جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، نفى التهم الفدراليّة الموجّهة إليه بشأن تعامله مع معلومات مصنّفة سرّية.
في يوم الجمعة سلّم نفسه للسلطات في مبنى المحكمه الفدراليه بمدينة غرينبيلت بولاية ماريلاند، وأدلى هناك بتصريح النفي (plea) أمام القاضي.
هو متهَم بثماني تهم تتعلق بنقل معلومات دفاعية وطنية وعشر تهم أخرى بالاحتفاظ غير القانوني بتلك المعلومات؛ كل تهمة قد تُسفر عن عقوبة تصل إلى عشر سنوات سجناً. وإذا ثبتت إدانته في مجمل القضايا فقد يقضي بقية حياته خلف القضبان.
خلفية ومسيرة وظيفية
خدم بولتون في إدارات أربع رؤساء جمهوريين: عمل مساعداً لوزير العدل في عهد رونالد ريغان، ودبلوماسياً في عهد جورج هـ. و. بوش، وسفيراً لدى الأمم المتحدة في عهد جورج دبليو. بوش، ثم مستشاراً للأمن القومي في إدارة دونالد ترامب. علاقته بترامب لا تزال مرشّحة لأن تثير الشكوك حول دوافع الملاحقات القانونية ضده.
أسئلة حول الانتقام السياسي
يأتي توجيه لائحة الاتهام ضد بولتون ضمن سلسلة ملاحقات جنائية طالت معارضين بارزين لترامب منذ أن أقال الأخير المدعية العامة للمنطقة الشرقية في فيرجينيا وعين بدلًا منها محامية شخصية، ليندسي هاليغان. منذ تسلّمها المنصب في 22 سبتمبر، اتبعت هاليغان مساراً قضائياً شمل لوائح اتهام ضد جيمس كومي، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، والنيابة العامة لولاية نيويورك ليتيتيا جيمس.
لترامب تاريخ طويل من النزاع العلني مع هؤلاء الخصوم. قاد كومي تحقيقات مكتب التحقيقات بشأن التدخّل الروسي المزعوم في انتخابات 2016، وهو تحقيق اعتبره ترامب تشويهاً لطيف سمعته، ثم أقاله مبكراً في ولايته الأولى (2017). أما ليتيتيا جيمس فكانت من قادة الدعوى المدنية التي اتهمت ترامب وشركاءه في منظّمة ترامب بتضخيم أصولهم للحصول على تمويل ميسّر؛ وفي 2024 صدر حكم يقضي على ترامب بدفع 364 مليون دولار تعويضات، وهو مبلغ وُصف لاحقاً بأنه «مبالغ فيه» وأُلغي جزئياً.
في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي دعا ترامب علناً وزارة العدل لملاحقة خصومه السياسيين، مؤكدًا أن لا شيء يُفعل رغم أنهم «مذنبون كما الجحيم». وأضاف أنه أقال المدعية العامة السابقة لأنها أخبرته بأن «لا لديهم قضية»، وأنه لا يمكن التأجيل أكثر لأن ذلك يضر بسمعته ومصداقيته.
علاقة بولتون بترامب
لم يُذكر بولتون صراحة في ذلك المنشور، لكنه خاض نزاعًا طويلاً مع ترامب. يُعرف بولتون بمواقفه الصقورية في السياسة الخارجية ودعمه لخيارات عسكرية صارمة تجاه دول مثل إيران. تقلّد منصب مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب بين 2018 و2019، وكان ثالث من يتولى هذا المنصب خلال أقل من عامين.
ظل الخلاف بين الرجلين مرئياً: ترامب اتهمه علناً بأنه لو اتُّبعَت نصائحه لكانت الولايات المتحدة قد دخلت «حرباً عالمية سادسة». من جهته نشر بولتون مذكراته العام 2020 المعنونة The Room Where It Happened، منتقداً فيها قرارية ترامب وسياساته التي وصفها بأنها مدفوعة بالمصلحة الشخصية ومفتقرة لفهم عميق للشؤون الدولية، بل ادعى أن ترامب طلب مساعدة الصين لتعزيز فرصه في الانتخابات.
