ما قاله ترامب وما لم يقله في الكنيست — الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الكنيست الإسرائيلي يوم الإثنين واستمتع هناك كما لو أنها أقلّ من احتفال؛ استُقبل لقب «رئيس السلام» وصفق له الحضور مكررين، وضحكوا، وحرصوا على الوقوف تصفيقًا مراتٍ لا تُحصى. احتجاجٌ واحد فحسب اندلع لفترة وجيزة فتمت إزالته بسرعة، ما أثار ضحك الحاضرين وتصفيقهم أكثر بعد تعليق ترامب: «كان ذلك فعّالًا جدًا».

كان الخطاب نموذجًا لتيار الوعي الذي اعتدنا عليه من ترامب، وإن امتنع هذه المرة عن السرد المطوّل حول السلالم الكهربائية والبرومبترات. كنت آمل مبدئيًا أن يحدّ موعد قمة غزة في شرم الشيخ — التي كان من المفترض أن يحضرها رئيس الدولة الأميريكي فورًا — من الميول للانحرافات، لكن الآمال تبخرت؛ ومع ذلك أمضى ترامب وقتًا لا بأس به في التكهن عما إذا كان زملاؤه في القمة قد غادروا مصر قبل وصوله أم لا.

كان ظهور ترامب في الكنيست مُحمَّلًا بدلالات أهمها ما يُعلن عنه على أنه نهاية مؤقتة — بتأييد أمريكي — لما وُصِف بإبادة جماعية إسرائيلية في قطاع غزة، والتي أودت رسميًا بحياة أكثر من 67 ألف فلسطيني خلال العامين الماضيين. بعض الباحثين ذهبوا إلى أن الرقم الحقيقي قد يقترب من 680 ألفًا.

بالطبع، لم تكن أرواح الضحايا الفلسطينيين محور اهتمام العرض في الكنيست، الذي اقتصر عمليًا على تبادل المديح بين ترامب ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو واحتفاء بإظهار براعة إسرائيل في القتل الجماعي. وفي هذا السياق أخبر ترامب إسرائيل بأنها «قد انتصرت» وهنّأ نتنياهو على «عمل رائع».

ولأن ذلك لم يكن إطراءً فاضحًا بما فيه الكفاية على ارتكاب إبادة جماعية وتجويع قسري ونشر الرعب في غزة، تباهى ترامب أيضًا قائلاً: «نحن نصنع أفضل الأسلحة في العالم، وقد أعطينا الكثير لإسرائيل… وأنتم استخدمتموها جيدًا».

يقرأ  المسؤولون في المكسيك يحققون في فشل التحويلة الذي أدى إلى خروج قطار سياحي عن القضبان

ثم عاد إلى إشاراتٍ متكررة لما وصفه سابقًا على وسائل التواصل الاجتماعي بـ«كارثة عمرها 3000 عام» التي يتصوّر أنه حلاها، إلى جانب ادعائه بإنهاء «سبع حروب» في سبعة أشهر — أرقام تبدو منبثقة من الهواء.

ولكن، طبعًا، عندما تُصنَّف نفسك «رئيسًا عظيمًا» فلست مضطرًا لتقديم تبريرات.

إلى جانب التغنّي بالنفس، امتدح ترامب عددًا من مرافقيه، بينهم مبعوث الولايات المتحدة للشرق الأوسط ستيف ويتكوف — الذي استدعى بدوره حشدًا من التأملات حول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين — وابن صهره «العبقري» جاريد كوشنر، الذي حضر رغم عدم توليه أي دور رسمي في الإدارة الحالية.

في الفترة الأولى من رئاسته، شغل كوشنر منصب مستشار كبير في البيت الأبيض وكان لاعبًا رئيسيًا في اتفاقيات إبراهيم، اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، والتي أعادت عمليًا تهميش القضية الفلسطينية في الساحة العربية.

تضمن عرض ترامب في الكنيست عدة فصول تروِّج لاتفاقيات إبراهيم، وأوضح أنه يفضّل نطقها «أفراهام» لأنها «أجمل نوعًا ما». وبالتركيز على الفوائد الاقتصادية للتطبيع، صرّح بأن الدول الأربعة الموقعة «تحققت لها أرباح كثيرة لكونها أعضاء».

ومهما يكن من أمر، فإن أي توسيع لاتفاقيات إبراهيم في هذا السياق سيعمل على إضفاء الشرعية على الإبادة والمبادرة إلى تسريع مصادرة ممتلكات الفلسطينيين. والواقع الحالي هو أن الناجين في غزة قد حُكم عليهم بقبضة استبدادية استعمارية، تم التعامل معها بلطف بالألفاظ وُسِمت بـ«مجلس السلام» — اسمٌ نجده ترامب «جميلًا» — وسيترأسه رئيس الولايات المتحدة بنفسه.

هذا، بحسب ترامب، ما يحتاجه الفلسطينيون «للتخلي عن طريق الإرهاب والعنف» — متناسيًا أن الفلسطينيين ليسوا من شنّ إبادة جماعية على مدى العامين الماضيين.

سبق ترامب في إلقاء الكلمة نتنياهو، ما أضاف طبقةً أخرى من العذاب النفسي لأي شخص اضطر لمشاهدة الزعيمين جنبًا إلى جنب. شكر نتنياهو الرئيس الأمريكي على «القيادة المحورية» في ما سمّاه إنهاء حرب لم يكن في الأصل راغبًا في إنهائها، ونعت ترامب بأنه «أعظم صديق عرفته دولة إسرائيل في البيت الأبيض».

يقرأ  روسيا تدخل معركة الزوارق الانتحارية المسيّرة — تضرب أوكرانيا بإحدىها بعد أن شهدت غرق العديد من سفنها الحربية

كما رشّح نتنياهو ترامب كأول مرشح غير إسرائيلي لجائزة إسرائيل ووعده بأنه سيحصل على نوبل قريبًا أيضًا.

لم أقم بقياس مدة خطاب ترامب بدقّة، لكن أقدّر أنه امتدّ إلى ما يشبه سلسلة من النوبات؛ في منتصف حديثه عن موضوعٍ لا صلة له بالأمر، تساءلت إن كانت صرخاتي المكتومة أثناء سماعه ستستقطب اهتمام جيراني.

عندما قرر ترامب أخيرًا الختام، تضمن ختامُه العبارة: «أنا أحب إسرائيل. أنا معكم حتى النهاية».

وحين لا ينبغي أن تبدو محبّة الولايات المتحدة لدولة ترتكب إبادة جماعية مفاجأةً لأيّ كان، فإنها أيضًا مؤشر جيد على أن ما يُسمّى «السلام» ليس سوى تسمية لا تعكس الواقع الفعلي.

وجهات النظر الواردة في هذا النص تُعبر عن رأي الكاتب وحده وقد لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق