ما تطمح إليه كل طرف في محادثات أوكرانيا بالبيت الأبيض

سيكوون يوماً استثنائياً في البيت الأبيض حين يتوافد قادة العالم لإجراء محادثات حاسمة حول أوكرانيا، بعد أن تحوّل ما كان مقرراً أن يكون لقاء بين رئيسين — دونالد ترامب وفولوديمير زيلينسكي — إلى قمة متعددة الأطراف.

قادة من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وفنلندا وممثلون عن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو عبروا الأطلسي ليعبروا عن رؤاهم حول كيفية إنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات مع روسيا وبأي شروط. هذا التجمّع يعكس حجم المخاطر وتزايد قلق الأوروبيين من أن الولايات المتحدة تبدّل مواقفها لصالح تصور أقل ملاءمة لأوكرانيا.

الولايات المتحدة — أي اتفاق، أي صفقة
وعد ترامب خلال حملته بأنّه سيحلّ النزاع في يومه الأول بالبيت الأبيض، لكن ستة أشهر بعد ذلك لا تزال الخلاصة المنشودة بعيدة المنال. بدا أن أهمية التوصل إلى صفقة تفوق بالنسبة إليه تفاصيل شروطها، فتقلّبت المعايير مع مرور الوقت. منذ لقائه بوتين في ألاسكا، خفّف ترامب علناً من لهجته تجاه موسكو وبدت الضغوط موجهة أكثر نحو زيلينسكي. في منشور على وسائل التواصل ليلة الأحد، حذّر ترامب الرئيس الأوكراني من التمسك بآمال الانضمام إلى الناتو وطلب تنازلات بشأن شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني عام 2014. مبعوثه ستيف ويتكوف قال إن واشنطن ستقدّم ضمانات أمنية لأوروبا لردع اعتداءات روسية مستقبلية، لكن التفاصيل ما تزال غامضة. إلى الآن مقاومة الولايات المتحدة لمطالبة الأوروبيين بالالتزام بأمن أوكرانيا طويلة المدى ظلت واضحة، وسيراقب الجميع البيت الأبيض لمعرفة ما إذا كان ذلك قد تغيّر بالفعل.

أوكرانيا — رفض التنازل عن الأرض
تتقلّب مكانة زيلينسكي بين ضرورة الدفاع عن موقفه أمام ضغوط ترامب المتزايدة، الذي بدا متأثراً ببوتين واتهم زيلينسكي سابقاً بأنه يقف عقبة أمام السلام. من المرجّح أن يطالب ترامب بتنازلات إقليمية، وهو أمر يصعب على الرئيس الأوكراني القبول به لكونه يعني التراجع عن دونيتسك ولوهانسك، المناطق التي دفعت فيها أوكرانيا آلاف القتلى منذ 2022 للدفاع عنها. كما أن أي تنازل سيمنح روسيا سيطرة على مساحات واسعة يمكن أن تستعملها كنقطة انطلاق لمزيد من العدوان. لذلك لا يمكن لزيلينسكي القبول بتنازلات أرضية من دون ضمانات أمنية واضحة وتفعّل تلقائي في حال تعرضت أوكرانيا لهجوم مجدّد. كان من الممكن أن يوفرها الناتو، لكن ترامب أعلن بوضوح أن أوكرانيا لن تنضم إلى التحالف. يبدو أن البدائل العملية لهذه الضمانات لم تُصاغ بعد، ومن دونها سيكون من الصعب على كييف تقديم التزامات كبيرة. ومن ثمّ يثير تحوّل الإدارة الأميركية من دفع نحو وقف إطلاق النار إلى السعي لصفقة سلام شاملة مخاوف من إطالة أمد المفاوضات مع استمرار الهجمات وخسائر المدنيين والجيش.

يقرأ  ترامب وبوتين يغادران ألاسكا بلا اتفاق عقب محادثات حول أوكرانيا

أوروبا — التزام أميركي بأمن أوكرانيا
القادة الأوروبيون سيحاولون إجبار ترامب على توضيح شكل الضمانات الأميركية لأمن أوكرانيا. غموض التصريحات الأميركية يثير قلقاً كبيراً لدى الأوروبيين الذين يعتقدون أن الحماية من اعتداءات روسية مستقبلية تستلزم التزاماً أميركياً موثوقاً. ثمة أيضاً خشية من أن تصرّ واشنطن على تنازل كييف عن أراضٍ؛ أوروبا، التي تحمل تاريخاً طويلاً من الحروب الدموية، لا تريد أن تُعاد رسم حدود دولة ذات سيادة بالقوة. هذه المخاوف تفسّر قرار هذه المجموعة الكبيرة من القادة بزيارة البيت الأبيض على عجل لعرض مخاوفهم مباشرة. الأسبوع الماضي بدا أن اجتماعاً افتراضياً للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد شدّد انتقاد ترامب لموسكو؛ لكن بعد لقائه الأخير مع بوتين وبروز ملامح ميله نحو موقف موسكو، يسعى القادة الأوروبيون لتأكيد أن مخاوفهم بشأن أمن القارة لم تتبدّل — لذالك سيعملون على تكثيف الضغط.

روسيا — المزيد من الأراضي الأوكرانية
لن يكون هناك ممثل روسي في البيت الأبيض، لكن ذلك قد لا يهم: فقد ترك بوتين أثراً واضحاً على موقف ترامب يقول إن موسكو متيقنة من أن وجهة نظرها ستُعرض بشكل كافٍ. أعلن ترامب بالفعل أن أوكرانيا لن تنضم إلى الناتو، وروسيا تريد تثبيت هذا الموقف والمطالبة بالسيطرة الكاملة على دونباس بما يتطلّب تنازل كييف عن الأراضي التي ما تزال تحت سيطرتها في محافظتي دونيتسك ولوهانسك. والأهم من ذلك، نجحت موسكو في إقناع ترامب بأن الأمر متروك لزيلينسكي ليبرم صفقة تنهي الحرب — رغم أن الأخير لا يستطيع التخلّي عن أراضيه بسهولة. إن الفوز بالنسبة لروسيا سيكون أن تؤدي هذه الاحتكاكات إلى انسحاب ترامب نهائياً من طاولة المفاوضات، تاركاً أوكرانيا والأوروبيين يواجهون العواقب بمفردهم.

أضف تعليق