أيُّ لوحات كيري جيمس مارشال تُعَدُّ الأكثر أهمية وتأثيرًا؟

أُسْدِيَت مَلَفّات مدحٍ كثيرة إلى كيري جيمس مارشال، وهذا أمر مفهوم. أعماله المصوّرة خلال أكثر من أربعين سنة ونصف لم تكتفِ بتحدّي الإقصاء المؤسّسي للشخصيات السوداء في تاريخ الفن فحسب، بل نادت أيضاً بالاحتجاج ضدّ العنصرية في زماننا الحاضر — مهمة ليست بالهينة ولا بالسهلة. لذلك قد يليق به وصفه كـ«عبقري» أو «مايِسْترو»، كما يُقال عن رسّامي البورتريه في العصر الذهبي الهولندي أو عن تجريديّي القرن العشرين.

مع ذلك، مارشال (مواليد 1955) كان يفضّل لنفسه تسمية أخرى: «البراغماتي المتطرّف» — تسمية أطلقها عليه صديقه الفنان آرثر جاسّا. قال مارشال مؤخّراً لمؤرخ الفن بنيامين إتش. دي. بوتشلوه: “أرى نفسي كذلك. كاستراتيجية وتقنية أحاول أن أعرف قدر المستطاع عن آليات وتكوين ومظهر الفن حتى أتمكّن من توظيف ما يبدو أكثر فاعلية للمشروع.” إنه تعريف عمليّ للفن يضع الدقّة والوسائل في خدمة الفكرة.

بيان كهذا ذاته تجسيد للبراغماتية المتطرّفة: صقل لطيف لمفهوم “التمكّن” الذي سيطر طويلاً على فهمنا لفنّيي الغرب الذكور. لا عجب إذن أن معرضه المتنقّل داخل الولايات المتحدة، الذي أعدّه متحف المتروبوليتان للفنون منتصف العقد الماضي، حمل عنوة ترجمة عن قصد خاطئة للفظ «Mastery» بعنوان فرعي «Mastry».

اليوم، لدى مارشال معرض استعادي آخر — يعرض حالياً في الأكاديمية الملكية للفنون بلندن حتى 18 يناير 2026 — بعنوان “كيري جيمس مارشال: التأريخ” (The Histories). يحوم المعرض حول فكرة لوحة التأريخ وعلاقتها بأعماله؛ ذلك النوع الذي كان يعتبر أسمى أشكال الإبداع في أيام صالون باريس، وقد أعاد مارشال قراءة قواعده ليتحدّث بها عن حاضرنا.

أعمال مارشال أصبحت منارة لمدرسة واسعة من الرسّامين التصويريّين خلال العقد الأخير. حتى مجلة ARTnews وضعت لوحة لمارشال في المرتبة الثالثة ضمن قائمة “أفضل مئة عمل فني في هذا القرن” حتى الآن. لكن أحد أسرار متعة أعماله أنها لا تُعلن عن عظمتها بصخب؛ بل تجبر المتلقّي على إعادة التفكير في مفهوم العظمة نفسه. فيما يلي دليل موجز لخمسة أمثلة مفاتيح على براغماتيته المتطرّفة.

De Style، 1993
غالباً ما يرسم مارشال الشخصيات السوداء بلون أسود بحتٍ بدل تدرّجات بنّية قد تبدو أكثر واقعية. فعل مارشال هنا مباشر: ألوان البشرة في هذه اللوحة، مثلاً، بُنيَت من ثلاثة أصباغ سوداء بدل واحد، كطريقة حرفية لإظهار أن السواد — وبالتمديد الـسودَة بوصفها حالة بشرية — أكثر تعقيداً مما يرغب كثيرون في إدراكه.

يقرأ  ألدي تطلق وشومًا مؤقتة مستوحاة من عروض «سبيشال بايز» الشهيرة

بحلول 1993 كان مارشال قد أمضى أكثر من عقد وهو يرسم الأشخاص السود بأسودٍ حالك. ففي 1980 برز بأعمال مثل “صورة الفنان كظلّ لما كان عليه” حيث يتلاشى وجه رجل أسود في خلفية سوداء، مع بروز ابتسامة وعيون بيضاء تخرجان من العدم. كما يشير مارك غودفري، قيّم معرض الأكاديمية الحالي، في كاتالوج المعرض، يمكن قراءة تلك الصورة كمرجع غير مباشر لرواية رالف إليسون 1952 “الرجل الخفي” الذي يلاحظ فيه البطل الأسود أن الناس “يرفضون أن يروه”. بطرقه تلك، كان مارشال يسأل: من يرفض أن يرى أمثالي، ولماذا؟

