منحت لجنة جائزة نوبل للسلام هذا العام ماريا كورينا ماتشادو جائزة نوبل للسلام، تقديراً لجهودها المستمرة في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية للشعب الفنزويلي ونضالها من أجل انتقال سلمي وعادل من الحكم السلطوي إلى حكم ديمقراطي.
في بيان نشرته اللجنة على منصات التواصل الاجتماعي، قالت إنها قررت تكريم ماتشادو “لامتداد عملها الدؤوب في ترسيخ الحقوق الديمقراطية للشعب الفنزويلي ونضالها لتحقيق انتقال عادل وسلمي من الديكتاتورية إلى الديمقراطية”.
إعلان الفوز في أوسللو أثار تصريح يورغن واتني فريدنس، رئيس لجنة نوبل، الذي وصف ماتشادو بأنها “بطلة شجاعة ومخلصة للسلام، امرأة تحافظ على شعلة الديمقراطية متّقدة وسط ظلام متزايد”. وأضاف أن ماتشادو تستوفي “جميع الشروط” التي وضعها ألفرد نوبل لمنح الجائزة، والمتمحورة حول العمل من أجل الأخوّة بين الأمم وتقليص الجيوش وتعزيز مؤتمرات ونشاطات السلام.
من هي ماريا كورينا ماتشادو؟
ماريا كورينا ماتشادو باريسكا (58 سنة) زعيمة حزب المعارضة الفنزويلية “فينتي فنزويلا”. تُعرف في الساحة العامة بسعيها إلى ديمقراطية شفافة وإصلاحات اقتصادية ليبرالية، من بينها طرح شركات الدولة للبيع، مثل شركة النفط الوطنية PDVSA. وفي الوقت نفسه تدافع عن سياسات ضريبية وبرامج رفاه اجتماعي تهدف إلى مساعدة الفئات الأكثر فقراً.
ولدت في 7 أكتوبر 1967 في كراكاس كبرى أربع بنات، وتحمل شهادة في الهندسة الصناعية وماجستير في المالية. دخلت السياسة عام 2002 بتأسيسها مشاركاً لجمعية مدنية تطوعية اسمها “سوماتيه” التي سعت إلى جمع الناس في زمن الاستقطاب تحت حكم نيكولاس مادورو.
مسيرتها ونزاعها مع السلطة
قادتها نشاطات سوماتيه إلى المشاركة في مسعى استفتائي عام 2002 لعزل الرئيس حينها هوغو شاويز، وهو ما عرضها لاحقاً لاتهامات بالخيانة وتعرّضت عائلتها لتهديدات بالقتل من مؤيدي شاويز، فاضطرت إلى إرسال أطفالها للعيش في الخارج. ومع ذلك لم تتراجع ماتشادو عن معارضتها لمادورو الذي يتولى السلطة منذ 2013.
في 2023 فازت في الانتخابات التمهيدية للمعارضة لترشحها في الانتخابات الرئاسية، ما وضعها في موقع المواجهة مع مادورو في انتخابات 2024. لكن محكمة العدل العليا في فنزويلا أقرت حظراً يمنعها من الترشّح وتولّي المناصب العامة، بعد اتهامات قدّمها النائب العام طارق صعب بحق بعض عناصر حزبها تتعلق بمحاولة نهب ترسانة أسلحة في 2023 وادعاءات بدعم عقوبات أميركية وتورط في قضايا فساد أُشيعت أنها أدّت إلى خسائر في أصول فنزويلا الخارجية، من بينها شركة تكرير نفط مقرها الولايات المتحدة “سيتغو” وشركة مونوميروس العاملة في كولومبيا.
خلفت هذه التطورات استبعادها من السباق الرئاسي واستبدالها بالإدَموندو غونزاليس أوروتيا كمرشح عن تحالف المعارضة، لكنها واصلت حملاتها ودعمها له عن بُعد.
الوضع الشخصي والحالي
تكاد تكون ماتشادو معزولة في الداخل الفنزويلي إثر اعتقال أو تهجير غالبية مستشاريها الكبار بعد ضغوط وتهديدات من مؤيدي مادورو، فيما يُعتقد أن أوروتيا في المنفى بإسبانيا مع شائعات عن زيارات لدول أخرى في أميركا اللاتينية. بعد انتخابات يوليو 2024، التي أعلن فيها مادورو فوزه رغم اعتراض المعارضة على نتائجها، أعلنت ماتشادو أنها ستختبئ داخل البلاد خشيةً على حياتها.
لا يُعرف مكان تواجدها حالياً بدقة. ظهرت لفترات وجيزة من مخبئها، أبرزها في أغسطس 2024 حين انضمت إلى محتجين في شوارع كراكاس ضد نتائج الانتخابات المتنازع عليها. وفي يناير هذا العام عادت من المنفى وشاركت في احتجاج قبيل تنصيب مادورو، وتم توقيفها مؤقتاً ثم أُفرج عنها.
خلال تجمعات الاحتجاج كانت تصعد على شاحنات وهي ترتدي الأبيض وتلوّح العلم الفنزويلي، موجهة رسائلها عن الوحدة الوطنية والرغبة في مواجهة التخطيط للتفرقة. بدورها وصفت حكومة مادورو الحوادث بأنها “مؤامرات” ونفت روايات المعارضة، في حين شنّ وزير الإعلام فريدي نانيث هجوماً على الخصوم واعتبر أي تشويش إعلامي أمراً متوقعاً من “الفاشيين”.
