أصبحت إغلاقات الطرق، وعمليات الإخلاء، وفوضى السفر، والتحذيرات الصارمة من المسؤولين سمات دائمة لموسم حرائق الغابات في كندا.
ومع ذلك، وفي تحول لافت وسط موسم يعتبر واحداً من أسوأ المواسم على الإطلاق، فإن الحرائق لا تنشب كما اعتدنا في المقاطعات الغربية التقليدية، بل تتركز الآن في مقاطعات البراري والمنطقة الأطلسية، في مشهد جديد يعكس ظروف جافة للغاية تقلب آليات الاستجابة للتهديد — وهي ظاهرة مرجّح أن تتفاقم مع استمرار الاحترار المناخي.
يؤكد الخبراء أن هذا التحول يذكّر بقسوة بأن خطر الكارثة حاضر في أرجاء هذا البلد الكثيف الغطاء بالغابات.
في الأسابيع الأخيرة، جرت إخلاءات لعشرات الآلاف من السكان في مجتمعات متفرقة عبر البلاد بسبب الحرائق. كانت ساسكاتشوان ومانيتوبا أكثر المتضرّرين، إذ تُمثّلان أكثر من 60% من حجم المساحات المحروقة في كندا. وفي الوقت نفسه، استنزفت الحرائق الموارد في كندا الأطلسية، حيث تكافح سلطات نيوفاندلاند ولابرادور لإخماد حرائق خارجة عن السيطرة.
استجابةً للأزمة، أعلن رئيس وزراء نيوفاندلاند جون هوجان صباح الأربعاء عن حظر مؤقت لاستخدام المركبات الوعرية داخل المناطق الحرجية، قائلاً إن المقاطعة «ببساطة لا تتحمّل أي مخاطر إضافية، بالنظر إلى عدد الحرائق الخارجة عن السيطرة لدينا».
وجاء هذا الحظر في أعقاب إجراء مماثل اتخذته نوفا سكوشا، حيث تحترق بقعة نارية مساحتها حوالي 15 هكتاراً (37 فداناً) خارج عاصمة المقاطعة هاليفاكس. بالإضافة إلى منع المركبات في المناطق الحرجية، أغلقت سلطات نوفا سكوشا المسارات والتخييم وصيد الأسماك في غاباتها — قرار يعكس حقيقة مقلقة مفادها أن ما يقرب من جميع الحرائق في المقاطعة من صنع البشر.
قال رئيس وزراء المقاطعة تيم هيوستن للصحفيين: «الظروف جافة للغاية، ولا يوجد مترَحَط مطر في الأفق، والمخاطر مرتفعة للغاية في نوفا سكوشا. أنا سعيد بأن نتأكد من أننا نفعل كل ما في وسعنا لحماية الناس والممتلكات ومحاولة العبور بموسم الحرائق هذا، والدعاء للمطر».
اندلعت حرائق حتى في منطقة بحيرات كاوارثا في اونتاريو، وهي سلسلة من المجتمعات الريفية على بعد أقل من مئة ميل (161 كيلومتراً) شمال تورونتو، وتعد وجهة صيفية شعبية لسكان أكبر مدن كندا.
لطالما كانت الحرائق جزءاً من واقع الربيع الحار والصيف والخريف في بلد شاسع المساحة. لكن خلال القرن الماضي، أدت مزيجة من الجغرافيا والمناخ والصناعة إلى تركّز أكبر وأشد الحرائق — ومعظم الخسائر — في المقاطعات الغربية لكندا.
تغيّر هذا المشهد عام 2023 عندما شهدت كندا أسوأ موسم حرائق في تاريخها، حتى امتدّ الدخان الكثيف ليغطي أجزاءً من الولايات المتحدة.
قال بول كوفاكس، المدير التنفيذي لمعهد الحد من الخسائر الكارثية في جامعة ويسترن: «كان لدينا حريق في كل مكان، شهدنا إخلاءات في كل مكان، وكمية الدخان كانت بمقياس لافت. وللمرة الأولى، فكرنا كبلد بشكل مختلف حول الحرائق. مع كل ذلك الدخان، تحولت القضية إلى نقاش عالمي. وهذا العام يعيد تمثيل كل ذلك». وأضاف: «هذه مسألة وطنية. يمكن أن تظهر في أي مكان».
