مرّ أسبوع على إعلان وقف إطلاق النار في غزة. عندما سمعنا الخبر في الضفه المحتلة احتفلنا، شعرنا بالارتياح وبوعد زائف أن الإبادة قد انتهت. لكن سرعان ما أدركنا أن وقف النار لم يشملنا نحن هنا.
العنف والمصادرة والشلل
ابنة صديق صغيرة فرحت بخبر وقف النار، وطلبت من جديها أن يصطحبوها لقطف الزيتون. أجابه أحدهم بأن ذلك سيكون صعبًا، فسألته ببريئة: «لماذا؟ أليست الحرب انتهت؟» كيف تشرح لطفل أن انتهاء الحرب في غزة لا يعني أن عائلات فلسطينية في الضفة تستطيع الوصول إلى أراضيها لحصاد الزيتون؟ المزارعون لا يستطيعون بلوغ بساتينهم بسبب الحواجز العسكرية، أو خشية الاعتداءات من الجنود والمستوطنين، أو كليهما.
تتعرض مزارعنا وهَوانا لاعتداءات يومية. منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 سجلت آلاف الاعتداءات من مستوطنين ضد المدنيين والممتلكات، بعضها دموي. قرابة ألف فلسطيني قُتلوا نتيجة أعمال الجيش ومجاميع المستوطنين، بينهم مئتان واثنا عشر طفلاً، وأكثر من عشرة آلاف نازح؛ كما دمّر المستوطنون عشرات الآلاف من أشجار الزيتون منذ ذلك التاريخ.
حتى الحياة في المناطق الحضرية أصبحت مرهقة وبلا هوادة. كمقيم في مدينة روابي شمال رام الله، أشعر بالخنق يومياً. أي رحلة خارج المدينة لإنجاز معاملات أو تسوق أو الحصول على مستند رسمي قد تتحول إلى انتظار لساعات عند حاجز لا يفتح إلا بمزاج الجيش. بين روابي ورام الله أربع بوابات حديدية وبرج عسكري وحاجز واحد يمكن أن يجعل رحلة عشر دقائق تستغرق أبدًا.
في الضفة الغربية توجد مئات الحواجز والأبواب الحديدية — 916 حاجزًا بحسب الإحصاءات، منها 243 أقيمت بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 — تُفتح وتُغلق حسب إرادة الجيش، فيعلق الناس لساعات، وهو ما يعيق كل تفاصيل الحياة: زيارات العائلة، العلاج الطبي الطارئ، الذهاب إلى المدارس، ونقل البضائع.
حُرمنا من الوصول إلى القدس وممارسة شعائرنا في الأقصى وكنيسة القيامة؛ تصاريح الدخول نادرة، وآخر وصول جماعي لنا إلى المدينة يعود منذ أكثر من عشرين عامًا، فتخرج أجيال لا تعرف القدس إلا من الصور وحكايات الأجداد.
لا يرحم الاحتلال منازلنا ليلاً أيضاً: اقتحامات عشوائية، كسر أبواب، ترهيب للعائلات واعتقالات بلا تهم، وإطلاق قنابل الغاز على الجيران لمجرد إضفاء مزيد من العذاب. الحق في حياةٍ طبيعية — العبادة، الاجتماع بالعائلة والأصدقاء، التنقّل الحر، الحصول على الرعاية الصحية والتعليم — مُنِعَ عنا بشكل ممنهج.
شبح الضم
منذ احتلال 1967 نجحت إسرائيل في السيطرة على نحو نصف أرض الضفة الغربية، عبر بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي، أو الإعلان عنها «أراضي دولة» أو «مناطق عسكرية». وتسرّعت عمليات الاستيلاء بعد 7 تشرين الأول؛ تم الاستيلاء على ما لا يقل عن 12,300 فدان (نحو 4,978 هكتارًا) خلال عامين، كثير منها استُخدم لإقامة نقاط استيطان جديدة أو لتوسيع القائمة القائمة.
خريطة الاستيطان ليست عشوائية: تُختار الأراضي لتطويق القرى والبلدات الفلسطينية، فتنشأ أحزمة استيطانية تفصل بينها وتقطع أي استمرارية جغرافية بين الأراضي الفلسطينية، ما يقضي عمليًا على حلم الدولـة المستقبلية.
وللحفاظ على هذه المستوطنات غير القانونية استولى الاحتلال على الموارد الطبيعية للضفة، وأمسك بمعظم مصادر المياه، فباتت خزانات المياه تخدم التوسع الاستيطاني، بينما يعتمد الفلسطينيون بشكل شبه كامل على شركة المياه الإسرائيلية «مكُوروت» التي تمنح حصصًا ضئيلة للمناطق الفلسطينية ذات الكثافة السكانية العالية، في حين يحصل المستوطنون على نصيب أكبر بكثير للفرد. في مواسم الجفاف يضطر الناس لشراء مياه إضافية بأسعار باهظة، فيما تتعرض آبار الفلسطينيين وخزانات مياه الأمطار للهجوم والتخريب.
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 كثّفت الحكومة الإسرائيلية جهودها لفرض الضم. نشعر أن الاستيلاء على المنطقة (ج) — التي تمنح الاتفاقات أوسلو فيها السيطرة المدنية والأمنية لإسرائيل — بات وشيكًا؛ وهذا يعني تجريف قرى وطرد أهلها نحو المناطق (أ) التي لا تشكل سوى 18% من الضفة. ستتبعها المناطق (ب)، وعمليات الطرد القسري قد بدأت بالفعل في بعض التجمعات البدوية.
هذه هي واقعنا في الضفة: بينما تُعقد مؤتمرات ويُعلن عن «سلام» في الشرق الأوسط، نحن هنا لا نعرف من ذلك شيئًا. كل يوم، كل ساعة، كل دقيقة نتعرّض للمضايقات والتهديد والمصادرة والقتل. الاحتلال ظلّ لعقود يرفض الحلول السياسية ويتبع سياسة السيطرة على الأرض والناس والموارد؛ بل يواصل عملياته ضدنا حتى حين يتوقف قصفه المباشر. السبيل إلى سلام حقيقي يمرّ بالاعتراف بالاحتلال وإنهائه.
وجهات النظر المعبر عنها هنا شخصية للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لمنظمة الجزيرة.