المعارف التقليدية — سلاح باكستان في مواجهة أزمة المناخ أخبار أزمة المناخ

سكردو، باكستان — أيقظ انفجار مدوٍ واسيات خان في منتصف الليل وهو يعتقد أن “الجبال قد انشقت” وأن انهياراً أرضياً وشيك. برفقة أسرته، كان واسيات، راعٍ من وادٍ روشَن في منطقة غيزر ببلاد غلغت ـ بَلتيستان الجبلية شمال باكستان، قد اصطحب مواشيه إلى مرتفعات للرعي خلال فترة الدفء.

لم تمضِ لحظات طويلة قبل أن يدرك أن الصوت الذي سمعه لم يكن انهياراً صخرياً فحسب، بل انفجار ناتج عن تحطم جليدي وإطلاق مفاجئ لمياه بحيرة جليدية. بينما كانت مساكنهم المؤقتة تُجرفها السيول، تذكر القرى الواقعة في مسار المياه وأسرع بالبحث عن وسيلة إنذار.

على ارتفاع يزيد عن ثلاثة آلاف متر وفي لحظة عتمة تامّة، كان الحصول على مساعدة خارجية أمراً مستحيلاً. قفز عبر صخور ضخمة حتى وصل إلى نقطة التقط فيها إشارة الهاتف المحمول، وأبلغ سكان القرى — نحو 300 نسمة — فتم الإخلاء سريعاً. “خلال ثلاثين دقيقة تلقينا اتصالاً يقول إن القرويين أُخلوا بسلام ولم تُسجل خسائر في الأرواح”، قال واسيات لوسائل إعلام محلية. وأضاف أن عائلته فقدت كل شيء، حتى عود ثقاب واحد لم يجدوه بالقرب من الأنهار الجليدية، فكان البرد قاسياً والمعاناة كبيرة.

عند عودتهم بعد ساعات وجدت العوائل منازلها وأراضيها مغطاة بالطمي، لكن ولله الحمد لم تُسجل وفيات. إن ظاهرة انطلاق فياضانات البحيرات الجليدية (GLOF) متكررة في شمال باكستان، التي تحتضن نحو 13 ألف نهر جليدي. ومع تفاقم الاحتباس الحراري، يتوقّع الجهاز الوطني لإدارة الكوارث (NDMA) أن تذوب المزيد من الجليد هذا العام بشكل قد يكون له أثر بالغ.

في تقييمه الأخير، حذّر الجهاز من أن تساقط الثلوج في الأشهر المقبلة قد يكون أقل من المعدل في مناطق مثل غلغت ـ بَلتيستان، ما يقلل من تراكم الثلوج ويؤدي إلى كشف الجليد مبكراً، فتتسارع تراجعات الأنهار الجليدية وتزداد قابلية المرتفعات لحدوث فياضانات ناتجة عن انفجار البحيرات الجليدية.

يقرأ  تصعيد إسرائيلي في قصف مدينة غزة يجبر العائلات على الفرار

تسند الحكومة في المقام الأول جهود الوقاية إلى أنظمة الإنذار المبكر، التي تهدف إلى تقليص الخسائر البشرية والمادية، وحماية البنى التحتية الحيوية، وتعزيز القدرة على التكيّف مع تغير المناخ. يعتمد عمل هذه الأنظمة على شبكة من الحساسات والقياسات التي تنقل بيانات آنية يراقبها خبراء الأرصاد للتنبؤ بالمخاطر وتحذير السكان. عشرات مواقع إنذار مبكر في وديان غلغت ـ بَلتيستان وخاصبه ـ بختونخوا ترسل بيانات لحظية إلى إدارة الأرصاد الباكستانية.

غير أن السكان المحليين في الشمال يقولون إنهم ما زالوا يعتمدون على المعرفة التقليدية والبشرية أكثر من التكنولوجيا. يصف محمد حسين، راعٍ في وادي سكردو، حادثة شهد فيها أثناء وجوده في عزّ الصيف: بعد هطول مطر لساعات لاحظ برقاً عنيفاً ثم صوت هدير غير مألوف، وعند خروجه شاهد فيضاناً عارماً يحمل صخوراً شديدة الكِبَر ويقتلع الأشجار. تحرّك سريع منه فأبلغ القرويين فتم الإخلاء قبل وصول المياه.

حكايات من الأجيال تُظهر أن الناس كانوا يستعينون بنيران إشارات كبيرة أو إطلاق النار أو أنماط صوتية متفقاً عليها للتنبيه. علامات طبيعية مثل هطول مفاجئ وغزير، تشكّل الغيوم، سلوك حيواني غير مألوف، وأصوات هدير مميزة لا تزال تُستخدم للتنبؤ بالفياضانات وقت غياب الأنظمة التقنية.

