«شعرت بأن صوتي أُخمد» ميشا شفي: ردة الفعل المضادة في باكستان تجاه حركة #أنا_أيضًا — قضايا المرأة

عندما تحدّثتُ إلى المغنية والممثلة ميشا شفيع في يوليو من هذا العام، كان قد مضى ستة أعوام على لقائنا الأول. حينها كانت ميشا في كراتشي للتصويـر لبرنامج «Pepsi Battle of the Bands»، شاركَت فيه بأداء وغالباً كانت من لجنة التحكيم، والتقينا بعدما أنهت التصوير. قبل شهور قليلة من ذلك، احتلت عناوين الصحف بعد أن اتهمتْ واحداً من أبرز نجوم صناعة الموسيقى — علي ظفر — بالتحرّش الجنسي، وهي اتهامات نفاها هو تماماً؛ وواجهت ميشا عقب ذلك هجوماً واسعاً على الإنترنت وفي وسائل الإعلام. أردت أن أعرف كيف تغيّرت حالتها بعد هذه التجربة.

غرفة الفندق كانت خافتة الإضاءة، وميشا جلست في الظلّ، لا ضوء سوى مصباح في ركن بعيد من الغرفة. كان الهدوء يملأ المكان، وأصوات الطريق الصاخب في الطابق التاسع مكبّحة بالنوافذ المغلقة. انكمشت على زاوية أريكة مُبطّنة، وبعد يوم تصويرٍ طويل — وبعد أسبوع من انتهاء المشاهد في ساعات متأخرة من الليل — انتهت ميشا مبكراً ذلك اليوم. تمنيتُ، بصراحة، أن أجد نجمة بوب تحتفل مع أصدقائها لا وحيدة في غرفة فندق بعد انتهاء مبكّر. لكنها أخبرتني في تلك الفترة بأنها تشعر بأنها «منكسرة».

في ابريل 2018 نشرت ميشا تغريدة تتهم فيها الممثل والمغني علي ظفر بوقائع متعددة من «التحرّش ذات الطابع الجسدي». كانت هذه أول قضية بارزة من نوعها في باكستان منذ حركة #MeToo عام 2017، التي كشفت عن موجة اتهامات بالتحرّش والإساءة امتدت لعقود في صناعات عديدة حول العالم، ولا سيما في هوليوود حيث تصدّرت قضايا ضد منتجين وممثلين وكوميديين عناوين الأخبار لأشهر.

ميشا وظفر كلاهما من نجوم باكستان؛ ميشا ظهرت لأول مرة في هوليوود في فيلم ميرا نائر The Reluctant Fundamentalist (2012) أمام ريز أحمد، بينما كان ظفر يبني مساره في بوليوود. في تغريدتها قالت ميشا إن هناك حوادث متكررة من «تحرّش جسدي» من جانب ظفر؛ هو أنكر الاتهامات، وفي يونيو 2018 رفع عليها دعوى تشهير تُطالب بتعويض مليار روبية (ما يزيد على 3.5 مليون دولار بسعر الصرف الحالي، وكان يقدّر بأكثر من 8 ملايين دولار قبل سبع سنوات). وقدمت ميشا شكوى لدى مكتب المُختصّ بشؤون الشكاوى في مكان العمل، فُرِضَ عليها رفضٌ لصيغة شكواها لأسباب تقنية تفيد بعدم وجود علاقة صاحب عمل-موظف بينهما (لا تزال الاستئناف معلقاً). وفي يناير 2019 صدرت بحقّها أمر كفٍّ قضائي يمنعها من الإدلاء بأي تصريحات قد تُعدّ تشهيراً تجاه ظفر خلال نظر دعواه؛ لم يُسمح لها بالتحدّث عن التحرّش المزعوم.

في الأشهر التي تلت تغريدتها وصلت السيل الجارف من الإساءات والسخرية إلى ميشا على منصات التواصل. «لماذا هي، وهو يمكن أن يكون مع من يشاء؟» هكذا سألت كثير من التعليقات. سخروا من مظهرها، ووسموها «بلا حياء»، و«عاهرة»، وكذّابة، وباحثة عن الدعاية.

