كيف سيسافر بوتين إلى المجر للقاء ترامب بينما تطارده مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية؟ أخبار حرب روسيا وأوكرانيا

من المرتقب أن يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المجر في وقت قريب، حيث سيلتقي نظيره الأميركي دونالد ترامب في قمة ثانية تهدف إلى بحث سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا. اللقاء الأول في ألاسكا خلال أغسطس لم يُثمر عن أي اتفاق.

ومع صدور مذكرة توقيف عن المحكمة الجنائية الدولية في 2023 تتهم بوتين بتهجير أطفال أوكرانيين بطريقة غير قانونية، يتبادر السؤال: كيف سيصل المطلوب للعدالة إلى مائدة المفاوضات؟

تُلزم الدول الموقعة على نظام روما، الذي أنشأ المحكمة في لاهاي، باعتقال من صدرت بحقهم مذكرات توقيف حال دخولهم أراضيها — وهو ما يشمل أيضاً المجال الجوي باعتباره جزءاً من السيادة الوطنية وفقاً للقانون الدولي. المجر، التي صرحت مؤخراً بنيتها الانسحاب من الاتفاقية — مما قد يجعلها ملاذاً آمناً لبوتين — محاطة بدول ستظل مُلزَمة بهذه الالتزامات.

لكن المحكمة الجنائية الدولية، التي تضم 125 دولة عضواً، لا تملك قوة شرطة دولية لتنفيذ الاعتقالات، ما يطرح تساؤلات حول إمكان تطبيق مذكراتها عملياً.

(طائرة الدولة الإسرائيلية «جناح صهيون» التي اجتازت مؤقتاً أجواء اليونان وإيطاليا في طريقها بنِتَنياهو إلى نيويورك لحضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، صورة من مطار أثينا — يونيو 2025)

أليست المجر عضواً في المحكمة الجنائية الدولية أيضاً؟

من الناحية الشكلية، نعم. لكنها في طريقها إلى الخروج. في أبريل أعلن رئيس الوزراء اليميني الشعبوي فيكتور أوربان أن بلاده ستنسحب من وثيقة تأسيس المحكمة أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي صدر بحقه أيضاً مذكرة توقيف هذا العام على خلفية جرائم حرب في غزة. وفي مايو أقر البرلمان المجري مشروع قانون يطلق إجراءات الانسحاب، التي تصبح نافذة بعد سنة من تسلم الأمين العام للأمم المتحدة إشعاراً خطياً بالقرار.

يقرأ  تغييرات التأشيرات ستؤثر سلبًا على أعمالي

وبحسب تصريح وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو حول نية بلاده استضافة الرئيس «بما يليق بسيادتها»، وضمان أن تُجري «مفاوضات ناجحة ثم تعود لبلاده»، يبدو أن بوتين سيبقى بعيداً عن خطر الاعتقال على الأراضي المجرية.

(فيكتور أوربان وفلاديمير بوتين خلال مؤتمر صحفي أعقب لقائهما في موسكو — يوليو 2024)

ماذا عن المجال الجوي؟ هل يمكن اعتراضه أثناء الرحلة؟

كما قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، هناك «عديد من التساؤلات» التي يجب حلّها قبل انطلاق الرحلة، وأحدها مسار الطيران. من المرجح أن يتجنب بوتين دول البلطيق بعد حوادث خرق طائرات روسية لأجوائها، والتي وضعت المنطقة في حالة تأهب كبيرة خشية امتداد الحرب الأوكرانية. دول البلطيق قد تفرض هبوطاً قسرياً إذا اقتضى الأمر.

قد توفر بيلاروس ممرّاً ملائماً يربط بين البلطيق وأوكرانيا جنوباً، لكن ذلك يضع الرحلة في مواجهة بولندا التي لطالما توترت علاقاتها مع الكرملين وحذرت أخيراً أوروبا من استعدادها لضربات روسية عميقة على أراضيها. كما شهدت أجواء بولندا خروقات بطائرات مسيّرة روسية مؤخراً.

سلوفاكيا التي يقودها السياسي المائل نحو موسكو روبرت فيكو تواصل استيراد الطاقة الروسية رغم ضغوط ترامب لوقف واردات النفط والغاز، وقد تكون أكثر تيسيراً، لكن الوصول إلى سلوفاكيا يمرّ عبر بولندا أولاً. لذا يبدو أن المسار المباشر نحو بودابست محاط بعقبات عديدة.

