من الطقوس القديمة إلى المعجبين عبر الإنترنت

يقع الحلبة في منتصف القاعة، وتعلوها سقيفة على طراز المعبد الياباني معلقة بالأعمدة، وفوقها شاشة LED دائرية كبيرة. المشهد يجمع بين طقوس قديمة متجذِّرة وأحدث تقنيات العرض — منظر قد تراه في ملعب كرة سلة أميركي لكنه هنا يخدم سرد الرياضة وتقديم الإحصاءات والإعادات للجمهور.

قلة من الرياضات تستطيع أن تحصد انتباه الجمهور طوال 45 دقيقة من الاحتفال قبل أن يبدأ اللقاء الأول. ومع ذلك، فإن التقاليد المعقَّدة التي تتكشف داخل حلقة صغيرة من الطين — لم تتغير تقريبًا منذ مئات السنين — فعلاً تفعل ذلك. مرحبًا بكم إذن في بطولة السومو الكبرى: فعاليةٌ ممتدة على خمسة أيام في قاعة رويال ألبرت في لندن يشارك فيها أربعون من أفضل المصارعين، وتمتد جذور هذه الرياضة لتعود أول إشارة تاريخية إليها إلى 23 قبل الميلاد.

تحوّل هذا الصرح الفيكتوري الموسيقي إلى مسرح ياباني بامتياز، مع سقف معبد يزن ستة أطنان معلّقًا فوق الحلبة. هنا يقوم المصارعون، المعروفون باسم الريكيشي، بركضهم على الأرجل لطرد الأرواح الشريرة، ويصفقون لجذب انتباه الآلهة، وينفّذون طقوس التطهير مثل إلقاء الملح قبل النزال. وفوق كل هذا، تدور شاشة LED العملاقة لتمنح الحضور كل ما يطلبه من إحصاءات وإعادات — تذكّرنا بأن السومو قديم التقليد لكنه لا يعيش في عزلة عن العالم المعاصر.

لقد بدأت قصة اهتمام كثيرين بالسومو عبر فيديو عفوي شاهده بعضهم على الإنترنت. توقظ الفضول مشاهدة قنوات يوتيوب المخصصة لبعض الأحلاف — تلك الـ stables حيث يعيش المصارعون ويتدربون: يستيقظون باكرًا للتدريب، يتناولون حساءً غنيًا بالبروتين يعرف باسم تشانكونابي، ثم يأخذون قيلولة بعد الظهر، كل ذلك بهدف زيادة الكتلة الجسدية. ثم تبيّن لهم نظام البطولات نصف الشهري: خمس عشرة يومًا من المنافسة تعرف باسم باشو — ومن هناك يصبح التعلُّق تامًا.

يقرأ  قرى هندية في جبال الهملايا تنتعش تدريجيًا بعد عقود من الصراع — بالصور

بالنسبة إلى سائحين مثل جوليا وشريكها سيزار اللذين يعيشان في إدنبرة، جاء الشغف عن طريق رحلة إلى اليابان قبل ست سنوات: «اعتقدنا أنها مجرد نشاط سياحي»، تقول جوليا (34 عامًا)، «لكننا انتهينا بحب هذه الرياضة». ومن هناك بحثا عن مجتمعات ومعلومات ليتعلما أكثر. وجدوا، كما يقول سيزار (36)، أن الزملاء والأصدقاء والعائلة ينظرون بدهشة إلى هذا الشغف الجديد؛ ولهذا لجأا إلى تطبيقات المراسلة مثل تيليغرام للقاء مَن يشاركونهما الاهتمام — مجموعات إيطالية وإنجليزية، ومحيط دولي يهتم بالسومو. خارج اليابان، الإنترنت هو الوسيلة الوحيدة تقريبًا للتفاعل مع هذه الرياضة.

الذهاب إلى اليابان يكاد يكون الطريق الوحيد لمشاهدة بطولة السومو من الطراز الرفيع. بطولة هذا الأسبوع في لندن هي المرة الثانية فقط التي يستضيف فيها الحدث المدينة — الأولى كانت عام 1991 — وآخر جولة خارج اليابان كانت إلى جاكرتا عام 2013. وحتى زيارة اليابان لا تضمن الحصول على مقعد: العام الماضي كان أول موسم كامل منذ 24 سنة تُباع فيه كل البطولات الستة التي تُقام كل خمسة عشر يومًا بالكامل، وذلك بفضل الاهتمام المحلي واندفاع السياح الذي شهد دخول أكثر من 36 مليون زائر عام 2024. لذا بالنسبة للكثيرين، كانت بطولة لندن أول مرة يشاهدون فيها السومو على أرض الواقع — وكانت تجربة لا تخيّب.

