تخيل أنك رئيس الولايات المتحدة وعلاقتك بجزء مهم من قاعدتك السياسية صارت بعيدة عن الانسجام الذي اعتدت عليه. ماذا تفعل؟
أحد الخيارات المتاحة هو تنظيم قمة مرفقة ببهرجة إعلامية مع رئيس روسيا، تحت ذريعة إنهاء حرب ذلك البلد في أوكرانيا.
وهذا بالضبط ما قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حين استقبل نظيره الروسي فلاديمير بوتين على السجادة الحمراء في آلاسكا. اللقاء القصير انتهى بلا نتائج تذكر، واختصره ترامب بتقييمٍ حاد: «لا صفقة قبل أن تكون هناك صفقة».
ذكرت شبكة فوكس نيوز أن ترامب قيّم الاجتماع بعشرة من عشرة، وأنه امتدح بشكل خاص تصريحات بوتين حين قال إنه لم يكن ليغزو أوكرانيا لو أن ترامب فاز في انتخابات 2020. ولم يشرح أي طرف، بحسب الشبكة، الأسباب وراء هذه التصريحات.
بغضّ النظر، كانت محادثات «لا صفقة» حيلة سياسية مناسبة لصرف الانتباه عن الانقسامات داخل حركة ماجَا، الناجمة عن عاملين رئيسيين. الأول يتعلق بملفات جيفري إبستين، الممول والمدان بجرائم جنسية والذي توفي في السجن عام 2019.
عندما أطلعت المدعية العامة السابقة بام بوندي ترامب في أيار/مايو على مراجعة وزارة العدل لمحتويات ما عُرف بـ«ملفات إبستين»، أخبرته، بحسب تقارير، أن اسمه ورد داخلها. رغم أنه تعهّد أثناء الحملة بفك تصنيف هذه الملفات، تراجع ترامب في وقت لاحق ووصف التحقيق بغب ”خدعة“ — وها هنا خطأ شائع في التعبير باللغة — وأهان بعض مؤيديه الجمهوريين بوصفهم «غبيين» و«سخفاء» لمطالبتهم المستمرة بالإفصاح عن التفاصيل.
في 12 يوليو نشر الرئيس تغريدة بأحرف كبيرة انتقد فيها من يطالبون بفكّ التصنيف: «لدينا إدارة مثالية، حديث العالم، و”أناس أنانيون“ يحاولون الإضرار بها، كل هذا بشأن رجل لا يموت أبداً، جيفري إبستين.»
لكن هذه ليست المشكلة الوحيدة التي تؤرق «الإدارة المثالية» داخل قاعدة ترامب. العديد من الوجوه البارزة في صفوف ماجَا صارت تنتقد علناً ما يصفونه بجرائم إسرائيل في قطاع غزا، التي يستمر ترامب في توفير الدعم لها.
الجرائم التي ستبلغ عامها الثاني في أكتوبر أسفرت رسمياً عن نحو 62 ألف حالة وفاة فلسطينية حتى الآن، رغم أن الحصيلة الحقيقية بلا شك أعلى بكثير. سلوك إسرائيل بدا مقبولاً لدى جزء واسع من المؤسسة السياسية الأمريكية طالما اقتصر المشهد على المجازر المستمرة، الرضع الضحايا المشوّهون، المستشفيات المدمرة، والأحياء المقتلعة.
لكن بعد أن أُضيفت المجاعة المنظمة إلى مزيج القتل، تبدو إسرائيل قد عبرت خطاً أحمر حتى في صفوف مَن كانوا حتى وقت قريب من أشد المؤيدين. وفق وزارة الصحة في غزة، بلغ عدد الوفيات الناجمة عن سوء التغذية 251 شخصاً، بينهم 108 أطفال. صور فلسطينيين هيكليين انتشرت على الإنترنت، وصنّف برنامج الأغذية العالمي نقص الغذاء في القطاع على أنه «كارثي».
علاوة على ذلك، تقول الأمم المتحدة إن الجيش الإسرائيلي قتل ما لا يقل عن 1,760 فلسطينياً منذ أواخر مايو وحدهم أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات، بما في ذلك في مواقع أشرفت عليها ما تُسمى مؤسسات إنسانية مثل مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل. تلك المراكز لم تكتف بتوزيع المساعدات، بل تحولت في كثير من الحالات إلى مواقع قتل عشوائي—وهو جوهر ما يمكن وصفه بإبادة منهجية.
ومع أن ترامب لَمَح أحياناً إلى الانزعاج من الانطباعات البصرية لهذه السياسة، فإن ذلك لم يَكفِ لتهدئة أصوات من داخل قاعدته مثل النائبة المحافظة مارجوري تايلور غرين، التي انتقدت بصراحة «الإبادة والأزمة الإنسانية والمجاعة في غزا». من جانبهم، نفا مؤيدون آخرون مثل لورا لوومر وقوع إبادة، فيما استمرت الخلافات داخل المعسكر.
على أية حال، نجحت مفاجأة قمة ترامب-بوتين في آلاسكا مؤقتاً في إبعاد الضوء عن الصراعات الداخلية. ليست هذه المرة الأولى التي تُستخدم فيها حيلة الانحراف الإعلامي — فصديق ترامب، بنيامين نتنياهو، ماهر في هذه اللعبة. التمسك بسياسة عسكرية قاسية في غزة يخدم أيضاً أهدافه الخاصة في تبرير تشتيت الانتباه عن المحاكمات والاتهامات بالفساد التي يواجهها.
وبينما لم يقدّم حدث آلاسكا أكثر من صورٍ ومشاهد إعلامية، قد تظل استراتيجية التشتيت فعّالة لبعض الوقت بينما يتساءل الناس عن مغزاها الحقيقي.
الآراء الواردة هنا تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لصحيفة الجزيرة.