تقول لي ميشا في محادثتنا ذلك يوليو، وهي تستعيد هجمات «نيرانٍ سريعة» طالت سمعتها: «شعرتُ أنني حين تحدثت أشعلت حياتي ناراً، وأن كل شيء بات بلا معنى». أتذكّرها تسأل مراراً: «ما الفائدة؟» وتكرّر السؤال مرات عديدة خلال مقابلتنا. والآن، بعد ست سنوات، أصدرت ميشا ألبوماً جديداً بعنوان Khilnay Ko — «لتزهر» — يبدو وكأنه إجابة على ذلك السؤال.

(أدت ميشا في حفل افتتاح العرض الأول لفيلم The Reluctant Fundamentalist أثناء مهرجان الدوحة تريبيكا السينمائي نوفمبر 2012)

«كنت تلك الأخبار السيئة»

أجريتُ المقابلة عبر مكالمة زووم، فميشا تقيم الآن في كندا. كان الوقت في بداية نهارها، وأطفالها في عطلة صيفية؛ حاولت أن تبقيهم منشغلين خلال حديثنا، لكن ابنها ذو الحادية عشرة مرّ للبحث عنها، فكسرت تواصلنا للحظة وأغلقته صوتياً لتجيب على أسئلته. كانت من دون مكياج، وشعرها مشدود للخلف، وقمصانها الوردي الفاتح بلا أكمام كشفت عن وشم صغير “M&M” على ذراعها — تلميح إلى الحروف الأولى من اسمها واسم زوجها. عندما تكلمت كانت جملها متأنية، تتخلّلها وقفات لتفكّر؛ تعلّمتُ سريعاً ألاّ أقاطَعها.

هاجرت ميشا مع زوجها وطفليهما إلى كندا في 2018 — خطة كانت قيد الإعداد منذ 2016 — لكن السردية المتداولة عبر الإنترنت صورتها على أنها «هربت» من البلاد بعد رفع ظفر لدعواه. عند إعداد الألبوم الجديد، أعادت ميشا قراءة القصص التي نُسِجت حولها. «كان من السهل جداً أن يصوّروني كشريرة»، تقول.

يقرأ  قاصر يتجنب السجن بعد كشف مخطط لاستهداف حفل تايلور سويفت في فيينا

ترى أن شكّ الجمهور وعدم تصديقه لها انطلقا جزئياً من الصورة العامة التي سادت عنها كأنثى قوية وجريئة نجحت في إيجاد موطئ قدم مستقل كمؤدية منفردة في الساحة الموسيقية. كانت معروفة بأغاني القوّة وبصوت البوب روك، وبأسلوبها المرح الذي يمزج الأزياء المحلية مع جواكيت الدراجين والوشوم والشفاه الحمراء المميزة. «لكن هذه الصورة حرمتني من إنسانيتي»، تضيف ميشا. «استُخدمت قوتي المفترضة كسلاح ضدّي».

تساءل كثيرون: كيف لامرأة «من نوعها» أن تضع نفسها في موقف يسمح بالتحرّش؟ ولماذا «سمَحَتْ» أن يحدث التحرّش أكثر من مرة؟

خُصّص عنوان منزل ميشا في لاهور — حيث كانت تعيش مع زوجها وطفليهما عندما كان عمرهما سبعاً وأربعة أعوام — على شاشات التلفزيون خلال الهيجان الإعلامي الذي تبع اتهامها. ومع تصاعد الهجمات الإلكترونية حذفت ميشا حساباتها على مواقع التواصل. وكانت تغريدات المتنمّرون تكاد تُخمد أصوات نساء أخريات نشَرن اتهامات مماثلة (لو تراجعن عن ادعائهن لاحقاً أو تعرضن أيضاً لدعاوى تشهير من ظفر). ادعى ظفر أن بعض الحسابات على وسائل التواصل كانت مزيفة أو مرتبطة بميشا. في مقابله تلفزيونية قال إنه يُصوَّر كمَثَلٍ لحالة «هارفي واينستين باكستان».

عندما حضرت الممثلة إفتَات عمر إلى المحكمه كشاهدِة شخصية لمِيشا، تبعها حشد من أنصار زفار يهتفون «نؤيِّد علي ظفر» و«كفى كذباً».