عنوان De Style يشير إلى حركة حداثية هولندية اسمها De Stijl التي كان مؤسسوها جميعاً بيضَ، من أمثال بيت موندريان. بعض النقاد ربطوا بلافتة رقعة الأرضية في حلاقة الشعر التي يصوّرها مارشال بمربعات موندريان المجردة. مع ذلك، فالموضوعات هنا سوداء بالكامل، وتدور الأحداث في مكانٍ قد لا يدخل موندريان مثلَه: صالون حلاقة يخدم، بحسب دليل نمط يبدو في مرآة خلف الأشكال، رجالا سوداً. المرآة التي تشغل تقريباً نصف اللوحة هي إحالة أيضاً إلى مانويل آخر أبيض: إدّوارد مانيه، الذي استخدم جهاز انعكاس مماثل في “بار في الفوليز-بيرجير”.

حين رسم مارشال De Style، كانت لوحات مانيه وموندريان معروضة بالفعل كقطع أساسية في متاحف أميركا وأوروبا، بينما كانت اللوحات المليئة بالشخصيات السوداء شحيحة داخل تلك المؤسسات. لذا يمكن قراءة العمل كردّ على الإقصاء النظامي. وقد صار هذا العمل أولى اقتناءات المتحف لمارشال عندما اشترته متحف مقاطعة لوس أنجلوس للفنون في سنة إنشائه.

Knowledge and Wonder، 1995
تعاود رقعة المربعات الراقصة الظهور في “المعرفة والدهشة”، لكن هذه اللوحة الجداريّة ليست تاريخاً للفن بنفس نبرة De Style. هي بالأساس عمل عن كيف يمكن للفن أن يولد — وغالباً ما يولد — واقعاً جديداً لأولئك الذين يسبقه.

في هذه الجدارية التي تمتد لـ23 قدماً، نرى مجموعة من الأطفال يبنون عالمهم: أحدهم يحمل غلاف كتاب ضخم ويضعه في مكانه، وسلم على اليمين يوحِي بإمكانية صعودهم وتحقيق كامل إمكاناتهم. رسّام من عصور سابقة — مثل أحد أنصار النهضة أو الكلاسيكية الجديدة — كان ليصوّر هؤلاء التلاميذ جميعهم بيضاً ويطمح لعرض اللوحة في متحف. مارشال من جهته خلق الجدارية لمكتبة ليغلر في شيكاغو، المدينة التي أقام فيها منذ 1987، وجعل شخصياته جميعها سوداء. في تلك المكتبة، حققت الجدارية عنوانها: غذّت شعور الدهشة.

يقرأ  دراسة جديدة: أهمية وتحديات انخراط الطلاب في المراحل من رياض الأطفال إلى الصف الثاني عشر

لكن في 2018 أثار العمل غضباً حين سعت سلطات شيكاغو لطرحه في مزاد كريستيز بتوقيع تقدر قيمته بين 10 و15 مليون دولار. كان مارشال من بين من طالبوا المدينة بإعادة النظر، قائلاً إنها “استنزفت كل قيمة كان يمكن أن تستخلصها من ثمرة عملي.” في النهاية تراجعت المدينة وأخرجت الجدارية من المزاد، ومنذ ذلك الحين بقيت عموماً معروضة في المدينة وإن تنقّلت مؤقتاً للعرض في معرض مارشال بالأكاديمية الملكية.

بدون عنوان، 2009
عندما تتخيّل لوحة لفنان يعمل، قد يتبادر إلى الذهن مشهد مثل رينيه ماغريت في “البصيرة” (1936)، حيث ينظر رجل أبيض إلى بيضة ويصوّر الطائر الذي قد يفقس منها — سخرية ماكرة من الفنان كحِرَفي مُتقَن. مارشال يرفع الرهان لكن يذهب في اتجاه مختلف في هذا العمل غير المعنون: ففنانة سوداء جالسة أمام لوحة، لكنّها لا تعمل من تصوّرها الذهني بل تتبع طريقة «ارسم حسب الأرقام» التي تُبسط الرسم حتى يصبح في متناول أي شخص. لو درست الفن ربما لم تُعِر اهتماماً كبيراً.

غير أن عمل مارشال هنا لا يُعد مجرد محاكاة ساخرة مثل ماغريت بالكامل، فباستبداله الرجل الأبيض التقليدي بامرأة سوداء يعيد مارشال اقتراح أن مفاهيم صنع الفن بحاجة إلى تغيير وأن الحواجز أمام القبول يجب أن تُخفض. هي قد تستخدم طريقة بدائية، وربما تكون رسّامة هاوية، لكنها رسّامة وتستحق أن تُرى كذلك. كما كتب الرسّام كارول دونغهام في Artforum أن الوقوف أمام هذا العمل يجعل المرء يفكر في مسارات تاريخية موازية لم تُحقّق بعد حيث تكون “عظماؤنا” نساء سوداوات ومساهماتهن خريطة دقيقة وحرفية للذات بصرياً.

