اشترك في نشرة “ذا سلايتست” لتصلك إلى صندوق بريدك اليومي أعمق التحليلات والنقد والنصائح المتاحة.
في 24 شباط/فبراير 2022 عبرت دبابات روسية الحدود الأوكرانية. وبعد ستة أشهر، في 5 أيلول، استمع ثمانية عشر مليون تلميذ روسي إلى درس جديد بعنوان «حوارات حول أمور هامة» للمرة الأولى — حصّة أسبوعية أصبحت إجبارية في جميع المدارس من الصف الأول حتى الحادي عشر.
كل اثنين، في الحصة الأولى، يجلس أطفال تتراوح أعمارهم بين ست وستة عشر عامًا خلف مقاعدهم لتلقّي مفاهيم مثل «الخدمة للوطن»، و«استعادة العدالة التاريخية» في شبه جزيرة القرم، ولماذا جنود روسيا المعاصرون أبطال حقيقيون، على عكس الأبطال الغربيين «الخياليين». منذ 2022 حضر التلاميذ الروس 102 حصة من هذا النوع.
«حوارات حول أمور هامة» ليست مادة مدرسية عادية؛ بل هي جلسة غسيل أدمغة مؤيدة للنظام متنكرة في ثوب التربية—محاولة ممنهجة من الدولة لإعادة تشكيل وعي جيل كامل عبر المنظومة التعليمية كأداة للدعاية العسكرية.
أنا صحفي روسي مهاجر وناشط سياسي سابق. حصلت على هذه المواد من شخص يدرس حاليًا في مدرسة روسية، فأرسل إليّ الكتب المدرسية وخطط الدروس اللازمة لهذا التحليل. حرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا وتداعياتها على مستقبل كوكبنا تثير قلقي الشديد. وأنا أيضًا أقلق على مستقبل أطفال بلدي: أشهد آلة دعائية لا تقلّ قسوةً عن جهاز غوبلز، وهي تتكشف أمامنا الآن.
تعمل «حوارات حول أمور هامة» كنظام دعائي مصقول. كل أسبوع تتلقى آلاف المدارس الروسية أدلة جاهزة من الموقع الرسمي للبرنامج. لا حاجة للمعلّمن إلى ابتكار شيء—كل شيء مكتوب مسبقًا في موسكو، بما في ذلك صياغات الأسئلة الدقيقة والإجابات «الصحيحة». الهدف الرسمي للبرنامج يبدو نبيلًا: «تنمية حاجة الأطفال إلى تطوير الذات والصفات الأخلاقية مثل الشرف والضمير والمسؤولية».
لكن مضمون الدروس الفعلي يكشف أولويات مختلفة تمامًا: تدريب عقول صغار على طاعة النسخة المفضلة لدى الكرملين من التاريخ المعاصر.
خذ درس الصفين العاشر والحادي عشر في ذكرى الانتصار الثمانين على النازيين الغازين في الحرب العالمية الثانية. يوجّه الدليل المعلمين لبدء الحصة بوصف عاطفي: «أيام الأربعينات. في الصباح كانت القرى تفوح منها رائحة الخبز الطازج، كان الأطفال يركضون إلى المدرسة ضاحكين ودافعين بعضهم البعض، وكان الخريجون يجهزون أوراقهم للتقديم إلى الجامعة… لكن هذا العالم تفتت وتحول إلى لهيب الحرب».
بعد مثل هذا التمهيد، يجب على المعلمين طرح السؤال المحوري على التلاميذ: «ما الصفات التي يحتاجها اليوم المقاتلون الروس المدافعون عن الوطن ضد النازيين الجدد الأوكرانيين في منطقة «العملية العسكرية الخاصة»؟» لاحظ الصياغة: يتم وسم الأوكرانيين مسبقًا بـ«النازيين الجدد»، بينما تتحوّل العدوان الروسي إلى «قتال من أجل الوطن».
ثم يوجه الدليل مباشرة: «جنودنا المشاركون اليوم في «العملية العسكرية الخاصة» يواصلون تقاليد أجدادهم — يقاتلون من أجل العدالة بشرف وشجاعة. ومثلما قبل 80 عامًا، وبقلب مفعم بالأمل وحبّ للذوي، الذين يشكلون ظهرًا موثوقًا في جميع الأوقات، يقربون نهاية الدمار النهائي للأيديولوجية النازية.»
