عالم الرسام السويسري نيكولا بارتي ينبض بالحياة في أول عرض فردي له لدى هاوزر آند ويرث في لندن. من خلال لوحات جديدة تصور غابات وشخصيات بباستيل ناعم، يحتفي المعرض ويتحدى معاً التقاليد الراسخة في اللوحة التمثيلية ويعيد صياغتها عبر لغة بارتي البصرية المميزة. تستند صور الوجوه في المعرض إلى قراءات تأملية لعملين نحتيين لكاميل كلوديل وأوغست رودان، حيث يستعمل الفنان رموزهما وإشاراتهما الأسطورية ليتصدى لحتمية التقدم في العمر والموت، موضوعان تشكّلان محور استكشافه الفني الدائم. عرف بارتي بتقنه الفريد في التعامل مع الباستيل الطري، مستغلاً مرونة هذا الوسيط وفورية لونه وتشبع درجاته.
يفكر بارتي في معارضه كبيئات متكاملة؛ تدخلات معمارية تمتد لتشمل جدران الصالة وتوسع لوحة الألوان لتغمر المكان كاملاً. لتعزيز التأثيرات الشكلية والنفسية لعمله، غمر الجدران المحيطة بلون أزرق كهربائي غني في هذا العرض، مع أقواس تقود العين من فضاء إلى آخر وتؤطر رؤية عمل يتوسطه شلال ماء.
في حوار مع غابات اللوحات، تستلهم لوحة «بورتريه مع كاميل» (2025) من نحت كلوديل «كلوثو» (1893)، تلك الشخصيّة الأسطورية اليونانية المسؤولة عن غزل خيط الحياة. تعكس بورتريه بارتي التمثيل المرعب لعبور الزمن؛ شكلها العقدي يلتقط آثار التدهور والوزر الناتج عن الشيخوخة. أما البورتريه الثاني «بورتريه مع أوغست» (2025) فيستدعي نحتيّ رودان «التي كانت زوجة صانع الخوذ ذات الجمال السابق» (1885–1887)، حيث يشكّل هذا البرونز تأملاً قوياً في التقدم الجسدي وفقدان البهاء، ليكون موازياً لعمل كلوديل ومزاوجة بين اثنين من الفنانين ارتبطت حياتهما وأعمالهما بشكل حميم.
داخل كل بورتريه ملون، يقدم بارتي شخصية مركزية: صورة لسكون شبابي متكامل، خالٍ من الحركة أو الانفعال، يكاد أن يثبت في الزمن. حضور هذه الصور يشكل تبايناً صارخاً مع الأشكال المتجعدة والمتآكلة للنحوت المحيطة بها؛ معلقون في لحظة أبدية من الشباب المثالي، يتحدون الطبيعة الزمنية المشار إليها في المراجع النحتية.
يعرض المعرض كذلك سلسلة من أعمال الباستيل التي تركز على تصوير الأشجار، موضوع تكرّر طوال ممارسة الفنان. الانتقال من البورتريهات إلى مشاهد الغابات يدعو المتلقي إلى التفكير في الاستمرارية والتغير، ويرسخ الثقل الرمزي للأعمال الأولى ضمن تأمل أوسع في الدورات الطبيعية وإيقاع الزمن.
لطالما استعملت الأشجار رموزاً قوية عبر الثقافات، فهي تشير إلى الحياة والثبات وفي الوقت نفسه إلى انكشاف الزمن. تحوّلها الدوري عبر الفصول يوفر استعارة طبيعية للتغير والموت والتجدد. تفترش كل لوحة حالة مختلفة للغابة: بعضها مورق يانع يهمس برفرفة الربيع أو ذروة الصيف، في حين تبدو أخرى عارية وخلاء، مضيئة بقسوة شتاء صارخ. في هذه الأعمال الأخيرة تبدو الفروع المكشوفة كهياكل عظمية، مقلدة بنية العظام، وتستحضر تأملاً هادئاً في الخمول والهشاشة.
في هذه السلسلة من مناظر الأشجار، تضم لوحة واحدة فقط عنصراً إضافياً: شلال يتدفق عبر المشهد. يقطع حركات الغابة الراكدة، مضيفاً حركة ووزناً رمزياً. الشلال رمز عالمي لتدفق الزمن الذي لا يوقفه شيء ولتحولات الحياة المستمرة، وهو الخيط الرابط بين موضوعات العرض الكبرى: اللا ديمومة والتجدد والانتقال من السكون إلى الحركة. وفي مقابل الطبيعة الراسخة والجذور الراسخة، يعمل الشلال كسقطة تذكّر بأن التغيير حتمي وأن حتى أشد الأشكال رسوخاً تشكلها تيارات الزمنن.