في إحدى المرات حاول إشعال نار للإنذار، لكن ضوء النهار والمطر الغزير حالا دون نجاحه، فطلق ثلاث رصاصات كإشارة متفق عليها للخطر، فسمعها القرويون فأطلقوا الإنذارات عبر مكبر صوت المسجد وأمّنوا إخلاء سريع. وعلى الرغم من الخسائر الاقتصادية الكبيرة، لم تسجل حالات وفاة، ما يؤكّد فعالية ما يُسمّى “الإنذار البشري”.

باكستان تُصنّف من بين أكثر عشر دول عرضة لتداعيات المناخ، مع أنّها تساهم بأقل من واحد في المائة من الانبعاثات العالمية. وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن متوسط درجات الحرارة في باكستان ارتفع منذ خمسينيات القرن الماضي بمقدار 1.3 درجة مئوية، أي بمعدل ضعف المتوسط العالمي.

يقرأ  محكمة تايلاندية تقضي بسجن رئيس وزراء سابق لمدة عام واحد

قال وزير شؤون التغير المناخي، مسادق مالك، إن هذه الفيضانات الجليدية تتسبب في وفيات وإصابات وتشرد جماعي، وأن الواقع قاسٍ. سجّلت البلاد نحو 90 فيضاناً من هذا النوع بين 2019 و2022.

رغم استثمارات بالملايين في أنظمة الإنذار المبكر، ثمة فقدان واسع للثقة فيها لدى أجزاء من السكان، نتيجة تقارير متكررة عن أعطال المعدات وعدم متابعة الجهات المختصة. وذكر تقرير في صحيفة Friday Times أن مشروع GLOF-II الذي أُطلق بموازنة 37 مليون دولار عام 2017، وإن ضم مراصد وصفارات وتدريباً محلياً، لم يربط في الواقع حسّاسات القرى بفرق الإنقاذ الرسمية في زمن حقيقي.

وحذّر التقرير من أن “التكنولوجيا وحدها لا تنقذ الأرواح إذا ظلت الإجراءات التشغيلية موؤودة وقوائم التحقق تراكم عليها الغبار والثقة مفقودة على الأرض.” بعض القرويين الذين تحدثت إليهم المنابر الإعلامية في غلغت ـ بَلتيستان أعربوا عن عدم ثقتهم في الأجهزة، وشكّكوا في فعاليتها واشتكوا من تصريحات المسؤولين التي تُنسب النجاح إلى هذه الأنظمة دون دليل. وقال زكي عباس، صحفي مقيم بإسلام آباد مختص بشؤون المناخ، إن أنظمة الإنذار فُرضت أحياناً دون إشراك السلطات المحلية والمجتتمعات، ما حال دون لعبها الدور الفعال المطلوب. مع ذلك، لم يُكَلَّف أي تحقيق يُنقَّب في الأمر.

يمكن مَثَلُ عدم فعالية هذه الأنظمة في أن التحذيرات من فيضانات بحيرات الأنهار الجليدية كانت تأتي من أشخاص محليين — وآخرهم راعٍ أنقذ قريةً بكاملها بفضل اتصاله في الوقت المناسب — بدلاً من هذه المنظومات التي أنفِق على تطويرها مبالغ هائلة من المال، بل وحتى مليارات الروپيات.

تبقى معالجة التحديات مهمة تقع على عاتق الحكومه والشركاء المعنيين بتنفيذ نظم الإنذار المبكر. وذكرت برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في فبراير من هذا العام أن من بين العقبات التي تواجه نظم الإنذار المبكر عالمياً: الموارد المالية المحدودة، والقدرات الفنية المحدودة، والفجوات والشكوك في البيانات، وحواجز التواصل، وضعف القدرات المؤسسية، وتعقيد ومضيّ تغيرات المناخ ومخاطره المتطورة.

يقرأ  ألاسكا: غضب وأمل مع وصول ترامب وبوتين جواً

عندما مُنِح واسيات وراعٍان آخران من غيـزر مبلغ 28,000 دولار لكل واحدٍ منهم في أغسطس من قِبل رئيس الوزراء الباكستاني كمكافأة لإنقاذهم مئات الأرواح، قيل لهم إن هذا الفعل الشجاع والمسؤول سيُدون بكلمات من ذهب.

ومع استمرار أنماط أمطار وثلوج غير متوقعة وذوبان الأنهار الجليدية التي تؤثر في باكستان، لا سيما في المناطق الشمالية، يبدو أن الأهالي صاروا أعتمَدوا أكثر على هؤلاء «الأبطال» في غياب نظم إنذار مبكر واسعة النطاق وثقة مجتمعية موحدة بهذه الأنظمة.

أُنتجت هذه القصة بشراكة مع مركز بوليترزر.

أضف تعليق