قضت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة بأنّ لإسرائيل التزاماً قانونياً بضمان تلبية الاحتياجات الأساسية لسكان قطاع غزة.
قالت الهيئة المكوّنة من أحد عشر قاضياً إنّ على إسرائيل أن تيسر دعم جهود الإغاثة التي تقدّمها الأمم المتحدة والجهات التابعة لها في القطاع، بما في ذلك الوكاالة الأممية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، التي منعت إسرائيل عملها بعد اتهام بعض موظفيها بالضلوع في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وخلصت المحكمة إلى أن إسرائيل لم تقدم أدلة كافية تثبت مزاعمها بأن جزءاً كبيراً من موظفي أونروا هم «أعضاء في حماس أو في فصائل إرهابية أخرى»، كما صرّح رئيس محكمة العدل الدولية يوجي إيوساوا.
وتحمل الآراء الاستشارية للمحكمة وزنًا قانونيًا وسياسيًا كبيرين داخل المنظومة الدولية، رغم أنها ليست ملزمة ولا تملك المحكمة سلطة تنفيذية لفرضها.
في جلسات أبريل/نيسان اتهم ممثلو الأمم المتحدة والممثلون الفلسطينيون إسرائيل بانتهاك القانون الدولي عبر منع دخول المساعدات إلى غزة بين مارس/آذار ومايو/أيار. ومنذ ذلك الحين سُمِحَ بدخول جزء من الإغاثة، لكن مسؤولي الأمم المتحدة يؤكدون أن الكميات لا تكفي لتخفيف الكارثة الإنسانية أو لدرء مجاعة تسبّبت بها الإجراءات الإسرائيلية في أجزاء من القطاع.
ينصّ الاتفاق المرحلي المسمّى خطة وقف النار المؤلفة من 20 بنداً، بوساطة أمريكية، على إدخال 600 شاحنة مساعدات يومياً إلى غزة. وقد حمّلت إسرائيل حماس مراراً تهمة سرقة الغذاء الوارد إلى القطاع دون تقديم أدلة، وهو ما تنفيه الحركة بقوة. وأوضحت إسرائيل أن القيود على المساعدات كانت تهدف إلى ممارسة ضغط على الجماعة، رغم نصوص الاتفاق التي تنص على دخول المساعدات بشكل واسع.
واصفاً رأي المحكمة بالـ«مخجل»، هاجم السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون الرأي الاستشاري وادّعى أن مؤسسات الأمم المتحدة «أصبحت بؤراً لتغذية الإرهاب». لم تشارك إسرائيل في جلسات الاستماع شفهياً، لكنها قدّمت مواقفها القانونية كتابةً، بينما وصف وزير خارجيتها في أبريل/نيسان جلسات الاستماع بأنها «سيرك» وادّعى أن القضية مسيسة.
وردت المحكمة برفضها حجة إساءة استخدام الطلب و«تسليح» المسار القضائي الدولي، مؤكدةً أن طلب توضيح التزامات إسرائيل كقوة احتلال تجاه الأمم المتحدة والجهات الإغاثية مشروعة.
على صعيد الممارسة العملية، أعلنت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في الشرق الأوسط أن 530 شاحنة تابعة للمنظمة عبرت إلى غزة منذ بدء وقف النار، محمّلة بأكثر من 6,700 طن من الغذاء، وهو ما وصفته المنظمة بأنه يكفي تقريباً لنحو نصف مليون شخص لمدة أسبوعين. ورغم وصول كميات تقارب 750 طنّاً يومياً بعد وقف النار، فإن ذلك لا يرقى إلى هدف البرنامج الذي يبلغ حواليه 2,000 طن يومياً.
ذكّرت المحكمة بأنّ القوة المحتلة تقع عليها واجب ضمان الاحتياجات الأساسية للسكان المحليين، «بما في ذلك الإمدادات الضرورية لبقائهم»، وأن عليها أيضاً واجباً سلبياً بعدم عرقلة توفير هذه الإمدادات. كما استدعت المحكمة التزامات القانون الدولي بعدم استخدام التجويع كوسيلة للحرب.
ووصف مراسل الجزيرة في لاهاي الرأي الاستشاري بأنه «ذو أهمية بالغة»، مشيراً إلى أن محكمة العدل الدولية تمثّل الجهة القانونية الأعلى داخل منظومة الأمم المتحدة، وبأن الرأي سيظل يطّار على مكانة إسرائيل دولياً حتى لو تجاهلته عملياً.
طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من المحكمة توضيح التزامات إسرائيل، بصفته قوة احتلال، تجاه الأمم المتحدة والهيئات الأخرى، بما في ذلك ضمان وتسهيل دخول الإمدادات العاجلة والضرورية لبقاء السكان الفلسطينيين دون عوائق. واستمعت المحكمة خلال جلسات أبريل/نيسان إلى أدلة من عشرات الدول والمنظمات، وكان التركيز كثيراً على وضع أونروا، التي أشارت المحكمة إلى أنه «لا يمكن استبدالها في وقت قصير من دون خطة انتقالية منظمة».
ومن جهته، أكد مسؤول فلسطيني أمام القضاة أن إسرائيل تستخدم منع المساعدات كـ«سلاح حرب» وتعمّد خلق ظروف تؤدي إلى التجويع في غزة.
تجدر الإشارة إلى أن هذه القضية مستقلة عن قضايا دولية أخرى ضد إسرائيل تتعلق بهجومها على غزة؛ ففي يوليو/تموز 2024 أصدرت محكمة العدل الدولية رأياً استشارياً آخر اعتبرت فيه أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية «غير قانوني» ويجب إنهاؤه في أسرع ما يمكن. كما تنظر المحكمة حالياً في ادعاءات رفعتها جنوب أفريقيا تفيد بأن تصرفات إسرائيل تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948.