تم توجيه تهم جنائية لجون بولتن، المستشار السابق للأمن القومي في إدارة دونالد ترامب، بتهمة مشاركة معلومات حكومية حساسة مع اثنين من أقاربه وبتهمة الاحتفاظ «بوثائق وكتابات وملاحظات» تحوي مواد مصنفة على أنها سرية للغاية. التحقيق الذي أدى إلى هذه الاتّهامات انطلق عام 2022 خلال فترة رئاسة جو بايدن، ويُعد هذه الإجراء هو ثالث توجيه اتهام لشخصية من منتقدي ترامب في غضون أسابيع قليلة.
بحسب لائحة الاتهام، قد تكشفت معلومات مصنفة عندما نجح فاعل سيبراني يُعتقد ارتباطه بإيران في اختراق حساب البريد الإلكتروني الشخصي لبولتون والحصول على المواد التي أرسلها. وتشتمل الاتهامات على مزاعم بأن المستشار استخدم حسابات بريد شخصية غير حكومية (مثل حسابات مستضافة على منصات تجارية) لإرسال معلومات مصنفة حتى مستوى «سري/سري للغاية/معلومات حساسة» إلى عناوين شخصية لأفراد عائلته.
من هو جون بولتن؟
جون بولتن شخصية قانونية ودبلوماسية أميركية معروفة بميلها الصقوري في قضايا السياسة الخارجية؛ شاربه المميّز ومواقفه الصارمة جعلاه شخصية مؤثرة ومثيرة للجدل في آن واحد. شغل منصب مستشار الامن القومي لترامب بين 2018 و2019، حيث تصاعدت الخلافات بينه وبين الرئيس حول سياسات الدبلوماسية والاستراتيجية العسكرية. قبل ذلك كان سفيراً للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في عهد جورج دبليو بوش، واشتهر هناك برفضه للتعددية وبإيمانه بتفوق القوة الأميركية.
كان بولتون من أبرز الداعين للحرب على العراق، وقد روّج مراراً لحجج تفيد بأن صدام حسين يشكل تهديداً ليس للولايات المتحدة فحسب بل للعالم بأسره، مع تعميق ادعاءات تتعلّق بأسلحة دمار شامل وروابط مزعومة لتنظيم القاعدة، وهي ادعاءات تبين لاحقاً أنها غير صحيحة. كما روج لسياسات تغيير الأنظمة في دول مثل إيران وكوريا الشمالية. بعد خروجه المتوتر من البيت الأبيض عاد إلى الحياة الخاصة ثم صار من أكثر منتقدي ترامب علانيةً، ونشر لاحقاً مذكّرة سيرة ذاتية حادة بعنوان «الغرفة التي حدثت فيها الأمور» تروي صراعات ونزاعات أيديولوجية داخل الإدارة.
ما هي التهم؟
وجهت لائحة الاتهام اتهامات بمخالفة قانون التجسس الصادر عام 1917، وهو قانون يُستخدم عادة في قضايا التسريبات والتجسس والاحتفاظ غير المصرح به بمعلومات دفاعية مصنفة. وتقول اللائحة إن بولتون أرسل أكثر من ألف صفحة من «مداخل يومية شبيهة بالمذكرات»، بعضُها وُسم بأنه «سري للغاية»، إلى قريبين له، سواء بخط اليد أو إلكترونياً. كما تشير الوثائق إلى أنّ ملاحظاته غالباً ما كانت تصف المكان الآمن أو البيئة التي اطّلع فيها على معلومات الدفاع الوطني المصنفة التي دوّنها.
تفيد لائحة الاتهام أيضاً بأن ممثلاً عن بولتون أبلغ الحكومة في يوليو 2021 عن عملية اختراق لحسابه الشخصي في البريد الإلكتروني، لكنه لم يصرّح آنذاك بأن الحساب احتوى على معلومات دفاعية مصنفة. من جهته قال بولتون إن مكتب التحقيقات الفدرالي أُبلغ «بشكل كامل» بالخرق، وأنه خلال أربع سنوات من الإدارة السابقة وبعد هذه المراجعات لم تُقدَّم أي تهم ضده.
تتهم اللائحة بولتون أيضاً بالاحتفاظ بوثائق وكتابات وملاحظات مصنفة في منزله بولاية ميريلاند ومكتبه في واشنطن العاصمة. وتذكر اللائحة أنه في 2018، قبل أن يتولى منصب مستشار الامن القومي بيوم واحد، أنشأ مجموعة دردشة مع قريبين له وعلّق عليها أنها «من أجل اليوميات في المستقبل!!!». وفي يوليو من ذلك العام أرسل للمجموعة مستنداً مكوّناً من 25 صفحة تلاه برسالة تحذير: «لا نتحدث عن أيٍّ من هذا!!!».
