اكتشاف موقع يعود إلى ٥٥٠٠ عام — ملتقى للمجتمعات للاحتفال والتآلف

قبل أن تنتشر المدن في أرجاء الشرق الأوسط، اجتمع الناس على تلال ما يُسمّى اليوم بالأردن ليبنوا شيئاً يختلف جذرياً عن المستوطنة السكنية.

باحثون آثاريون من جامعة كوبنهاغن نقبوا موقع مرَيغَات ووصفوه بأنه «مشهد طقوسي». الموقع مركب كبير من العصر البرونزي المبكّر، لا تُميّزه بيوت أو مواقد بل دولمنات وأحجار قائمة، إلى جانب حواجز منحوتة في الصخر ومزخرفة بنقوش متقنة. تُظهر الأبحاث أنه قبل أكثر من خمسة آلاف سنة لم تجتمع المجتمعات هنا للعيش فحسب، بل لتذكر الأموات، لتكريمهم، وللتلاقي في أوقات الحاجة.

منظر بُني للطقوس

عندما بدأ الباحثون برسم خرائط مرَيغَات لفت انتباههم ما لم يكن موجوداً: لا بيوت إطلاقاً، لا أفران ولا حفر لتخزين الحبوب. بدلاً من ذلك ظهرت أكثر من 95 دولمناً—نُصب حجرية دفنية هائلة—موزعة على المنحدر في مدى البصر. تتجمّع هذه الدولمنات في مجموعات قد تمثل عائلات أو عشائر، وبعضها موجه نحو تلة مركزية تعلوها حواجز مبنية من الحجر وتجويفات منحوته في الطبقة الصخرية الأصلية.

يبني المعمار صورة فضاء مخصّص للطقوس لا للسكن. الدولمنات المفتوحة بلا أسقف تجعل الطقوس عرضةَ لعوامل الطقس. حواجز حجرية منحنية ومستقيمة تحيط بمساحاتٍ جماعيةٍ كان من المحتمل استخدامها للتقديم والولائم أو التأبين على القمة. ومن بعيد كانت التلة تبرز فوق الأفق دلالةً للمسافرين القادمين من كل الجهات بأن أمراً مقدّساً في انتظارهم.

ولائم وتقديمات وذاكرة مشتركة

على الرغم من أن مرَيغَات لم تكن بلدة، فقد كانت بلا شك مكان حياة ونشاط. عثر علماء الآثار على شظايا فخارية، أطباق جماعية، أدوات سليت، رحى حجرية، نوى من قرون حيوانات، وأدوات نحاسية نادرة. هذه الأدلة تروي تاريخ وجبات جماعية وطقوس مشتركة.

«بدلاً من المستوطنات المنزلية الكبيرة مع مظاهر دينية صغيرة كما في العصر النحاسي، تُظهر تنقيباتنا في مرَيغَات بالعصر البرونزي المبكر مجموعات من الدولمنات والأحجار القائمة وبنى ميغاليثية كبيرة تشير إلى تجمعات طقسية ودفن جماعي أكثر منها مساكن»، تقول قائدة المشروع والعالمة الآثارية سوزانه كيرنر من جامعة كوبنهاغن.

يقرأ  رحلات إعادة المهاجرين إلى فرنسا تنطلق الأسبوع المقبل

الرحى والأواني الكبيرة تدل على أن تحضير واستهلاك الطعام كان على نطاق أبعد بكثير من الاستهلاك المنزلي. من المحتمل أن الناس قدموا من مواقع مجاورة ليتقاسموا الوجبات، يبدلوا التحالفات، ويؤدّوا التحيات للأسلاف. ووجود أدوات نحاسية، وإن كانت نادرة، يوحي باستمرار خبرات في تشغيل المعادن حتى وإن تراجعت الاستيطان في المدن التقليدية.

الاستجابة للأزمة عبر الحجر والطقوس

ظهر مرَيغَات في فترة تقلبات عنيفة. بين نحو 3500 قبل الميلاد، أثناء انتقال العصر النحاسي إلى العصر البرونزي المبكر، تُركت عدّة مجتمعات مستوطنة في المنطقة. يعزو علماء الآثار هذا التحول إلى عوامل عدة: تغيّر أنماط المناخ، تقلّص مصادر المياه، انهيار شبكات التبادل التجاري، وتفكك السلطات المركزية.