يبذل البرنامج جهدًا كبيرًا لإضفاء الشرعية على غزو وضم القرم عام 2014. درس بعنوان «يوم عودة القرم وسيفاستوبول إلى روسيا» لطلاب المرحلة الثانوية يقدم مثالًا صارخًا على إعادة كتابة التاريخ.
يلزم الدليل المعلمين بشرح أن «تاريخ روسيا مرتبط بشكل لا ينفصم بالقرم وسيفاستوبول — هذا تاريخنا المشترك، واللغة الروسية المشتركة، والثقافة المشتركة». ويُسمى ضمّ المنطقة عام 2014 لا شيء سوى «استعادة العدالة التاريخية» و«العودة إلى بيت العائلة».
يُطلب من المعلمين اقتباس بوتين: «في القرم، حرفيًا كل شيء مشبع بتاريخنا المشترك وفخرنا. هنا خيرسونيس القديمة، حيث اعتمد الأمير فلاديمير المسيح. … القرم هي سيفاستوبول، مدينة الأسطورة، مدينة المصير العظيم، مدينة حصن ومهد أسطول البحر الأسود الروسي.»
تستمر إعادة كتابة التاريخ بتشويه ما حدث بعد الغزو، مدعية أن سكان القرم رحّبوا بانتقالهم إلى روسيا عبر اقتراع شعبي. يُقال للأطفال إن «الاستفتاء» عام 2014 كان فعل إرادة حرة: «صوّت سكان القرم وسيفاستوبول للعودة إلى روسيا». لا تُذكر في الأدلة أن هذا «الاستفتاء» جرى تحت تهديد السلاح بوجود جنود روس سيطروا على شبه الجزيرة.
يصنع البرنامج أساطير ولغة جديدة. في دروس عن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، تُدعى القوات الأوكرانية دائمًا «النازيون الجدد»، ويُضرَبُ العدوان الروسي بعبارة «العملية العسكرية الخاصة»، وتُسَمّى مصادرة الأراضي «تحريرًا».
الصحفي الموالي «مراسل الزِد» يفغيني بودوبني، الذي يقدّم تسجيلات مصوّرة للتلاميذ، يعرّفهم بأن «البطل هو الذي يضحي بنفسه من أجل الآخرين». المخرج نيكيـتا ميخالكوف، في شريط موجّه للثانويين، يجلس أمام أيقونات ويقول إن الغرب «يخترع أبطالًا خياليين» بينما تُعرض لقطات من أفلام The Avengers وIron Man. «على عكس دول أخرى، روسيا لا تحتاج إلى اختراع أبطال. لدينا أبطال حقيقيون. ليسوا بروس لي أو ترانسفورمرز أو شوارزنيجر. هم ناس مختلفون، لكنهم بشر. والدم هناك ليس كاتشبًا، والموت حقيقي».
في الوقت نفسه تُشكّل الأدلة تصور الأطفال لبيئة معادية. يتعلم التلاميذ مفهوم «العالم متعدد الأقطاب» حيث تواجه روسيا غربًا عدوانيًا. «النصر في الحرب الوطنية العظمى يبقى مكونًا هامًا من مكانة بلدنا على الساحة العالمية ويخلق شروطًا لعالم متعدد الأقطاب وآمن»، هكذا تقول مواد لطلاب المرحلة الثانوية.
المنهج هو جزء من مسعى أوسع يتسع لدمج العسكرة بالتربية. بدأ عناصر عسكرية روسية بالانضمام بكثافة إلى صفوف التدريس عبر برامج حكومية خاصة. صندوق الدولة «مدافعو الوطن»، الذي أُنشئ بأمر رئاسي في أبريل 2023، يساعد «محاربي العملية الخاصة» على الحصول على تعليم تربوي. بعبارة أخرى، أشخاص يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة ولديهم خبرة قتالية يصبحون مربّين لأطفالنا.
