لماذا تختلف موجة شراء الذهب في الهند خلال ديوالي هذا العام؟

أنهيتا ساشديف من دلهي ــ نيخل إينامدار من مومباي
صور غيتي

مع اقتراب الاحتفلاات الهندوسية مثل ديوالي واحتفال داناتراس الأصغر، امتلأت سوق المجوهرات في حي لاجپات ناجار الحيوي بالعاصمة دلهي بزحام المتسوقين. المحال بقيت مفتوحة حتى في أيام العطلات، ومع حلول الغسق تصطف عشرات السيارات في الشوارع بينما تَشُدُّ الألواح المضيئة الأنظار إلى محلات مزينة بالزهور.

قفزت أسعار الذهب حتى تجاوزت 1,440 دولاراً لكل 10 غرام، ما أثر بعض الشيء على طلب المجوهرات في ثاني أكبر سوق للمعادن الثمينة عالمياً هذا العام، لكن الهنود لم يتخلّوا تماماً عن عادتهم في اقتناء الذهب. يُعَدّ ديوالي وداناتراس مناسبتين مباركتين لشراء المعادن النفيسة، ويهرع مئات الآلاف من المواطنين إلى الأسواق لاقتناء قطع ونقود وسبائك من الذهب والفضة اعتقاداً منهم أنها تجلب الرخاء والحظ.

الأسعار القياسية أثارت لدى المشترين شعور “خوف من فقدان الفرصة”؛ كثيرون يخشون أن ترتفع الأسعار أكثر، كما قال براكاش باهلجاني، صاحب محل “كومار جويلز” العائلي، في أمسية مزدحمة بمحلّه. “لهذا لديّ زبائن أكثر هذا العام،” أضاف.

مع ارتفاع أسعار الذهب بنحو 60% والفضة بنحو 70%، اضطرّ صانعو الحُليّ إلى تغيير استراتيجياتهم لمواجهة تراجع ميزانيات الزبائن. يقول تانشِق غوبتا، تاجر مجوهرات آخر في الجوار، إن الناس لا يقولون “لا أريد الشراء” بل يقولون “سأشتري أقل قليلاً”. لذا صار عليه ابتكار تصاميم تبدو فاخرة ومُعقّدة مع تقليل كمية الذهب فيها. قطعة معدّة من 250 ملغ من الذهب، يبيعها أحياناً بسعر يبدأ من 35 دولاراً، أصبحت أرقّ لكنها مصممة لتبدو بحجم القطع الأثقل. كما تُعرض في الأسواق قطع أصغر وزناً تصل إلى 25 ملغ.

قال بوشبيندر تشوهان، تاجر آخر في الحي، إن الارتفاع الكبير في الأسعار عزّز أيضاً تفضيل المجوهرات الخفيفة هذا العام، لا سيما بين المشترين الشباب الذين يريدون قطعاً للاستخدام اليومي لا لمناسبات خاصّة فحسب.

يقرأ  إيران تعتقل ثمانية مشتبه بهم بالتجسُّس لصالح الموساد خلال حربٍ دامت اثني عشر يوماًأخبار الصراع الإيراني–الإسرائيلي

وأشار عدد من التجار الذين تحدثت إليهم البي بي سي إلى اتجاه واضح آخر: مزيد من الزبائن يشترون الذهب والفضة لأغراض استثمارية بدلاً من الزينة، وهو ما ينعكس أيضاً في بيانات سوق السبائك. فبينما تظل المجوهرات أكبر مكون من مكونات الطلب الإجمالي على الذهب في الهند، فإن نسبة الطلب الدافعة للاستثمار ــ أساساً السبائك والعملات الذهبية ــ في تزايد مستمر وفق مجلس الذهب العالمي.

“نصيب المجوهرات انخفض إلى 64% في الربع الثاني من هذا العام مقابل 80% في الفترة نفسها من 2023، بينما ارتفع الطلب الاستثماري من 19% إلى 35% خلال الفترة ذاتها”، قالت كافيتا تشاكو، رئيسة قسم الأبحاث في المجلس، للبي بي سي. جزء كبير من هذا الطلب جاء أيضاً عبر صناديق المؤشرات المتداولة أو الذهب الرقمي، حيث سجّل سبتمبر تدفُّقات قياسية، إذ قفزت أصول صناديق المؤشرات المتداولة لإدارة الذهب بأكثر من 70% هذا العام.

إضافة إلى الطلب الاستهلاكي، تؤثر مشتريات بنك الهند المركزي في أسعار الذهب بصورة كبيرة؛ إذ ارتفعت حصة المعدن في احتياطيات النقد الأجنبية من 9% إلى 14% في 2025، بحسب مجلس الذهب العالمي. في الواقع، كان مصرف الاحتياطي الهندي عاملاً رئيسياً في الطلب العالمي على الذهب خلال السنوات الثلاث الماضية، كما تقول كاينات تشينوالا، محللة السلع لدى “كوتاك سيكيوريتيز”. وأكدت أن المصرف المركزي يكدس الذهب لتنويع احتياطياته، وتقليل الاعتماد على الدولار، ولتوفير استقرار في أوقات التوترات الجيوسياسية.

ومع دخول موسم الأعياد والمواسم الزوجية، يتوقع الخبراء أن يظل الطلب التجزئـي على الذهب والفضة قوياً رغم وصول الأسعار إلى مستويات قياسية. يقول مادان سابنافيس، كبير الاقتصاديين في بنك بارودا الحكومي: “ستستمر الطبقات الميسورة في الشراء، رغم أن ذلك يعد انتكاسة للأسر ذات الدخل المنخفض. الطلب سيستمر من حيث القيمة حتى لو انخفضت الكميات.”

يقرأ  رئيس وزراء فرنسا المستقيل يتوقع تعيين خليفة خلال ٤٨ ساعة

لكن بعض الأسر طُردت تماماً من السوق بسبب الأسعار المرتفعة. تقول بهفنا، التي ستتزوّج في فبراير، إن “نيتي الآن أن أفكر مليّاً قبل الشراء — هل أشتري أم أؤجّل؟” وقد أجلت مشترياتها وتنتظر انخفاض الأسعار قليلاً لتُكمل تحضيرات زفافها.

لا تنفي الأسباب الثقافية العميقة لارتباط الهنود بالمجوهرات الذهبية أنها ستبقي شهية الاقتناء قوية على المدى الطويل، رغم تباطؤ الطلب قصير الأجل. فاحتفاظ الأسر الهندية بكميات كبيرة من الذهب أعاد عليها عوائد طويلة الأجل مُرضية، مما جعل كثيرين أكثر ثراء في وقت يتباطأ فيه النمو وتضيق فرص العمل. وفق بنك الاستثمار مورغان ستانلي، تمتلك الأسر الهندية ما يُقدَّر بنحو 3.8 تريليون دولار من الذهب، ما يعادل 88.8% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

“هذا يترجم إلى أثر إيجابي في ثروة الأسر، بالنظر إلى الاتجاه الصاعد في أسعار الذهب”، كتبت الخبيرة الاقتصادية أوباسانا تشاترا وباني غامبهير في مذكرة حديثة، مضيفتين أن العائلات الهندية تستفيد كذلك من عوامل دورية مثل انخفاض مدفوعات الفائدة نتيجة تيسير السياسة النقدية والأثر الإيجابي على الدخل المتاح عبر خفض الضرائب المباشرة وغير المباشرة.

وبذلك، تكون انطلاقة موسم الاحتفلاات مقبولة إلى حدّ كبير، رغم أن الأسعار القياسية قد نزعَت بعض بريق المعدن النفيس.