وصل رئيس وزراء أستراليا، البانيز، إلى الولايات المتحدة لإجراء لقاء طال انتظاره مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ظل توتر تجاري بين واشنطن وبكين يتوقع أن يطغى على محاور البحث حول الدفاع والعلاقات التجارية.
موعد القمة ومكانها
وصل ألبانيز إلى واشنطن مساء الأحد وسيجتمع مع ترامب في البيت الابيض يوم الاثنين. لم يعلن عن توقيت رسمي، لكن وسائل إعلام أسترالية نقلت أن اللقاء سيُعقد عند الساعة 15:00 بتوقيت جرينتش وسيُبث تلفزيونياً. يمثل هذا اللقاء أول قمة ثنائية كاملة بين الزعيمين بعد لقاء موجز على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وعدّة اتصالات هاتفية سابقة. وقد انتقدت بعض وسائل الإعلام الأسترالية تأخر تحديد موعد الزيارة.
السياق والتحالفات
رغم الخلافات الأخيرة بين واشنطن وكانبيرا بشأن قضايا مثل التجارة وملف الاعتراف بدولة فلسطين، بقيت العلاقات الأمريكية–الأسترالية متماسكة على مدى العقد الماضي، وفق تحليل نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS). وعلى متن تغريدة بعد وصوله، قال ألبانيز إن بلاده ستعمل على “تأمين فوائد للأستراليين في الداخل، من الأمن الإقليمي إلى التجارة والاستثمار”.
أجندة اللقاء: المعادن الحرجة
من المتوقع أن تكون مسألة تدفق المعادن الحرجة الأسترالية إلى الولايات المتحدة محورا رئيسيا في القمة، لا سيما بعد تشديد الصين قيودها على صادرات عناصر الأرض النادرة في 9 أكتوبر. كانت الولايات المتحدة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على واردات مركبات ومعادن الأرض النادرة من الصين؛ إذ استوردت نحو 70% من احتياجاتها بين 2020 و2023 وفق مسح جيولوجي أميركي. وبهذا الصدد أشارت باحثة في معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي إلى أن التوترات الأمريكية–الصينية تتصاعد بفعل تعقيدات التعريفات وقيود صادرات الأرض النادرة.
تملك أستراليا مخزونات من نحو 31 معدنًا حيويًا، بينها الجرافيت الضروري للبطاريات والإلكترونيات، والفاناديوم المستخدم في صناعة الحديد والصلب، والتانغستن المستخدم في الآلات الصناعية والدفاع، والزركونيوم في السيراميك والمفاعلات النووية. كما تحتوي على عناصر الأرض النادرة مثل النيوديميوم والبراسيوديميوم والديزمبوم واليتريوم. وهي فئة مميزة ضمن المعادن الحرجة الضرورية لصناعة الهواتف الذكية والمركبات الكهربائية وتوربينات الرياح. وفي ملف الليثيوم، تنتج أستراليا نحو 33% من الإنتاج العالمي بينما تنتج الصين حوالي 23%، فيما تقوم الصين بتكرير 57% من الليثيوم عالمياً حسب الوكالة الدولية للطاقة.
قال وزير الخزانة الأسترالي جيم تشالمرز في مقابلة نقلتها سي إن إن إن لدى أستراليا “مزايا هائلة” في المعادن الحرجة والأرض النادرة، وستعمل مع شركائها، بمن فيهم الولايات المتحدة، على استثمار هذه الفرصة. ويأمل ألبانيز أن يعرض في القمة أستراليا كمصدر بديل وموثوق للعناصر الحيوية للقطاعين المدني والدفاعي.
أوكوس والتعاون الدفاعي
اتُعلن عن تحالف “أوكوس” في سبتمبر 2021 في عهد سلف ترامب، جو بايدن، ويستهدف تعزيز الأمن والحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي في منطقة المحيط الهادئ استجابة لتوسع النفوذ الصيني. يشمل التحالف تعاونًا ثلاثيًّا في تقنيات دفاعية متقدمة مثل القدرات السيبرانية والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية وأنظمة الغواصات تحت الماء.
