حركة مناهضة المهاجرين تحرم الأجانب من الوصول إلى الرعاية الصحية

تحولت حركة «أوبريشن دودولا» من مجموعة ضغط مناهضة للمهاجرين إلى حزب سياسي.

أصبحت عيادة مجتمعية شمال جوهانسبرغ خط المواجهة في نزاع يحتدم داخل جنوب افريقيا حول حق الأجانب في الوصول إلى مرافق الصحة العامة. ما بدأ كتحرك محلي صغير في منطقة واحدة عام 2022 توسع سريعاً، إذ قام ناشطون من الحركة، المعروفة بمواقفها المعادية للمهاجرين، بملاحقة بعض المستشفيات والعيادات في مقاطعتي غاوتنغ وكوازولو-ناتال، وفحص بطاقات الهوية ومنع أي شخص لا يحمل هوية جنوب أفريقية من الدخول.

كلمة «دودولا» في لغة الزولو تعني «الإزاحة بالقوة».

ورغم وقوع بعض الاعتقالات، تبدو السلطات عاجزة عن وقف الاعتصامات عند أبواب العيادات. أحدث حملاتهم تدور حول ديبسلوت، بلدة فقيرة يقطنها أكثر من 200 ألف نسمة قرب مركز البلاد التجاري.

في صباح ربيعي بارد، خرجت سيسيلوكوهل مويو، مرتدية تنورة زرقاء وبيج ومعطفاً واقياً ورأساً ملفوفة بالأسود، متجهة مبكراً إلى العيادة كما اعتادت لتحصل على أدويتها لمرض مزمن تعانيه. لكن هذه المرة اختلفت الأمور عند البوابة. كان رجلان يرتديان تيشيرتات بيضاء تحمل شعار «أوبريشن دودولا – الترحيل الجماعي» متمركزين عند المدخل، وطالبا الجميع بإظهار وثائقهم قبل السماح لهم بالدخول.

قالت مويو، مخفية استياءها خلف ابتسامة مهذبة: «قلت لهم إن لدي جواز سفر. فقالوا لا يقبلون الجوازات. يريدون بطاقات الهوية فقط.» لم يُسمح لأي شخص غير قادر على إبراز دفتر هوية جنوب أفريقي بالدخول، فعادت مويو تمشي ببطء إلى جانب الطريق وانضمت إلى مجموعة من النساء وأطفال مربوطين على ظهورهن، ينتظرن بقلق ما قد يحدث.

واجهت تنداى مُسڤافا، وهي امرأة في الأربعينيات، المصير ذاته. قالت بصوت بدا عليه الإحباط: «كنت واقفة في الطابور ثم قالوا إنهم يحتاجون بعض الأشخاص الذين لديهم بطاقات هوية. أنا ليس لدي بطاقة، لدي جواز من موزمبيق، فلا أستطيع الحصول على أدويتي لأنني لا أمتلك بطاقة هوية.» بدت مُسڤافا، بجمبر برتقالي لافت وقبعة بيضاء، محبطة واستسلامها واضح. وأضافت: «أشعر أنهم يفعلون ما يريدون لأن هذا بلدهم، ولا حضّ لي. الآن عليّ أن أتبع ما يقولونه، لا خيار لدي.»

يقرأ  لقطة درامية لانهيار طيني — مصوّرة في اليابان وليست في باكستان

يُقيم في جنوب افريقيا نحو 2.4 مليون مهاجر، أي ما يقل قليلاً عن 4% من السكان بحسب إحصاءات رسمية. معظمهم آتٍ من دول الجوار مثل ليسوتو وزيمبابوي وموزمبيق التي لها تاريخ طويل في إرسال عمال مهاجرين إلى الجارة الأغنى. لطالما كانت كراهية الأجانب قضية متجذرة مصحوبة أحياناً بانفجارات عنف قاتلة، وأصبح الخطاب المعادي للمهاجرين أحد الموضوعات السياسية المحورية.

بدأت «أوبريشن دودولا» كحملة مجتمعية، لكن وُجهت لها اتهامات في أوقات سابقة باستخدام القوة لتحقيق أهدافها، وهي الآن حزب سياسي يخطط لخوض انتخابات الحكم المحلي المقبلة. زعيمة الحزب، زانديل دابولا، تصر على أن ما تفعله منظمتها في العيادات العامة في جوهانسبرغ وأماكن أخرى مبرر.

قالت لدافع الإعلام: «نريد أولوية للمواطنين الجنوب أفارقة. نُقرّ بضرورة الرعاية الطارئة — لا نرفض علاج المحتاج — لكن إن كنت غير نظامي فيجب تسليمك لجهات إنفاذ القانون.» وعندما وُجه إليها أن كثيراً من المهاجرين متواجدون في البلاد بصورة قانونية، تحوّلت إلى حجة ندرة الموارد وحتمية إعطاء أولوية للجنوب أفارقة: «الحياة أولاً، لا ننكر ذلك، لكن لا يمكن أن تكون خدمة مجانية للجميع. لا نستطيع أن نُعيل العالم بأسره، ليس لدينا ما يكفي.»

يضمن الدستور ان الحق في الوصول إلى الرعاية الصحية لكل من في البلاد، بغض النظر عن الجنسية أو الوضع القانوني. لكنها تقول إن منظومة الصحة العامة، التي تخدم نحو 85% من السكان، مثقلة بالأعباء؛ ويضطر بعض الناس للاستيقاظ في الرابعة فجراً للانتظار في طوابير طويلة لأنهم يعلمون أنه إذا لم يصلوا في الوقت المناسب فلن تبقَ أدوية.

