب الطلاء إلى قوالب الجبس والزهور — لكن الولع بالأشياء بحد ذاته ليس دافعها الوحيد؛ بل يهمها استكشاف الإمكانيات الصورية المختلفة وفق منطقٍ داخلي، ما يجعلها أكثر من رسامة رصدية بارعة. طموحها الفني، وعمق انخراطها في تاريخ الفن، وقلقها المنتج، وتعاملها الحساس والمتقن مع الطلاء، كلها مؤشرات على إمكانيتها لأن تصبح فنانة كبرى قادرة على تحويل تعليمها التقليدي إلى شيء غير متوقَّع وجذاب.
لم أجد رابطاً واضحاً بين دادلي وسيجل حتى بدأت أكتب هذه المراجعة. أول ما خطر لي كان اشتراكهما في الانشغال بالمواد التقليدية: زيت على قماش لطرف ودين على الطين للطرف الآخر. كذلك كلتاهما تشتغلان على مواضيع قد تُعدّ مبتذلة أو تقليدية إذا عُرضت بلا سخرية؛ وهما هنا جادّتان وغير ساخرَتَيْن.
أعمال سيجل تتخذ شكل تماثيل نصفيّة موضوعة على رف أو على قاعدة خشبية عارية، غالباً بلون واحد — الأزرق يتكرر كثيراً في المعرض. التماثيل بحجم حميمي: الأكبر يقارب قدمين في الارتفاع، والأصغر لا يتجاوز ست بوصات. الشعر مقصوص بجزءٍ قريب من الرأس، يُذكّر بقبعة صغيرة أو خوذة جلدية، وكأن الفنانة تريد تحويل الانتباه إلى الوجه: العينين والأنف والفم. الطلاء المصمت الهادئ matte يقرّب الرؤوس إلى ملمس الجلد أكثر من كونها خزفاً، وتعمل سيجل على تضخيم هذا الإيحاء من خلال تفاصيل مميزة وتفاوت لزوجات المينا.
العيون لدى الكثير من هذه التماثيل فتحة أو حفر ضحلة، والتماثيل ليست بورتريهات لأفراد محددين لأن ملامحها غير واقعية. ومع ذلك، بدا لي أن كل رأس يحمل شخصية وحكايةً خاصتين. ما أسرّني وأجبرني على التوقف والتمهل كان صمت حزنها. مثلاً «تمثال صدر أزرق فاتح بعيون مربعة» (2018) له فتحات عيون مربعة صغيرة؛ الرأس منتصب بفخر ورقي وهدوء، وانهمرت خيوط زرقاء أمام صدره، كأن الرأس ينزف أو يذوب أو كليهما.
«تمثال بورتريه بشعر لافندر وقاعدة سوداء» (2015) بلا أذرع؛ الوجه موزَّلى بمينا بيضاء تشبه كريمة على كيكة، تتكرر بشياء مثل شكل مثلثي كصدرية نازل من العنق. طبقة من المينا السوداء المطفأة تتصاعد من القاعدة الضيقة وتنتشر حتى تلتقي حافتها المستديرة بنقطة المثلث الأبيض المندلية.
كل شيء في هذه الأعمال يجذبك إلى الداخل، يفتح فضاءات للتأمل والافتراض الذاتي. لا تبدو التماثيل كتماثيل فحسب، بل كمرآيات تعكس شظايا حياتنا وصمتنا. تنبعث منها أوجاعٌ وصمتٌ وحيرة وصمود؛ وأنا، بعد هذه الزيارة، سأتابع عمل سيجل عن كثب. في رأيي ما تشاركه سيجل ودادلي هو رقة واحترام تجاه الموضوع، وإحساس بما يبقى خاصاً.
المعرض «أبيجيل دادلي وإيليز سيجل: لوحات ومنحوتا» مستمر في ستيفن هارفي فاين آرت بروجيكتس، 208 فورسايث ستريت، لوير إيست سايد، مانهاتن، حتى 15 أكتوبر. المعرض من تنظيم القاعة.