تحولت القضية إلى مِحرار اختبار في باكستان لفهمنا لمفهوم الموافقة وما يُعتَبَر سلوكاً «غير لائق» أو تحرُّشاً جنسياً. لأن تغريدة ميشا الأصلية لم تُفصِل طبيعة التحرُّش المزعوم، اندلع لعبة التكهنات على وسائل التواصل، وتجادل الناس فيما قد يكون قد حدث. تذكُر ميشا أنه عندما عادت إلى مواقع التصوير بعد تغريدتها، سَخَر بعض العاملين قائلين إنهم لا يَدْرون إن كان من المقبول حتى مصافحتها.

عندما تحدَّثتُ مع هشام أحمد، أحد محامي زفار، في 2021، تردَّدتُ كلماتُه صدى ما كان يُقال على الإنترنت وفي الإعلام. كان هناك فهمٌ محدودٌ لكيفية تجربة الاعتداء أو التحرُّش، ولماذا يعجز كثيرون عن الكلام عنه. تساءل: «إذا لم تُبدِ ردة فعل، كيف سيعلم الآخر أنك لا تسمحين بذلك؟» وإذا لم تُرضَ المرأة عن أمرٍ ما — خصوصاً في سياق صداقة — فسّـر أحمد: «يكفي أن تقولي له: تجاوزت قليلاً، فلتتحلَّ بالأسلوب المناسب. انتهى الأمر.»

شكَّك كثيرون في دوافع ميشا، موحين بأنها تسعى لمكاسب. قال أحد المذيعين البارزين في برنامجه مُلمِّحاً إلى ميشا: «من الأفضل أن يكون لديك ما يثبت اتهاماتك، ليس مجرد طمعٍ». عرضت إحدى القنوات تقريراً تكلَّم فيه ممثلون ومغنون عن القضية، ونقاشوا من قد يكون «الطرف المذنب».

تقول ميشا: «نادراً ما نترك التلفاز مشغلاً في بيتنا — الأخبار في أحسن أحوالها صاخبة وسلبية. لكن الآن، كنت أنا ذاك الخبر السيئ.»

لقطة ثابتة من فيديو أغنية “خِلْناي كو” تُصوّر ميشا وهي تتجوّل في بازار لاهور (تصوير: أوايس جوهر)

شيءٌ ليتَمَسَّك به

بدأت ميشا كتابة أغاني هذا الألبوم في مارس 2019. كانت الألحان وقطع من الكلمات تتسلَّل إليها أثناء غسل الغسيل أو تنظيف الصحون.

كان ذلك طريقتها في «المعالجة»، وعودةً إلى السبب الذي جعلها تغنّي منذ كانت في السابعة من عمرها. تُوضح ميشا: «بينما كُنت أتلقّى الثناء على موهبتي، لم أكن أغنّي من أجل ذلك التأكيد. الموسيقى والغناء كانا دائماً ما يُسَكِّنَانني.»

كانت الموسيقى بلسم الطفولة، موسيقى مريحة في لاهور. بعد الظهر، كانت نانيها، جدتها من جهة الأم، تُنهي أعمالها وتتقاعس إلى غرفتها. تُغلق الستائر، ويسود الصمت إلا من صوت المروحة في السقف، وفي ذلك السكون البارد كانت ناني تستلقي وهي تُطوِّق راديو صغير بكفها. يَشُقّ الراديو ضجيجاً بحثاً عن محطة تبث ألحان بوليوود التي اعتادت ناني الاستماع إليها في شبابها. ينام الكبار، وتأتي الموسيقى من صندوق الراديو خافتة، بينما كانت ميشا تتسلّل إلى المطبخ وتعلو على منضدة لتفتح الخزانة حيث قُنِنَة الكاتشب. كانت ترتشف ذلك الصوص الحلو النابض لتنتشي بقليل من السكر وتستمع للموسيقى وهي تتردّد في أرجاء البيت.

«أعطاني تحضير الألبوم شيئاً لأتمسّك به واستعيد جزءاً أساسياً من إحساسي بذاتي»، تقول ميشا. «في الليل، عندما تنتهي أعمال اليوم وينام أفراد العائلة، ألجأ إلى موسيقاي — تماماً كما كانت تفعل ناني قبل عقود.»