أشار كوفاكس، الذي يركز مع مؤسسته على منع الخسائر الهيكلية، إلى أن عدد المباني المدمرة هذا العام فاق العام 2023، محذراً من أن غالبية السكان في أكثر المناطق عرضة للحرائق — مثل كولومبيا البريطانية وألبرتا — لم يتخذوا بعد خطوات لحماية أو «تصلب» منازلهم ضد مخاطر الحريق.
ويتوقّع أن تؤدي إدراك وطني أوسع للمخاطر إلى دفع السكان في مناطق أخرى لإعادة تقييم مدى تعرض منازلهم وأعمالهم لخطر اندلاع حرائق سريعة الانتشار.
وقال: «نأمل أن نرى هذا التغيير السلوكي في المرحلة المقبلة، لأن سنوات الحرائق التي أمامنا ستكون عديدة. لن يعود حجم المساحات المحروقة إلى ما كان عليه قبل 25 سنة. هذه هي واقعنا الجديد ويجب أن نكون مستعدين. علينا تغيير عقلية والاعتراف بأن هذا يمكن، وعلى الأرجح سيحصل، في كثير من أجزاء بلدنا».
حتى الآن، احترق ما يقارب 7.5 مليون هكتار (18.5 مليون فدان) عبر كندا في عام 2025، وهو رقم يفوق بكثير المتوسط خلال عشر سنوات.
رغم التهديد الوطني، لا توجد «طريق واحدة تناسب الجميع» لتقليل المخاطر، حسبما قالت جن بارون، باحثة ما بعد الدكتوراه في مركز التعايش مع حرائق الغابات بجامعة كولومبيا البريطانية.
«لطالما كانت بريتش كولومبيا وألبرتا هما الوجهان الأبرز لمشكلة حرائق الغابات لفترة طويلة، لكن مناطق أخرى بدأت تواجه بعض تلك التحديات نفسها. هذا يدل على شمولية تأثير تغير المناخ: حتى لو كان موقع ما منخفض المخاطر نسبياً في الماضي، مع موجات الجفاف الممتدة التي نشهدها، لم يعد الأمر كذلك الآن وفي المستقبل»، قالت بارون.
وأضافت: «حتى مع أن أجزاءً من البلاد تشهد عاماً رطباً نسبياً بالمعدل، فالعوامل عمومًا أكثر دفئاً وجفافاً مما كانت عليه في السابق».
دفعت هذه الحالة إلى مبادرة تمويلية بملايين الدولارات من الحكومة الفدرالية لدراسة المخاطر والتكيف، لأن «قلة فقط من أجزاء كندا ستكون محمية كلياً من حرائق الغابات» حسب بارون.
مع تركيز دولي على حرائق الغابات، يأمل خبراء مثل بارون أن تدفع سنوات الحرائق الهائلة والدخان الخانق الأخيرة إلى استجابة تعترف بإرث ممارسات صناعة الغابات، وتوسع العمران إلى البرية، ودور الرعاية التقليدية لشعوب السكان الأصليين في إدارة الغابات.
«نحن فقط نبدأ لمجاراة حجم المشكلة. الحرائق عملية إيكولوجية طبيعية، لكنها أصبحت أصعب وأصعب إدارتها في ظل ظروف مناخية متغيرة».
قالت بارون إن طبيعة موسم الحرائق الغربي هذا العام، الذي وُصف بأنه «معتدل»، تعطي لمحة عما ينتظر البلاد.
«بدلاً من أن يكون هناك عاماً واحداً كبيراً للحرائق كل 15 أو 20 سنة، سيكون هناك كل عام مركز كبير لحرائق في جزء ما من البلاد»، وأضافت: «لا نعرف بالضبط كيف سيستمر تغير المناخ في التأثير؛ إنه لا يحرك الأشياء بأساليب خطية. ولا نستطيع التنبؤ أين سيكون الجفاف العام المقبل، لكنه سيكون في مكانٍ ما».