تتضمن اللائحة 18 بنداً — ثمانية بنود تتعلق بنقل معلومات دفاع وطني و10 بنود تتعلق بالاحتفاظ غير القانوني بمواد مماثلة من دون إذن؛ ويُعاقب كل بند بعقوبة قد تصل إلى عشر سنوات سجناً. وتلمّح مرافعات الادعاء إلى اعتقادها بأن الانتهاكات لم تقتصر على إهمال عرضي بل كانت قرارات منهجية وواعية شملت الاحتفاظ والنقل المتعمدين للمعلومات.
كيف رد بولتون؟
نفى محامو بولتون ارتكابه أي خطأ، مؤكدين أن المعلومات إما لم تكن مصنفة أو كانت قد خضعت لمراجعات سمحت بطرحها للنشر، واصفين التهم بأنها ذات دوافع سياسية. وقال بولتون إن سُلطات وزارة العدل استُخدمت كسلاح لاستهداف خصوم سياسيين، مضيفاً أنه أصبح «الهدف الأخير في حملة لتسليح وزارة العدل لتوجيه اتهامات لمن يعتبرهم أعداءه بأتهامات كانت مرفوضة سابقاً أو تُحرف الحقائق».
الخلفية السياسية والانتقادات
قضية بولتون تأتي في سياق سلسلة من القضايا الجنائية المتعلقة بالاحتفاظ غير المصرح به بمعلومات دفاعية مصنفة؛ ففي 2023 وُجّهت لترامب تهم مماثلة تضم 31 بنداً تتعلق بالاحتفاظ المتعمّد بمثل هذه المعلومات. وقد أثارت هذه القضايا نقاشاً واسعاً حول تداخل القانون والأمن القومي مع السياسة، وعمّا إذا كانت ملاحقات قضائية من هذا النوع تؤدي دوراً قضائياً محايداً أم تُستغل لأغراض سياسية. «الاعتراض والاختلاف يشكلان حجر الزاوية في النظام الدستوري الأميركي، ولهما دور حاسم في ضمان حريتنا.»
«أتطلع إلى المواجهة للدفاع عن سلوكي المشروع وكشف استغلاله للسلطة»، قال. وأضاف أن وزارة العدل استعملت مذكراته الشخصية التي سجل فيها ملاحظات وانتقادات تجاه دونالد ترامب ضده.
«هذه التهم ليست مجرد تركيز على شخصي أو على مذكراتي، بل تعبّر عن جهده المكثف لترهيب خصومه وضمان أن يكون هو وحده من يحدد كيف يُناقش سلوكه»، أضاف.
تحدث جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، في منتدى جون ف. كينيدي جونيور بمدرسة كينيدي للحكومة في جامعة هارفارد بكامبريدج، ماساتشوستس.
ما التالي؟
بعد توجيه لائحة الاتهام — أي أن هيئة محلفين كبرى وجهت إليه رسمياً تهمة جنائية — سيواجه بولتون جلسة تقديم لائحة الاتهام أو ما يُعرف بالاستماع الأول، حيث تُقرأ عليه التهم ويُطلب منه الإدلاء بمرافعة؛ ومن المتوقع أن ينكر التهم ويُعلن براءته.
ووفق تقرير لشبكة سي إن إن، من المتوقع أن يسلم نفسه في أقرب وقت ممكن، ربما يوم الجمعة، ويُمثُل أمام محكمة اتحادية في ولاية ماريلاند، رغم أنه لم يُحدد موعد جلسة الاستماع بعد.
ولأن التهم تتعلق بمعلومات مصنفة، قد تُجرى أجزاء من المسأله القانونية في جلسات مغلقة بموجب قواعد الأمن القومي.
وكانت وزارة العدل قد رفعت في الآونة الأخيرة قضايا بحق كل من مدير مكتب التحقيقات الاتحادي السابق جيمس كومي، والمدعية العامة لولاية نيويورك ليتيسيا جيمس، في أعقاب ضغوط ومطالبات من ترامب. كما فتح المدّعون تحقيقات في حق آخرين من المنتقدين الدائمين لترامب، من بينهم مدير وكالة المخابرات المركزية السابق جون برينان، وتعهد الرئيس بأن مزيداً من التحقيقات قد تلي ذلك.