يقرأ  ستة فنّانين بارزين يستكشفون العلاقة بين البيئة والمناظر الطبيعية في معرض «Ground/work 2025» — عن Colossal

كانت تكتب على طاولة المطبخ، الأضواء مُنخفضة، نافذة خدجية تُظَلِّلها شجرة كمثرى مزخرفة. تغيّرت الفصول واستمرت في الكتابة: انعكس ضوء القمر على بطانية من الثلج، انفجرت الشجرة بأزهارٍ بيضاء، ذبلت تلك الأزهار. كل ليلة في توقيتٍ واحد، كان قطار يمرّ بجانب البيت، دقُّه وزمَّارُه يخرقان ذلك السكون الداكن. تسجيل لذلك القطار يَسْمَع في مقطع “المداخلة الأولى” من الألبوم، مع ملاحظة صوتية مكتومة حيث تقول ميشا بصوت مرتعش لشخصٍ ما: «كان ذلك طاغياً للغاية… كانت الضغوط على صحتي الفورية كبيرة. كنت متعبة للغاية… مثقلة جداً…»

«تحوّل انزعاجي أو ألمي إلى عرضٍ علني»، تقول ميشا. أغنية “سرعام” (في العلن)، إحدى أولى الأغاني التي كتبتها، تتناول هذا العرض. تضم كلماتها بعض الأوصاف التي استُخدمت ضدّها على الإنترنت: «بلا حياء»، «مومِس». في الفيديو، تُغَمَّرُ ميشا في سترةٍ سوداء وبيضاء مغطاة بشخبطةٍ من الكلمات، تنتفخ على كتفيها. تفسّر: «هكذا كان على أكتافي أن تكبر. كنت أحمل ثقيلاً.»

لحن الأغنية البطيء والمائل للبلوز يصلح أن يُشغَّل منخفضاً في ساعةٍ متأخرة من الليل، وتعلو أحاديث الأصدقاء فوقه. لكن حين تغنّي ميشا: «كان الليل عميقاً / وعيوني دامعةٌ بالدموع / أنا فقط، وحدي / قليلون الأصدقاء في الأفق»، يتحوّل إلى حزنٍ خافت. إنّها أغنية عن الشعور بالوحدة وسط الحشود.

مُنعت من التحدّث عن تجربتها بينما كان زفار يُدلي بالمقابلات ويغرِّد. «شعرت أن صوتي خُمِدَ فور أن وجدت الشجاعة لأستعمله»، تقول. «سألتني ابنتي آنذاك لماذا لم أعد أضحك»، تستذكر ميشا. «كنت أعمل على هذا الألبوم في ظلٍ من المشاكل الحاضرة. لم أكن قد تجاوزت الأسوأ. كنت أعالج كل شيء أثناء الكتابة، وكان العمل يتجمّع بينما كنت أواجه تداعيات التعبير عن تجربتي.»

تتذكّر ميشا استماعها للمقطوعة النهائية من “سرعام” للمرة الأولى. «بعد قول البيت الأول، بكيت». بدا لها ذلك انفراجاً: «كان كأنك تخرق مكاناً كان الضغط يتراكم فيه داخلياً.»

على الإنترنت، استخدم زفار وأنصاره وسم #FaceTheCourtMeesha، مُلمِّحين إلى أن ميشا خائفة من مواجهة المحكمة. بينما فتحت موسيقى الألبوم وكلماته منفذاً لانفعالاتها، تُجيب صور الألبوم عن مثل هذه الاتهامات: في فيديو أغنية “عذاب”، ترافق المخرج أوايس جوهر ميشا خلال يوم من جلسات الاستماع.

ثمة ارتدادات صوتية إلى الماضي في بعض المقاطع. صوت الراديو المألوف، ذلك الطقطقة المشوشة، يضع النغمة الأولى لأغنية نيرمال (نقي): لحن تصفه ميشا بأنه «تهويدة، لحن الانفصال»، قبل أن ينهار صوتياً في اصطدام من أصداء إلكترونية وطرق على أوتار التشيلو كأنها تقطع بحدة، وكأن آليات الأغنية قد جرّت بالقوة إلى التوقف. «نيرمال كلّها قوس قزح وحوريات، رغبة في رؤية العالم بنظرة رخوة، لكنها وهم — نظرة طفولية للعالم ألجأ إليها أحياناً كبالغة حتى اقتحمتها الحقيقة.»

