اسلام آباد، باكستان — هزت سلسلة انفجارات وتبادل لإطلاق النار عاصمة أفغانستان في ساعة متأخرة من مساء الخميس، وفق تقارير محلية، في حين لا تزال أسباب الانفجارات وحجم الخسائر البشرية غير واضحة حتى الآن.
نطق المتحدث باسم حكومة طالبان زبيح الله مجاهد بتسجيل سماع دوي انفجار في كابول، مؤكداً أن الأسباب قيد التحقيق. ونشر مجاهد رسالة على منصة X بالباشتو يقول فيها: «سُمِعَ انفجار في مدينة كابول، لكن لا تقلقوا، الأمور تحت السيطرة. الحادثة قيد التحقيق حتى الآن ولم ترد أي تقارير عن إصابات أو أضرار جسيمة».
قصص موصى بها
تزامن الحادث مع توتر متصاعد في العلاقات بين أفغانستان وجارتها الغربية باكستان، التي تتهم حكومة طالبان منذ توليها السلطة في أغسطس 2021 بتوفير ملاجئ لعناصر مسلحة، لا سيما حركة تحرير طالبان باكستان (TTP)، التي تلقي عليها إسلام آباد بالمسؤولية عن موجة هجمات استهدفت قواتها الأمنية. كما تزامن الحادث مع وصول وزير خارجية إدارة طالبان أمير خان مطّقي إلى الهند في زيارة تستمر ستة أيام، وهي أول زيارة من هذا النوع منذ عودة الحركة إلى السلطة.
سرعان ما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تكهنات تُحمّل باكستان مسؤولية التفجيرات، وادعاءات بأنها قد تكون استهدفت قيادات بارزة في حركة TTP بمن فيهم زعيمها نور ولي محسود. لكن طالبان لم توجه أي اتهامات رسمية، والسلطات الباكستانية، التي تحدث بعض مسؤوليها إلى وسائل الإعلام شريطة عدم الكشف عن هويتهم، لم تؤكد ولا تنفِ تورطها، واكتفت بالقول إنها اطلعت على تقارير إعلامية وتصريحات أفغانية حول انفجارات في كابول ولا تملك تفاصيل إضافية. ولم ترد وزارة الخارجية الباكستانية على استفسارات وسائل الإعلام في وقت النشر.
حتى الآن، تلمح تصريحات طالبان إلى عدم سقوط قتلى في التفجيرات، فيما لم يصدر تعليق من TTP بشأن سلامة محسود.
محاولة إعادة ضبط علاقات دبلوماسية
كانت طالبان، التي يُنظر إليها سابقاً على أنها مدعومة بشدة من باكستان، تسعى في الآونة الأخيرة إلى إعادة ضبط سياستها الخارجية عبر الانفتاح على قوى إقليمية من ضمنها الهند — الطرف الذي كان عدواً سابقاً — سعيًا للحصول على اعتراف دبلوماسي أوسع بالنظام. من جانبها تتهم باكستان نيودلهي بدعم مجموعات مسلحة تعمل على أراضيها، وهو ما تنفيه الهند.
بعد عام دموي في 2024 شهد أكثر من 2,500 قتيل في باكستان، بذلت كلتا الدولتين محاولات لتفادي التصادم المباشر. زار نائب رئيس الوزراء الباكستاني إسحاق دار كابول في أبريل، وعُقدت لقاءات رفيعة المستوى بوساطة صينية أحياناً، ما أدى إلى ترقية العلاقات الدبلوماسية وهدوء نسبي في الصيف. مع ذلك، يشير معهد باكستان لدراسات الصراع والأمن (PICSS) إلى أن وتيرة العنف في الثلاثة أرباع الأولى من 2025 قاربت إجمالي خروقات 2024، بينما تكشف بيانات موقع النزاعات والأحداث المسلحة (ACLED) أن TTP كانت جهة الفاعل الرئيسة في التصعيد، إذ شاركت في ما لا يقل عن 600 هجوم أو اشتباك ضد قوات الأمن خلال العام الماضي وحده، ونشاطها هذا العام يفوق ما سُجل في 2024 بأكمله.