سحب التصريح الأمني والملف الجنائي
عند عودته إلى المكتب الرئاسي في يناير، ألغى ترامب تصريح بولتون الأمني في 21 يناير، وهو قرار استهجنَه بولتون خصوصاً في ضوء ما وصفه بمحاولة اغتيال مُزَعَمة قام بها عناصر من الحرس الثوري الإيراني ضده. وكتب بولتون على وسائل التواصل أنه ليس مستغرباً لكنه مُحبَط، مشيراً إلى أن وزارة العدل قد وجهت في 2022 اتهامات إلى مسؤول في الحرس الثوري لمحاولة استئجار قاتلٍ لاغتياله.
في أغسطس داهم عملاء مكتب التحقيقات منزل بولتون في بيثيسدا بولاية ماريلاند وصادروا أقراصاً صلبة وعدداً من الصناديق المحتوية على مواد وثائقية. ولائحة الاتهام الجنائية التي تتألف من 26 صفحة تمثل تصعيداً واضحاً في المسار التحقيقاتي، إذ تزعم أن بولتون «أساء استغلال منصبه كمستشار للأمن القومي بمشاركة أكثر من ألف صفحة من سجلات نشاطاته اليومية — بما في ذلك معلومات متعلقة بالدفاع الوطني ومصنفة حتى مستوى سري جداً/مطلوب للوصول الاستخباراتي (TOP SECRET/SCI) — مع شخصين غير مخوّلين».
كما تتهمه اللائحة بالاحتفاظ غير القانوني بوثائق وكتابات وملاحظات تتعلق بالدفاع الوطني. وتذكر أن بعض هذه الكتابات كانت على شكل مذكرات يومية مكتوبة بخط اليد ثم نُقِلت رقمياً إلى المستلمين. أفادت وسائل إعلام أمريكية أن المستلمين هم من أفراد عائلته، وربما زوجته وابنته.
اللائحة تشير أيضاً إلى أن بولتون كان هدفاً لفاعل إلكتروني يُعتقد أنه مرتبط بالجمهورية الإسلامية، وهو ما قد يكون أتاح للمخترق الوصول إلى المواد المصنفة التي كانت بحوزته.
المقارنة مع قضية ترامب وتسريبات مسؤولين آخرين
أشار منتقدون إلى أن ترامب نفسه واجه اتهامات في قضية تتعلق بوثائق مصنفة، حيث جرى استرداد نحو 33 صندوقاً وما يربو على 11 ألف ملف من ممتلكاته في مار‑أ‑لاجو. وقد ادّعى المدعون الفدراليون أن ترامب حاول إخفاء تلك الوثائق في قضية تم إسقاطها قبل ولايته الثانية، في ضوء سياسة وزارة العدل بعدم ملاحقة رئيسٍ شاغل للمنصب.
ومنذ عودته أيضاً تعرض مسؤولون في إدارة ترامب، من بينهم وزير الدفاع بيت هِجسِث، لانتقادات بعد تسريبات معلومات عسكرية حساسة عبر تطبيق التراسل «سيغنال» — تمّ إرسال بعض هذه البيانات بالخطأ إلى صحفي. بولتون انتقد علنًا هذه التسريبات وظهر في وسائل الإعلام متهماً المسؤولين بسوء التصرف في المعلومات الحسّاسة؛ واستُخدمت تصريحاته في لائحة الاتهام كدليل على علمه بالإجراءات الأمنية الواجب اتّباعها عند التعامل مع معلومات مصنفة.
رد بولتون
نفى بولتون التهم الموجّهة إليه ووصف سلسلة لوائح الاتهام الأخيرة بأنها محاولة من ترامب لـ«تخويف خصومه» عبر تسييس وزارة العدل. وقال في بيان إنه أصبح الهدف الأخير لسياسة تحويل وزارة العدل إلى أداة تُستخدم لملاحقة من يعتبرهم ترامب أعداءً، متهمًا السلطات بتقديم تهم سبق رفضها أو بتحريف الوقائع.