جنوب افريقيا مجتمع شديد التفاوت، إذ تُتركز ثروة البلد في أيادٍ قليلة. معدلات البطالة والفقر مرتفعة، ويُلقي البعض باللائمة على المهاجرين الذين غالباً ما يعيشون في أحياء فقيرة.

يقرأ  الإعلامُ الرسميُّ الصينيُّ ينتقدُ بعضَ مُصَنِّعي السياراتِ لتَضخيمِ أرقامِ الطلبياتِ

وجدت أساليب «أوبريشن دودولا» صدى لدى بعض سكان ديبسلوت؛ فذكر سيفو موهالي، وهو مواطن جنوب أفريقي، أن الحملة شكلت «تغييراً إيجابياً»، وأضاف أنه في زيارته السابقة كان الطابور طويلاً للغاية، أما هذه المرة فقد استغرق حصوله على أدويته دقائق معدودة. ورحّبت كذلك ممرضة محلية وُصفت في التقارير بوجود التنظيم، مشيرة إلى أن المواطنين كثيراً ما يأتون للعيادة ويجدون الأدوية غير متوفرة. منذ أن توقّف الأجانب عن ارتياد العيادة، طرأ فرق واضح على سير العمل، بحسب كلامها.

ومن المفارقة أن بعض المواطنين الجنوب أفارقة لم يسلموا من حملة معادية للمهاجرين؛ إذ طُرد بعضهم أيضاً من مرافق الرعاية الصحية العامة لعدم قدرتهم على إبراز بطاقة الهوية — ويُعتَقد أن أكثر من عشرة بالمئة من الجنوب أفارقة يفتقرون إلى وثائق رسمية تثبت جنسيتهم.

لكن ما يثير غضب ناشطي الحقوق المدنية على الطرف الآخر من الجدل هو خرق حركة “أوبيريشن دودولا” للدستور وتصرفاتها خارج الأُطر القانونية.

تقول فاطمة حسن، محامية حقوقية من مبادرة العدالة الصحية: «وجود مجموعة غير مرخّصة من الدولة تتخذ قرارات حول من يُسمح له بالدخول ومن يُمنع عنه ذلك مشكلة عميقة». وتضيف: «إن لم تضبط الحكومة هذا الوضع قريباً فسوف تخسر القدرة على فرض القانون والنظام بنفسها».

وقال نائب وزير الصحة جو فاهلا للـBBC إن حكومته تعارض استهداف الأجانب أو أي شخص يحاول الاستفادة من العيادات أو المسشتفيات المحلية. وأضاف: «لا نتفق مع هذا النهج لأن الصحة حق إنساني. ومع إدراكنا لأهمية تنظيم تقديم الخدمات بشكل صحيح، لا يتم ذلك عبر أساليب التنمّر».

وقد دانت عدة أحزاب سياسية كبرى، من بينها محرك الحرية الاقتصادية والتحالف الديمقراطي، حركة أوبيريشن دودولا.

إلا أن محاولة حديثة لرفع دعوى قضائية من قبل اللجنة الجنوب إفريقية لحقوق الإنسان فشلت على أساس تقني، مما سمح للحركة بمواصلة حملتها عملياً.

يقرأ  لوحة غوستاف كليمت مرشحة لتتصدر مزادات الموسم — والمزيد من أخبار الفن

اعتُقل عدد من أعضاء أوبيريشن دودولا في الأسابيع الأخيرة بتهمة إغلاق مداخل مرافق الرعاية الصحية العامة، ثم أُفرج عنهم لاحقاً بعد توجيه تحذير لهم. ومع ذلك، لا يبدو أن تحرك الشرطة قد ردع المجموعة.

ترى حسن أن إجراءات أشد ضرورة، مؤكدة أن «الشرطة والأجهازة العسكرية كان ينبغي أن تكون هناك منذ اليوم الأول لمنع هذه الاعتصامات، لأن ما يحدث ببساطة انتهاك للقانون».

أشار الدكتور فاهلا إلى أن هذا الخيار قيد الدراسة، لكنه أوضح أن الشرطة قد صرحت بأن الموارد «مشدودة» فيما يتعلق بقدرتها على المراقبة والتدخل في الوقت المناسب عند وقوع مثل هذه الحوادث.

بينما تتردد الدولة في اتخاذ قرار حاسم، تبدو حركة أوبيريشن دودولا أكثر جرأة وتحوّل تركيزها الآن إلى المدارس الحكومية، زاعمة أن ذلك جزء من حملة لمحاربة الهجرة غير الشرعية.

وفي دايبسلوت، تترك إجراءات المجموعة بعض الناس دون الرعاية الطبية التي يحتاجونها. الآن تبحث السيدة موسافافا، التي تم منعها من الدخول، عن بدائل. وعلى الرغم من قلة مواردها، تفكّر في اللجوء إلى القطاع الخاص.

«أعتقد أنني سأضطر للذهاب إلى الطبيب. سأدفع المال. سأناضل لأجل ذلك»، قالت، دون أن تعرف كم ستكلّفها الزيارة. وأضافت: «لا أملك مالاً، لكني سأضع خطة».

قد يهمك أيضاً: Getty Images/BBC

أضف تعليق