مشاهدة اللقاء عن قرب تكشف عن السرعة والقوة بوضوح لا يبلغهما التلفاز، كما يقول كاسبر إليوت، مشجع من لندن في السادسة والثلاثين: «كان مذهلاً. هم فعلاً ضخمون». على أرض الحلبة، يكفي أن يدفع رجلٌ آخر خارج الدائرة أو للأرض مستخدمًا القوة الخالصة للفوز؛ الغالبية تتبع إحدى طريقتين ينتهيان في أجزاء من الثانية: الدفع أو المصارعة. وفي اللحظة الأولى من التصادم، يتردد صوت ارتطام المصارعين في أرجاء القاعة — تجربة سمعية وحسية لا تُنسى.

يقرأ  القوات المسلحة البريطانية: سفينة تشتعل بعد تعرضها لضربة قبالة سواحل اليمن

خلال مراسم الدخول، يرتدي الريكيشي مآزر فخمة تُعرف باسم كيشو-ماواشي. المباريات لا تُصنَّف حسب الوزن، مما يعني أن مصارعًا قد يواجه خصمًا يَفوقه أربعين كيلوغرامًا أو أكثر. وهذا ما يجعل المشهد أكثر إثارة — وأحيانًا أكثر خطورة: في أحد الأيام سقط مصارع يزن 181 كغم بطول 191 سم في الجمهور، تاركًا رواد بعض المقاعد الأرخص يتنفسون الصعداء.

حجم المصارعين هو أول ما يخطر ببال الناس عند الحديث عن السومو؛ لدرجة أن إدارة قاعة ألبرت اضطرت، كما كشف مدير البرمجة، إلى توفير كراسي جديدة تتحمل وزنًا يصل حتى 200 كغم. لكن وراء بطولات سعة الجماهير وسهرات الإقبال، لا تخلو الساحة من مشاكل: فضائح تتعلق بالتنمر، وترتيبات المباريات، وتمييز جنسي ألحقت ضررًا بصورة اللعبة خلال العقدين الماضيين. وفي الوقت نفسه شهد العام الماضي أقل عدد من المجندين الجدد الذين التحقوا بالأحلاف منذ مدة — ربما لأن الحياة الصارمة للمصارع لم تعد جذابة للشباب كما كانت، ولأن رياضات أخرى مثل البيسبول تسرق الاهتمام. كما أن انخفاض معدلات الولادة في اليابان، وقاعدة جمعية السومو اليابانية التي تسمح لكل إسطبل بولود أجنبي واحد فقط، يضيفان تحديات على استمرارية القاعدة البشرية للرياضة. ومع ذلك، تهيمن فئة من المغول على الساحة في السنوات الأخيرة، وبرز نجم واعد من أوكرانيا أيضًا.

ورغم كل ذلك، لم يؤثّر أي من هذه الملابسات على حماس الجمهور في لندن. «رؤية كل الطقوس والاحتفالات المصاحبة للسومو أمر مميز»، تقول معجبة اسمها سيان. «والآن وقد رأيناها مباشرة، نشعر أننا جزء أكبر منها». وتؤكد جوليا وسيزار عبر رسالة في اليوم التالي أنهما لم يشعرّا بأنهما غريبان بين الحضور: «إنها رياضة يابانية لكننا لم نشعر بالغربة، فكان حولنا ناس من مختلف أنحاء العالم». بالنسبة إلى ميغا، كان الدراما في الحلبة «جعلت التجربة لا تصدق» — وكذلك لقاء عشّاق السومو الآخرين: الخروج من مجتمع رديت متخصص ورؤية هؤلاء جميعًا شخصيًا والدردشة مع من يشاركونك الشغف «كان يستحق كل قرش من ذهب السومو»، كما قالت.

يقرأ  ترامب ونتنياهويتفقان على خطة سلام أميركية جديدة لقطاع غزة

لمن يرغب في المتابعة من بُعد: يمكن للمشاهدين متابعة البث عبر BBC iPlayer أو زر BBC الأحمر، وكذلك عبر موقع وتطبيق BBC Sport.

أضف تعليق