تقنيات الدعاية الكلاسيكية واضحة في الصفوف. أولًا، التأثير العاطفي يسبق التفكير العقلاني: تُفتتح الدروس بصور حسّية حية — رائحة الخبز في قرى الأربعينات، ضحكات الأطفال، دفء الأسرة. وبعد «الاستيلاء» العاطفي يُقدّم المحتوى الأيديولوجي.
ثانيًا، ثنائية زائفة تُفرض: يُعرض للأطفال خيار بين «نحن» (روسيا، الخير، العدالة) و«هم» (الغرب، الشر، العدوان) بدون مساحة لبدائل ثالثة. ثالثًا، تُستخدم تقنيات «التثبيت العاطفي»: تُربط مشاعر إيجابية — الفخر، محبة الأسرة، الإعجاب بالبطل — بصور الحرب والسلطة. توصي الأدلة المعلمين بتحفيز «مشاعر الفخر بالوطن» و«فهم ضرورة الدفاع عن سلام وسيادة الوطن».
للالعمار دور خاص. يتلقّى طلاب المرحلة الابتدائية رؤية مبسطة للعالم بصورٍ أشبه بالأساطير عن الخير والشر. المراهقون يتعاملون مع مفاهيم أكثر تعقيدًا مثل «الجيوسياسة» و«العدالة التاريخية». طلاب الثانويات، الذين قد يصدر لهم إخطارات بالتعبئة خلال سنة أو سنتين، يُعلّمون «ضرورة» الحرب الحالية و«واجبهم في الدفاع عن الوطن».
ليس كل المعلمين راغبين بالمشاركة في هذه المعالجة الأيديولوجية للأطفال. تُسجّل تقارير عن مقاومة ومعلمين طردوا في مناطق روسية مختلفة. ومع ذلك، هذه المقاومة ليست منهجية — فالأدلّة صادرة من الأعلى وملزِمة، ورفض تنفيذها يهدد بفقدان الوظيفة.
علاوة على ذلك، يعمل البرنامج حتى في الأراضي الأوكرانية المحتلة، حيث تفرض السلطات الروسية «حوارات حول أمور هامة» في مدارس الاستيلاء قسرًا. يُجبر الأطفال الأوكرانيون على دراسة التاريخ والقيم «الصحيحة». كما يُجذَب الأهالي إلى شبكة الرقابة: تفترض الأدلة أن الأطفال سيناقشون الدروس في المنزل، وقد يصبح اختلاف الآباء سببًا لـ«محادثات وقائية» — ت Euphemism لتقارير المبلّغين.
التعرض المطوّل لسرديات الخوف — «أعداء من كل جانب»، «الوطن تحت الهجوم» — يعيد تشكيل منظومة تفكير الأطفال. في المرحلة الابتدائية، لا تملك آليات النقد الكافية لتدقيق مثل هذه المزاعم؛ فتُستَوعب الدروس كحقيقة. يتناقل المعلمون صيغًا عن «حصار الناتو» قبل أن يتعلم الأطفال قراءة الخرائط.
استخدام المدرسة كأداة للدعاية العسكرية يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ومبادئ حماية الطفل. تنص المادة 29 من اتفاقية حقوق الطفل للأمم المتحدة على أن يهدف التعليم إلى «تنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية»، لا إلى إعداد الأطفال للحرب.
حوّلت روسيا مدارسها إلى مصانع لإنتاج جنود المستقبل ومواطنين مطيعين. الأطفال لا يتلقون تربية تؤهلهم للتفكير النقدي، بل معالجة أيديولوجية جاهزة. على الدول الغربية التي تقبل لاجئين روسًا أن تأخذ بعين الاعتبار حجم البرنامج الفكري الذي مرّ به هؤلاء الأطفال: ستكون هناك حاجة إلى برامج خاصة لإزالة الأدلجة وتعليم التفكير النقدي لمساعدة هؤلاء الأطفال على التأقلم مع مجتمع حر.
«حوارات حول أمور هامة» جريمة في حق الطفولة؛ تسميم منظّم لعقول صغيرة بسمّ العسكرة وكراهية الآخر. وكلما طال أمده، صار من الأصعب على روسيا أن تعود إلى حياة سلمية.