في مثل هذه الأوقات المتقلبة، قدّم مرَيغَات ما كانت تتوق إليه القبائل والعائلات المتنقّلة—مكاناً مشتركاً تُنسب إليه ملكية معنوية. «نعتقد أن مرَيغَات يزوّدنا بأدلة مثيرة حول كيف تعاملت المجتمعات المبكرة مع الاضطراب ببناء النُصُب، وإعادة كتابة الأدوار الاجتماعية، وإقامة مجتمعات جديدة»، تقول كيرنر.

بدلاً من إعادة بناء القُرَى، اختار الناس أن يطبعوا الأرض بحجر لا يزول. أصبحت الأحجار القائمة والدولمنات بؤراً لهوية جماعية توحّد المجتمعات عبر تأكيد طقسي على الوحدة والاستمرارية.

إعادة تعريف الإقليم والحياة الاجتماعية

يرى علماء الآثار مرَيغَات كـ«أرض محايدة»—مَكان لقاء شائع بين مجموعات قد تفصل بينها أراضٍ أو تقاليد. مواضع الدولمنات وانسجامها نحو التلة المركزية توحي بتنظيم وهدف مشترك. كما قد تكون هذه النُصُب علامات إقليمية تُعلن عن الوحدة والتعاون لا الصراع.

تكشف نتائج المشروع عن مجتمع وجَد الاستقرار عبر الطقوس لا عبر السياسة. من دون سلطات مركزية أو مدن محصّنة، شكّلت الطقوس والنُصُب عناصر الوحدة. يُظهر تخطيط مرَيغَات أن المجتمعات استفادت من التنقّل—تتجمّع للطقوس والولائم واتخاذ القرارات، ثم تتبعثر حتى مناسبة لاحقة.

يقرأ  وصول الدفعة الثانية من الأفغان إلى ألمانيا ضمن برنامج إعادة التوطين

أسئلة ما زالت مطمورة في الحجر

مع التقدّم في التنقيبات، تبقى أسئلة بلا إجابات. لم تُعثر سوى على حفنة من البقايا البشرية داخل الدولمنات، لذا يبقى الاستخدام المحدّد لهذه الهياكل غير محسوم. قد تكون التجاويف الصغيرة شكل الكؤوس في الصخر قد استُخدمت لحمل قرابين أو سوائل، إلا أن غرضها لا يزال موضع تساؤل. ويرغب الباحثون أيضاً في معرفة ما إذا كان مرَيغَات يقصده زوّار محليون فحسب أم أنه كان يجذب رحّالين من مناطق أوسع.

ومع كل هذه الشكوك، يظل الموقع شهادةً قوية على قدرة الإنسان على الصمود. في وجه الضغوط البيئية والانهيار الاجتماعي، لم يلجأ الناس إلى اليأس؛ بل انصرفوا إلى الخارج—إلى الطقوس والمكان المشترك والأفعال الجماعية التي واجهت التحوّل.

دلالات عملية للبحث

تُبيّن نتائج مرَيغَات أن المرونة ليست بالضرورة مبنية على السيطرة المركزية أو المرافق الحضرية. المجتمعات المضطربة قادرة على الحفاظ على الهوية والتماسك عبر الطقوس والثقافة المشتركة.

فهم كيف تكيف البشر الأوائل مع التحوّل الاجتماعي من دون قادة أو مدن قد يساعد الباحثين المعاصرين على إعادة التفكير في طرق تعامل المجتمعات اليوم مع قضايا مثل الهجرة والصراع والضغط المناخي.

مرَيغَات يبيّن أن المعنى والتعاون يمكن أن يولدا في فضاء مفتوح وتجميعات عامة، وأن الدافع البشري للاتصال يستمر حتى في أوقات اللايقين.

تتوفر نتائج البحث على الإنترنت في دورية «ليفانت».

هل تحبون مثل هذه القصص؟ اشتركوا في نشرة The Brighter Side of News.

أضف تعليق