تسعى أستراليا عبر أوكوس إلى الاستفادة من خبرات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الحصول على غواصات نووية؛ ومن المخطط أن تشتري أستراليا ثلاث غواصات نووية مستعملة من الولايات المتحدة مع احتمال إضافة اثنتين لاحقًا، وأن تتعاون الدول الثلاث على تصميم وبناء نموذج جديد لغواصات تعمل بالطاقة النووية لكل من البحرية البريطانية والأسترالية. وذكرت تقارير إعلامية أن الإدارة الأمريكية ستراجع تفاصيل الصفقة في ضوء أولوياتها “أمريكا أولاً”.
يُذكر أيضًا أن منتدى “الرباعية” (Quad) الذي تضم دوله أستراليا والولايات المتحدة واليابان والهند لم يحظَ بذات الأولوية في أولويات الإدارة الحالية. وتأمل كانبيرا في أن تؤدي قمة ألبانيز–ترامب إلى إعطاء دفع رسمي لأوكوس؛ فقد التزمت أستراليا بمليار دولار لدعم التصنيع الأمريكي مع توقع دفع مليار آخر قبل نهاية العام، وهو ما يدخل ضمن مناقشات تمويلات تعزيز قدرة إنتاج الغواصات الأمريكية والبنية التحتية ذات الصلة، من بينها منشأة قوة الدوران للغواصات في بيرث.
تشارك أستراليا أيضًا في تحالف “العيون الخمس” الاستخباراتي مع الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا، وتتبادل هذه الدول معلومات استخباراتية لتقوية التعاون الأمني. وطالب ترامب حلفاءه برفع مخصصات الدفاع حتى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين يبلغ إنفاق أستراليا حاليًا نحو 2% من الناتج المحلي الذي قُدِّر عند 1.75 تريليون دولار في 2024 وفق البنك الدولي. وترى كانبيرا أن مساهماتها تتجاوز مجرد أرقام الإنفاق عبر بناء بنى تحتية عسكرية وإنتاج مشترك للأسلحة واستضافة قواعد أمريكية، بينما يعارض ألبانيز اعتبار نسبة الناتج المحلي المعيار الأساسي الوحيد.
التجارة والتعريفات
سجلت الولايات المتحدة فائضًا تجاريًا بقيمة 17.9 مليار دولار مقابل أستراليا في العام الماضي بحسب مكتب الممثل التجاري الأمريكي. وتعرض صادرات أستراليا إلى الولايات المتحدة تعريفات أساسية بنسبة 10% إلى جانب تعريفات مرتفعة على الصلب والألمنيوم (نحو 50%). عندما فرضت الإدارة الأمريكية تعريفات نسبتها 10% في الأول من أبريل، رد ألبانيز بأن “تعريفات الإدارة لا تستند إلى منطق، وتخالف أساس شراكتنا”. ومن المتوقع أن يضغط ألبانيز خلال اللقاء من أجل تخفيف هذه التعريفات.
في الوقت نفسه عززت حكومة ألبانيز علاقاتها التجارية مع الصين، التي تعد أكبر شريك تجاري لأستراليا وتعتمد ميزانها القومي بشكل كبير على صادرات خام الحديد والفحم. في 2023 بلغت صادرات أستراليا إلى الصين نحو 143 مليار دولار مقابل 13.5 مليار دولار إلى الولايات المتحدة بحسب مرصد التعقيد الاقتصادي (OEC). ورغم ذلك تؤكد كانبيرا على ضرورة تنويع أسواق التصدير، بينما تعهدت بكين بالدفع قدمًا نحو تحسين العلاقات الثنائية بعد زيارة ألبانيز إلى بكين.
الخلاصة
بحث ألبانيز وترامب سيحمل في طياته مزيجًا من الملفات الاقتصادية والأمنية: من تكثيف التعاون في قطاع المعادن الحرجة لتفادي اعتماد الولايات المتحدة على الصين، إلى حسم مستقبل أوكوس ودور أستراليا في سلاسل الإمداد والدفاع، إضافة إلى محاولات حلحلة الخلافات التجارية والدعوة إلى تخفيف التعريفات المتبادلة. يبقى واضحًا أن القمة تمثل فرصة لكل من كانبيرا وواشنطن لإعادة تشكيل أولويات الشراكة الثنائية في وجه تنافس جيوسياسي متصاعد.