School of Beauty, School of Culture، 2012
هذه اللوحة تُعدّ شبه تتمة لـDe Style، لكنها هذه المرّة في صالون تصفيف شعر مع تركيز على النساء. رموز الثقافة السوداء تتوزّع في كل مكان: غلاف ألبوم لورين هيل يتدلّى على جدار خلفي، ومظلّة بألوان الأحمر والأخضر والأسود — ألوان العلم البن أفريقي — تنعكس في مرايا الصالون. في الزاوية العليا اليمنى، ملصق لحضور عرض في تيت للفنان كريس أوفيلي، أول فنان أسود يفوز بجائزة تيرنر.

يقرأ  لوحات باسكيات المرتبطة بفضيحة ١ إم دي بي تُعرض في مزاد تنظمه الحكومة الأمريكية

كل هذه الصور والرموز تتقاطع مع إشارات إلى أعمال فنانين بيض بارزين. يظهر مارشال نفسه في مرآة وهو يصوّر المشهد — إحالة إلى دييغو فيلاسكيز الذي دمج نفسه عبر سطوح عاكسة في “لاز مينيناس”. وعلى الأرض صورة مائلة ومشوّهة لـ”الجميلة النائمة” — تلميح إلى “السفراء” لهانز هولباين الأصغر الذي يحتوي على جمجمة انامورفيكية.

هناك عدم تطابق بين هذا التاريخ الفني الأبيض والثقافة السوداء المعاصرة، وبين الجميلة النائمة والنساء السوديات هنا. التوتر الناتج يستدعي المعايير الظالمة المفرضة على المجتمعات السوداء عالمياً. وأن غالبية هؤلاء النساء لا تكترثن، ويواصلن تزيين شعرهن والاستعراض، يوحي بقدرة على الصمود رغم كل شيء. الناقد الراحل غريغ تيت وصف اللوحة بأنها “ترنيمة للنظر الأسود كشكل من أشكال حب الذات السوداء.”

بدون عنوان (شرطي)، 2015
أعمال مارشال نادراً ما تُقرَأ كبيانات بسيطة وواضحة. لكن ماذا نفهم من لوحة صارخة كهذه، خصوصاً في ظلّ عدد لا يحصى من أعمال عنف الشرطة التي طاولت رجالاً ونساءً سوداً؟ هل يسهل أو يصعب فهم هذه اللوحة، التي أنجزت بعد سنة من مقتل مايكل براون في فيرغسون، لأنها تُظهر شرطيّاً أسود؟ وهل هذا مهم أصلاً؟

يزيد تعقيد اللوحة أن مارشال أصرّ على أنها لم تكن ردّ فعل مباشر على فيرغسون أو أي حادث شرطة حديث آخر قبلها. كما أن الشرطي ليس مبنياً على شخص حقيقي — استعمل مارشال ألعاباً كنماذج للشخصية والسيارة — ومع أن الشارة والسيارة توحيان بأنه شرطي من شرطة شيكاغو، فلا إشارات واضحة للمدينة نفسها. هكذا يصبح العمل مندمجاً في واقعنا لكنه أيضاً منفكّاً عنه.

المفتاح لفهم اللوحة، كما اقترح مؤرخ الفن داربي إنجلش، هو اختيار مارشال وضع المتلقّي قليلاً أسفل الضابط. قد يكون تمير رايس أو أيانا ستانلي-جونز “وقفا عند ذلك الارتفاع عندما انتهت حياتهما”، كما يذكر إنجلش. لكنه يضيف أن الصورة ليست بسيطة بما يكفي لتستند فقط إلى هذا الملاحظة: “مارشال لا يخبرنا كيف نفكر. بل يطلب منا أن نحمل الفِكرتين ‘أسود’ و’شرطي’ في آن واحد، وأن نحتمل هذه الوضعية المؤلمة المحتملة.”

هذه الأعمال الخمسة تقدم نوافذ مختلفة إلى براغماتية مارشال المتطرّفة: لا تجميد للعظمة في قوالب ثابتة، بل استثمار ذكي لمَواد ومَراجع الفن ليُعيد تركيبها في خدمة سردٍ بصري يطالب بالرؤية والاعتراف والكرامة.

أضف تعليق