سألت ميشا كيف شعرت بمشاركة كل ذلك مع جمهور سبق وأن هاجمها عند لحظة ضعف سابقة. «اعترف أني قضيت حياتي أتجنب أن أكون ضعيفة أو أشارك مشاعري الخاصة لأنها كانت تزعجني» تقول. «والآن، فعل واحد — ذاك التغريد — جعلني عرضة للهشاشة.»

ساعدها الألبوم على «هضم التجربة». لم تلتفت كثيراً لما قد تقوله المراجعات. «صنعت الموسيقى لنفسي. لم أكترث كيف ستُستقبل أو تُفسر، لأنها أعطتني شيئاً لأتمسك به في زمن لم أعد أستطيع فيه التحكم في شيء مما يحدث.»

لقطة ثابتة من فيديو أغنية عذاب تُظهر ميشا تتحدّث مع صحافيين خارج محكمة في لاهور.

«حمل تجربتي»

اللغة الأردية والشعر، كما تشرح، ساعداها على أن تشعر بالراحة في التعبير. «الشعر بدا لي كحماية» تقول. «لم يكن هذا نثراً، لا مقابلة ولا محادثة. كنت أبتكر عملاً شعرياً، وهذا يمكّنك — بحسب رقتك ككاتبة ومتقنة للأردية — أن تقول أي شيء تحتاجه بطريقة جميلة وذكية.»

بعد سنوات من الإذلال والتعرّض تحت الأضواء، سمحت كلمات ميشا لها بالتلميح إلى ما كانت تمرّ به من دون الكشف عن تفاصيل خاصة. يظهر لي ذلك التستر الذي يتيحه الشعر حين أستمع إلى المقطوعة العنوانية، خلناي كو: «لنُتفتح / الضوء ضروري / ومع ذلك يطلب البذرة الظلمة.» أستحضر ذلك الإحالة إلى «الظلمة»، إلى رغبة في الانسحاب، حين تتحدث ميشا عن أيام صعبة. «نوبات الهلع كانت جزءاً من واقعي الجديد» تقول. «تنتقل من عدم قدرتك على اجتياز اختبار القيادة لأنك ترفض أن تجلس خلف المقود، إلى رفضك الخروج من البيت، إلى رفضك مغادرة غرفتك، إلى عدم قدرتك على النهوض من السرير.»

يقرأ  «ملك انهيار العملات المشفرة»دو كوون يقر بالذنب بتهمة الاحتيال

ما كان ذاكرة عضلية — في حالتها، الأداء — خفت بفعل الخوف. في 2022، مثلاً، صورت ميشا فيديو مع أخيها فارس لبرنامج كوكا ستوديو. كانت قد كتبت أغنية معزّز شريف، وكانت المرة الثانية عشرة التي تُغنّي في البرنامج؛ كان ينبغي أن يكون الأمر سهلاً. «لكن حلّ الليل ولم أستطع أن أقدّم أدائي كما ينبغي. كنت مسافرة إلى لاهور في اليوم التالي للمثول أمام الاستجواب في المحكمة، فلدينا ذلك اليوم فقط للتصوير. كان التصوير لقطة واحدة متتالية، وكلما أخطأت كان علينا إعادة اللقطة. شعرت بالإحراج الشديد أمام الطاقم.»

هي التي كتبت كلمات تضرب بأنف النقّاد — كيف تُسكت روح متمرّدة؟ — لم تستطع قولها آنذاك. إن شاهدت الفيديو — الذي شاهده حتى الآن أحد عشر مليون شخص — كل ما تراه ميشا تنزل درجاً مفروشاً بالسجاد الأحمر بقميص أبيض مُكوى وساري؛ تلمع أظافرها المرصّعة، وتتلألأ تِيجان رأسها وبغمزة من جفن مرشوش باللمعان، تنطلق في المقطع. تبهر، ساطعة كضوء يلمع على شظية زجاج. عندما أُعيد مشاهدة الفيديو بعد حديثنا أراه بعين مختلفة؛ تَطْفُو أمامي مرثية تقولها ميشا في «عذاب»: «متغمرة بالظلال / أخشى أن أنسى / كنت مصنوعَةً من نور / أخشى أن أتحول إلى غبار.»