تصاعد العنف داخل باكستان
أسابيع قليلة مضت شهدت مزيداً من التصعيد، مع سلسلة هجمات أسفرت عن مقتل عشرات الجنود في إقليم خيبر بختونخوا الشمالي الغربي الذي يشارك أفغانستان حدوداً طويلة ومفتوحة نسبياً. وأعلنت القوات الباكستانية الجمعة أنّها قتلت أكثر من 30 مسلحاً شاركوا في هجوم بمنطقة أوركزاي القبلية. وفي سبتمبر وحده قُتل ما لا يقل عن 135 شخصاً وأصيب 173 آخرون، ما دفع رئيس الوزراء شهباز شريف بعد زيارة لمستشفيات المصابين إلى توجيه إنذار شديد اللهجة للحكومة الأفغانية: «اختاروا أحد طريقين؛ إن أرادوا إقامة علاقات بنية صادقة وصدق فمرحبا، وإن اختاروا الوقوف مع الإرهابيين ودعمهم فلن يكون لنا تعامل مع الحكومة المؤقتة الأفغانية».
من جانبه، اتهم وزير الدفاع خواجة آصف في البرلمان الحكومة الأفغانية بتسهيل العنف داخل باكستان، وقال إن المفاوضات والوفود التي ذهبت وأتت إلى كابول لم توقف حمامات الدم؛ «نحن ندفع ثمن ستين عاماً من ضيافة ستة ملايين لاجئ أفغاني بدماء جنودنا».
حملة طرد وعمليات عابرة للحدود
استضافت باكستان ملايين اللاجئين الأفغان منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولا سيما بعد الغزو السوفييتي ثم خلال حكم طالبان الأول وبعد الاستيلاء على السلطة في 2021. ومنذ نوفمبر 2023 تنفذ إسلام آباد حملة ترحيل واسعة، أُعيد فيها ما يقرب من مليون أفغاني إلى بلادهم بحسب أرقام رسمية.
توتر الثقة وتصعيد خطر الانفلات
شهدت العلاقات العسكرية بين الطرفين غارات جوية باكستانية داخل الأراضي الأفغانية سابقاً، كان آخرها في ديسمبر 2024 حسب تقارير إعلامية. ويقول محلّلون إن ربط التفجيرات الأخيرة بباكستان قد يفاقم التوترات بشكل خطير: فحتى الغارات السابقة لم تؤدِ إلى نتائج ملموسة سوى تعميق حالة عدم الثقة وصعوبة التعاون في مواجهة TTP.
تيميم بحّيص، محلل أمني مقيم في كابول، يؤكد أن طالبان نفت مراراً إيواء مقاتلي TTP، وأن أي اعتراف رسمي بعمليات داخل العاصمة قد يزيد التصعيد ويعقّد الحوار. وفي موقف مكمل، قال إحسان الله تيبو محسود، محلل أمني في إسلام آباد ومشارك في تأسيس موقع The Khorasan Diary، إن إمكانية أن تكون باكستان وراء التفجيرات قد تعكس رسالة تحذيرية بعد هجمات داخل باكستان، وقد تشير إلى نية استهداف «شخصيات عالية القيمة» عبر الحدود.
ومع ذلك، حذر بحّيص من أن توسيع عمليات الضرب داخل أفغانستان قد يقود إلى نتائج عكسية، حيث قد تتولد موجة تعاطف مع TTP تؤدي إلى تجنيد وتمويل ودعم صامت من شرائح داخل المجتمع الأفغاني وحتى بعض أجنحة في صفوف طالبان نفسها. وأضاف أن استهداف قيادات TTP في كابول قد يدفع الحركة إلى تصعيد هجماتها داخل باكستان، أو إلى تحسين تدابيرها الأمنية ونقل قياداتها إلى مواقع أكثر أمناً.
حتى الآن، تبقى الصورة مبهمة: لا تبنٍ واضح ولا تأكيدات مستقلة، والتحقيقات متواصلة بينما تتصاعد المخاطر السياسية والأمنية بين جارتين مثقلتين بتاريخ من التداخل والشكوك.