ماذا عن مسار أطول يلتف حول العوائق؟

قد يستلهم بوتين مثال نتنياهو، المطلوب أيضاً من المحكمة والذي تجنّب عدة دول أوروبية في طريقه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. طائرة نتنياهو «جناح صهيون» مرت مؤقتاً فوق أراضي اليونان وإيطاليا ثم اتجهت جنوباً متجنّبة الأجواء الفرنسية والإسبانية قبل عبور المحيط الأطلسي، وفق بيانات تتبع الرحلات.

قد يكون التوجه جنوباً خياراً متاحاً لبوتين أيضاً. جورجيا، التي علقت حكومة حزب «الحلم الجورجي» طلب انضمام تبليسي إلى الاتحاد الأوروبي، موقعة على نظام روما لكنّها قد تتغاضى عمّا إذا تطلّب الأمر. تركيا، التي ليست طرفاً في نظام روما لكنها راعت دوماً توازناً دقيقاً بين روسيا والناتو واستضافت محادثات سابقة بين مفاوضين روس وأوكرانيين، قد تسمح بعبور طائرة روسية على نحو تقني.

يقرأ  المحكمة تكشف تفاصيل مروعة في قضية «جريمة الحقيبة»

من هناك، يبقى المأزق الكبير في تجاوز اليونان لتأمين ممر عبر دول البلقان وصولاً إلى استقبال أوربان الرسمي.

(أوربان يستقبل نتنياهو في بودابست — أبريل 2025)

هل قام بوتين برحلات أخرى منذ صدور مذكرة التوقيف الدولية؟

قلّص بوتين بوضوح من تنقّلاته بعد إصدار مذكرة التوقيف. العام الماضي زار منغوليا — عضواً في المحكمة الجنائية الدولية — حيث استُقبل بحفل رسمي فخم تخلّلته عروض فرسان. منغوليا، التي تربطها علاقات وديّة مع روسيا وتعتمد عليها في الوقود والكهرباء، قدّمت مثالاً على دولة يمكن أن تُقيد تطبيق مذكرات التوقيف لأسباب جيوسياسية. امتنع البلد عن ادانة الهجوم الروسي على أوكرانيا وامتنع عن التصويت في الأمم المتحدة بشأن الصراع؛ لذلك لم يكن مفاجئاً أن يُفَرش له السجاد الأحمر.

كانت الرحلة إلى ألاسكا لعقد لقاء ثنائي مع ترامب في أغسطس الماضي يسيرة إلى حد كبير، إذ استطاع الرئيس أن يتفادى الدول المعادية تماماً، فطار فوق الامتداد الشاسع لأراضي بلاده عبر مضيق بيرينج إلى الولايات المتحدة، التي ليست طرفاً في اتفاقية روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية.

وبالمثل، لم تُشكّل زيارة هذا العام إلى “الصديق القديم” والجَار شي جينبينغ لحضور عرض عسكري ضخم وقمة منظمة شنغهاي للتعاون أية إشكالية، إذ أن الصين ليست طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية.

هذا الشهر التقى الرئيس الروسي بزعماء من آسيا الوسطى يسعى لتعزيز روابطه معهم في طاجيكستان، التي وقّعت على اتفاقية روما.

هل سيُعتقل بوتين يوماً؟

تشكل مذكرات التوقيف خطوة أولى نحو محاكمة محتملة، مع أنّ إلقاء القبض على رئيس روسيا يبدو أمراً شبه مستحيل أو بعيد التحقق في الظروف الراهنة.

قليلون هم القادة الذين انتهى بهم المطاف في لاهاي.

استسلم الرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي لمقتضيات العدالة أمام لاهاي في وقت سابق من هذا العام لمواجهة تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تتعلق بعمليات قتل خارج نطاق القانون خلال “حربه على المخدرات” التي أدينت على نطاق واسع وأسفرت عن مقتل الآلاف.

يقرأ  اغتيال صالح الجفراوي: رسالة قاتمة موجهةالإعلام

أما الرئيس الليبيري السابق وزعيم الميليشيات تشارلز تايلور فقد حوكم في 2012 أمام المحكمة الخاصة بسيراليون المدعومة من الأمم المتحدة، والتي عقدت جلساتها في لاهاي، وأدين في أحد عشر بنداً متصلاً بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

هل سيقرر زعيم روسي مستقبلًا تسليم بوتين قسرياً، كما جرى مع سلوبودان ميلوشيفيتش الذي نُقل إلى لاهاي بعد إزاحته عام 2000 لمتابعة فظائع ارتكبت في حروب يوغوسلافيا السابقة؟

ذلك يستلزم تحوّلاً جذرياً في توازن القوى داخل الكرملين، وهو ما يبدو مستبعداً في المدى المنظور.