مع الزمن ومع صدور الألبوم خفتت نوبات الهلع. نجحت ميشا في اختبار القيادة العام الماضي. «كنت أحمل تجربتي طويلاً حتى بدا طيباً أن أضع ذلك العبء جانباً» تقول. عادت إلى باكستان لإطلاق الألبوم في لاهور، مدينتها الأم، كـ«فعل استرداد».

أدار المخرج سرمد خوصات جلسة أسئلة وأجوبة في عرض لمقاطع موسيقية من الألبوم، وكان سؤاله الأول: «أين أغنية الغضب؟» سؤال كرره منتجها المشارك عبدالله صديقي مراراً: «أين الغضب؟» لكنها تشرح أن «الغضب يحجب ما يكمن تحتَه: الخجل، الاستياء، المرارة. كان عليّ أن أتعامل مع هذه المشاعر. تركت كل شيء يخرج للنور.»

«شعرت أنني سُكتت بعدما استجمعت شجاعتي لأستخدم صوتي» تقول ميشا.

«صرت مَثَلاً»

يستخلص ألبوم خلناي كو معنى تجربة ميشا خلال السنوات السبع الماضية. بعد الاستماع إليه تذكرت سؤالها الذي طرحته عليّ قبل سنوات: «ما الفائدة؟» أتساءل إن كانت «الفائدة» من تجربتها أن تُجعِل عار الثقافة الصامتة في باكستان ظاهرةً على المكشوف عندما يتعلق الأمر بادعاءات التحرش أو الاعتداء الجنسي. في تلك السنوات شهدنا كيف تُهاجم النساء عبر الإنترنت عندما يتشاركن تجاربهن، وكيف يمكن للنظام القضائي أن يُستغل لاستهدافهن. «لا يمكنك توقع أن يقدمن الناجيات إلى الأمام حين يكون الشيء التالي الذي يفعله المتهم هو تسليح قوانين التشهير لإسكاتهن» قالت نيات داد، ناشطة حقوقية ومحامية ميشا، لمجلة تايم في 2020.

في 2021 تحدثتُ مع بهزاد حيدر، محامٍ يمثل لينا غاني، ناشطة اتهمت زافر بسلوك غير لائق في 2018 بعد أن قدّمت ميشا مزاعمها، والتي تُقاضى أيضاً بتهمة التشهير من قبله. نقل حيدر مثلاً أردياً ليشرح أن قضايا التشهير خصوصاً قد تكون مرهقة وتمتد لسنوات: «للذهاب إلى المحكمة تحتاج أحذية من حديد، وأيدي من ذهب.» إنها عملية مكلفة وشاقة.

«صرت مَثَلاً» تقول ميشا. «لكنّ البوح علناً يظلّ دوماً فعلاً حربياً.» ربما كان الهدف تذكيرنا بهذا المعنى. والألبوم نفسه يقدّم عزاءً: هناك خلاص وحرية يمكن الفوز بهما في تلك الحرب، حتى لو كان الثمن باهظاً.

في 2019 رفعت ميشا دعوى مضادة ضد زافار بتهمة التشهير. ومع استمرار جلسات المحاكمة، تظلّ ميشا خاضعة لأمر قضائي يقضي بكتم كلامها وما يشبه الاغلاق على لسانها. المحكمة العليا منحتها إذناً لحضور الجلسات عبر زووم، وان أطفالها صاروا الآن على علم بالقضايا. في ذلك المطبخ الذي كتبت فيه أغنياتها، يتدلّى على ثلاجة المطبخ تقويم يربط بين تدريبات كرة القدم، ومواعيد اللعب، وفعاليات المدرسة، وبجانبها خانة مكتوب فيها «جلسة استماع». ينظر أطفالها إلى التقويم ليروا متى لا يجوز إزعاج أمهم أثناء الجلسة، ثم يعود صخب حياتهم اليومية إلى استمرارها. مرّ صيف آخر، ومع ذلك لا تزال شجرة الكمثرى خارج نافذة المطبخ مزهرة.

أضف تعليق