الرئاسة في مدغشقر تصف ما يجري بأنه «محاولة للاستيلاء على السلطة بطرق غير قانونية وعن طريق القوة»، وذلك غداة انضمام جنود من وحدة عسكرية نخبوية إلى احتجاج شبابي ضد الحكومة.
«نظراً لخطورة هذا الوضع»، قالت رئاسة الجمهورية في بيان الأحد: «يدين رئيس الجمهورية … بشدة هذه المحاولة لزعزعة الاستقرار ويدعو كل قوى الأمة إلى الاتحاد للدفاع عن النظام الدستوري والسيادة الوطنية».
لم يذكر البيان من يقف خلف ما وصفه بمحاولة انقلاب، لكن أعضاء وحدة النخبة كابسات قالوا إنهم تولوا السيطرة على القوات المسلحة بعد ثلاثة أسابيع من احتاجات جيل زد الدموية.
«من الآن فصاعداً، ستصدر كل الأوامر للجيش المالاغاشي — برّاً وجواً وبحراً — من مقر كابسات»، قال ضباط من الكتيبة الإدارية والتقنية لوحدة كابسات في رسالة مصورة يوم السبت.
لم يتضح ما إذا كانت وحدات أخرى في الجيش ستلتزم بهذا الأمر.
في مواجهة التظاهرات المتسعة، يواجه أندري راجولينا أخطر أزمة سياسية في حكمه للبلاد الأفريقية.
ما الجديد؟
تستمر احتجاجات مجموعة تسمى «جيل زد مادغشقر» في الانتشار في الشوارع للأسبوع الثالث على التوالي. شهد يوم السبت أحد أكبر التجمعات منذ اندلاع الاضطرابات الشهر الماضي حول قضايا عدة، منها أزمة غلاء المعيشة والفساد.
من فوق مركبة مدرّعة خاطب العقيد مايكل راندريانيرينا من وحدة كابسات حشود المتظاهرين يوم السبت قائلاً: «هل نسمي هذا انقلاباً؟ لا أعلم بعد».
أعلن ضباط كابسات أنهم عينوا الجنرال ديموستين بيكولاس قائداً للجيش، وهو منصب شاغر منذ أن عُيّن سلفه وزيراً للقوات المسلحة الأسبوع الماضي، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية. ومع ذلك، لا يتضح إن كانت هذه التعيينات رسمية.
لم يصدر رد فوري من وحدات أخرى أو من القيادة العسكرية القائمة.
تصادم مجموعة من الجنود مع الدرك في ثكنة عسكرية يوم السبت قبل أن يقودوا عرباتهم إلى المدينة للانضمام إلى متظاهري جيل زد الذين يطالبون برحيل راجولينا.
لماذا تحدث الاحتجاجات في مدغشقر؟
في 25 سبتمبر بدأت احتجاجات شبابية ضد انقطاع المياه والكهرباء، مستلهمة من موجة تحركات يقودها جيل زد في دول مثل كينيا وإندونيسيا والمغرب ونيبال وبنغلاديش.
تصاعدت الاحتجاجات بسرعة وتحولت إلى مطالب بإنهاء حكم راجولينا، وتفكيك مجلس الشيوخ، ورفع الامتيازات عن أصحاب الأعمال الذين يُنظر إليهم على أنهم مقربون من الرئيس. كما يطالبون باعتذار من راجولينا عن العنف الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 22 شخصاً وإصابة أكثر من 100، وفق الأمم المتحدة.
مدغشقر — جزيرة قبالة الساحل الشرقي لأفريقيا يقطنها أكثر من 31 مليون إنسان، يعيش 80 في المئة منهم في فقر مدقع — لها تاريخ من الأزمات السياسية؛ فقد أُجبر عدة قادة على التنحّي في انتفاضات منذ حصول البلاد على الاستقلال من فرنسا عام 1960.
يطالب متظاهرو جيل زد بـ«تغيير جذري لبناء مجتمع حر ومتساوٍ وموحّد».
من بين القضايا التي يسعون لمعالجتها: الفساد المنهجي، ونهب الأموال العامة، والمحسوبية، والفشل في توفير الخدمات الأساسية والتعليم، وإرساء ديمقراطية حيوية.