رغم الاختفاء الجزئي، تواصل ماتشادو التواصل مع مناصريها عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتؤكد حضورها السياسي. وفي مايو من هذا العام أعلنت فوز كتلتها في انتخابات البرلمان، رغم إعلان التحالف الحاكم رسمياً كفائز. كتبت ماريا كورينا ماتشادو على منصة X أن الانتخابات كانت «مهزلة هائلة يحاول النظام أن يمثلها لدفن هزيمته» في انتخابات العام الماضي.
في العام الماضي منح الاتحاد الأوروبي أعلى تكريم لحقوق الإنسان لماتشادو إلى جانب إدموندو غونزاليس أوروتيا. وقد صرح البرلمان الأوروبي أن الفائزين بجائزة سخاروف لحرية الفكر «يمثلون شعب فنزويلا الذي يكافح لاستعادة الحرية والديمقراطية».
زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو والمرشح الرئاسي المعارض إدموندو غونزاليس أوروتيا يمسكان بأيدي بعضهما خلال احتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية في 30 يوليو 2024 في كراكاس، فنزويلا [ألفريدو لاسري ر/غيتي إيميجز].
ماذا قالت لجنه نوبل النرويجية؟
في إعلانها، قالت لجنة نوبل النرويجية إنها دائماً «تُكرّم النساء والرجال الشجعان الذين قاوموا القمع، والذين حملوا أمل الحرية في زنازين السجون، في الشوارع والساحات العامة، وأثبتوا بأفعالهم أن المقاومة السلمية قادرة على تغيير العالم».
وأضافت اللجنة: «خلال العام الماضي، اضطرت السيدة ماتشادو إلى العيش في الخفاء رغم التهديدات الجدية التي طالت حياتها». وذكرت أيضاً أن «بقاءها في البلاد كان خياراً ألهم ملايين الناس».
وأشارت اللجنة إلى أن من الضروري الاعتراف بـ«المدافعين الشجعان عن الحرية» والديمقراطية، مؤكدة أن «ماريا كورينا ماتشادو تستوفي جميع المعايير الثلاثة المنصوص عليها في وصية ألفريد نوبل لاختيار الفائز بجائزة السلام».
وبيّنت اللجنة أن ماتشادو «جمعت المعارضة في بلادها. لم تتزعزع في مقاومتها لتسليح المجتمع الفنزويلي. وكانت ثابتة في دعمها لانتقال سلمي إلى الديمقراطية».
كما قالت اللجنة إنها تأمل أن يكون فوز ماتشادو «دعمًا لقضيتها لا قيدًا لها». وسُئل رئيس لجنة نوبل، يورغن واتنه فريدنس، عن اعتبارات السلامة والأمن المتعلقة بماتشادو فأجاب: «هذه مناقشة نجريها كل عام بالنسبة لجميع المرشحين، خصوصاً عندما يكون المرشح الذي يحصل على الجائزة في الواقع مختبئًا بسبب تهديدات خطيرة على حياته».
وأضاف فريدنس أن اللجنة تأمل من خلال هذا التكريم أن توصل للعالم رسالة مفادها أنه في وقت يتراجع فيه عدد الديمقراطيات، «الديمقراطية شرط مسبق للسلام».
قالت مديرة معهد أوسلو لأبحاث السلام (PRIO)، نينا غريجر، على منصة X إن قرار منح الجايزة لماتشادو هو «جائزة للديمقراطية». وأضافت: «في وقت يزداد فيه الاستبداد عالمياً، يبرز هذا التكريم شجاعة من يدافعون عن الحرية عبر الصناديق الانتخابية لا عبر الرصاص».
وتابعت: «قائمة PRIO النهائية لهذا العام لجائزة نوبل للسلام أكدت الدور الحاسم لمراقبي الانتخابات — وهو نفس العمل الذي أسهمت فيه ماتشادو طويلاً — ما يسلط الضوء على أن الانتخابات النزيهة لا تزال حجر الزاوية للديمقراطية والسلام».
هل رد دونالد ترامب على الإعلان؟
لم يصدر حتى الآن أي رد من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يخف رغبته في الفوز بالجائزة. ومنذ بداية ولايته الثانية أبدى ترامب اعتقاده أنه يستحق الجائزة مدعياً أنه أنهى «سبع حروب».
يبدو أنه كان على وشك أن ينسب إلى نفسه الفضل في احتمال إنهاء حرب ثامنة، بعد توصل إسرائيل وحماس إلى المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي يستند إلى خطة سلام من 20 بنداً عرضها ترامب الأسبوع الماضي.
رغم تردد ترامب عن التعليق فوراً، ندد متحدث البيت الأبيض ستيفن تشيونغ بلجنة نوبل لعدم اختيارها ترامب للجائزة، وكتب على منصة X: «لديه قلب إنساني، ولن يكون هناك أحد مثله قادر على تحريك الجبال بقوة إرادته وحدها». وأضاف: «أثبتت لجنة نوبل أنها تضع السياسة فوق السلام».
عندما سئل فريدنس من قبل الصحفيين عن رغبة ترامب العلنية في الفوز بالجائزة، قال إن قرار اللجنة يستند بدقة إلى «عمل وإرادة ألفريد نوبل». وأضاف: «نتلقى آلاف وآلاف الرسائل كل عام من أشخاص يشرحون ما يعتبرونه مساهمة في السلام. تجلس هذه اللجنة في غرفة تزينها صور جميع الحاصلين على الجائزة، وتلك الغرفة مفعمة بالشجاعة والنزاهة. لذا نعتمد في قرارنا فقط على العمل وإرادة ألفريد نوبل».