من هو راجولينا؟
أندري راجولينا (51 عاماً) برز لأول مرة عام 2009 عندما قاد احتجاجات ضد الحكومة بوصفه عمدة العاصمة أنتاناناريفو، ما أدى إلى إطاحة مدعومة من الجيش بالرئيس مارك رافالومانانا. تولت مجلس عسكري السلطة ثم سلّمها لراجولينا كقائد انتقالي. في 2018 انتُخب رئيساً، وأُعيد انتخابه عام 2023 في انتخابات قاطعتها أحزاب المعارضة.
متظاهرون يتجمعون حول مركبة عسكرية خلال احتجاج في أنتاناناريفو في 11 أكتوبر 2025 [زو أندريانجافي/رويترز]
ما هو «جيل زد مادغشقر»؟
شعار جيل زد مادغشقر عبارة عن جمجمة قرصان وعظمتين متقاطعتين؛ الصورة مستوحاة من السلسلة اليابانية «ون بيس» التي أصبحت رمزاً لموجة احتجاجات جيل زد العالمية، ويرتدي المتظاهرون السود الزي عادةً شعاراتها في مدغشقر.
من كينيا إلى نيبال، باتت هذه الصورة من السلسلة، التي تتتبع مغامرات قرصان شاب وطاقمه ضد أنظمة استبدادية، رمزاً للحركات الشبابية.
في مدغشقر، تم تعديل الصورة بإضافة قبّعة تقليدية مالاجاشية على الجمجمة.
للمجموعة موقع إلكتروني وحضور على منصات التواصل و حملة تمويل جماعي على «جو فند مي» لجمع التبرعات. يعلن عنوان الموقع: «حركة سياسية لشباب، من شباب، ومن أجل مدغشقر».
يقول الموقع: «لم يعودوا يستمعون إلينا في الشوارع. اليوم، بفضل التكنولوجيا الرقمية وصوت جيل زد، سنجعل أصواتنا مسموعة على طاولة السلطة من موقع المعارضة. لإنهاء 16 عاماً من التقاعس، لنطالب بالشفافية والمساءلة وإصلاحات عميقة».
وردّاً على عرض راجولينا للحوار قال المتظاهرون في بيان: «لا نتواصل مع نظام يدوس يومياً على من يقفون من أجل العدالة. هذه حكومة تتحدث عن الحوار لكنها تحكم بالأسلحة».
المتشابهات الدولية
قارن المعلقون متظاهري مدغشقر بحركات شبابية في بنغلاديش ونيبال وكينيا التي أجبرت على تغييرات سياسية؛ ففي نيبال اضطر رئيس الوزراء كي.بي. شارما أولي إلى الاستقالة بعد احتجاجات حاشدة الشهر الماضي، بينما اضطرت رئيسة وزراء بنغلاديش شيخ حسينة إلى الفرار إلى الهند بعد انتفاضة طلابية في أغسطس 2024.
عالمياً، يقود جيل زد — أي الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً — موجة جديدة من الاحتجاجات. على خلاف الحركات التقليدية، تنظم التضااهرات في كثير من الأحيان عبر الإنترنت، مستثمرة منصات مثل تيك توك وديسكورد لنشر الرسائل، وتنسيق التحركات، والتواصل مع شبان آخرين.
من أفريقيا إلى آسيا وأمريكا اللاتينية، يخرج ناشطو الجيل زد للاحتجاج ضد الفساد والصعوبات الاقتصادية والتقاعس عن مواجهة أزمة المناخ وعدم المساواة الاجتماعية، مطالبين بإصلاح جذري للنظام القائم.
ماذا قالت الحكومة؟
قال رئيس الوزراء روفين فورتونات زافيسامبو، خلال حديثه على قناة التلفزيون الرسمي TVM في ساعة متأخرة من يوم السبت، إن الحكومة «مستعدة تمامًا للاستماع والانخراط في حوار مع جميع الفصائل — الشباب والنقابات أو المؤسسة العسكرية».
تم تعيين زافيسامبو من قبل راجويلينا بعد أن حلّ الحكومة السابقة الأسبوع الماضي استجابة للاحتجاجات. غير أن الخطوة فشلت في تهدئة غضب الشارع.
ثم أدلى رئيس أركان الجيش، الجنرال جوسلين راكوتوسون، ببيان نُقل عبر وسائل الإعلام المحلية حاثًا المواطنين على «مساعدة قوات الأمن في استعاده النظام عبر الحوار».