محكمة العدل الدولية: يجب على إسرائيل السماح بدخول المساعدات إلى غزة المحاصرة وتوفير الاحتياجات الأساسية

محكمة العدل الدولية: التزام إسرائيل بضمان الاحتياجات الأساسية لسكان غزة

أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا اعتبرت فيه أن إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، ملزمة بضمان تلبية “الاحتياجات الأساسية” لسكان قطاع غزة وبالتيسير الفعّال لجهود الإغاثة التي تقدمها الأمم المتحدة والجهات التابعة لها. وأكدت الهيئة المكوّنة من 11 قاضياً أن على إسرائيل دعم العمليات الإغاثية في القطاع والامتناع عن عرقلة وصول الإمدادات الحيوية.

شملت أحكام المحكمة الإشارة إلى الوكالة الأممّية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، التي منعتها إسرائيل من العمل داخل أراضيها بعد اتهام بعض موظفيها بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ورأت المحكمة أن إسرائيل لم تقدم أدلة كافية تثبت زعماً بأن جزءاً كبيراً من موظفي الأونروا “أعضاء في حماس أو في فصائل إرهابية أخرى”، كما صرح رئيس المحكمة يوْجي إيوساوا.

حيثية الرأي والآثار القانونية
رغم أن الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية لا تُعدّ ملزِمة قانونياً ولا تمتلك المحكمة سلطات تنفيذية، فإن لها وزناً قانونياً وسياسياً كبيرين داخل منظومة الأمم المتحدة والدول الأعضاء. وطلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من المحكمة توضيح التزامات إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، تجاه الأمم المتحدة والهيئات الأخرى بشأن تسهيل دخول الإمدادات الضرورية دون عوائق.

سير الإجراءات ومواقف الأطراف
لم تشارك إسرائيل حضورياً في جلسات الاستماع لكنها قدّمت موقفها القانوني كتابةً. وقد وصف وزير خارجيّتها في أبريل الجلسات بأنها “مسرح” واتهم المحكمة بالانحياز السياسي، فيما شن سفيرها لدى الأمم المتحدة دانّي دانون هجوماً على الرأي الاستشاري واصفاً مؤسسات الأمم المتحدة بأنها “بؤر لتنشئة الإرهابيين”.

من جانبها، رفضت المحكمة الحُجَّة القائلة بأن طلب التوضيح يمثل إساءةً أو تسييحاً للعمل القضائي الدولي. واستعرض القضاة خلال جلسات أبريل أدلة من عشرات الدول والمنظمات، كان من بينها نقاش واسع حول وضعية الأونروا وإمكانية تعويضها أو استبدالها؛ ورأت المحكمة أنه لا يمكن استبدال الأونروا على وجه السرعة دون خطة انتقالية ملائمة.

يقرأ  شبكة الكهرباء البريطانيةتراهن على عجلات القصور الذاتيلضمان بقاء الأنوار مضاءة

الوضع الإنساني والواردات الإغاثية
خلال الأيام التي سبقت الرأي، أعلنت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في الشرق الأوسط، عبير عتيفة، عبور 530 شاحنة تابعة للبرنامج إلى غزة منذ وقف إطلاق النار، محمّلة بما يزيد عن 6,700 طن من المواد الغذائية، وهو ما وصفته بأنه “يكفي لحوالي نصف مليون شخص لمدة أسبوعين تقريباً”. وأوضحت أن المعدل اليومي للنقل يبلغ نحو 750 طناً، وهو رقم أعلى مما كان عليه الحال قبل وقف إطلاق النار لكنه لا يزال دون هدف البرنامج البالغ نحو 2000 طن يومياً.

وفي إطار خطة وقف إطلاق النار ذات العشرين بنداً والتي توسطت فيها الولايات المتحدة، تم الاتفاق نظرياً على إدخال 600 شاحنة إغاثة يومياً إلى القطاع. غير أن إسرائيل سبق أن اتهمت — من دون تقديم أدلة — عناصر في حماس بـ”سرقة” مواد الإغاثة، وهو ما تنفيه الحركة بشدة. وبررت إسرائيل استمرار قيودها على المعونات بأنها وسيلة للضغط على حماس، رغم أن اتفاقات وقف إطلاق النار نصّت على ضرورة إدخال المساعدات على نطاق واسع.

التزامات قانونية أساسية
ذكّرت المحكمة بأن القوة المحتلة ملزمة “بضمان الاحتياجات الأساسية للسكان المحليين، بما في ذلك الإمدادات الضرورية لبقائهم على قيد الحياة”، وأن عليها في الوقت نفسه التقيّد بالتزام سلبي يقضي بعدم إعاقة توفير هذه الإمدادات. كما أعادت المحكمة التأكيد على مبدأ ممنوعية استخدام المجاعة كأسلوب للحرب بموجب القانون الدولي الإنساني.

مواقف وأبعاد مستقبلية
وصفت مراسلة قناة الجزيرة في لاهاي الرأي الاستشاري بأنه يبقى ذا أهمية بالغة لأن محكمة العدل الدولية تشكّل الجهة القانونية الأولى داخل منظومة الأمم المتحدة، وأن تجاهل إسرائيل للرأي – كما حدث مرات عدة – لا يلغي أثره، بل سيبقى “معلقة فوق رأس إسرائيل” من الآن فصاعداً. ولفتت المحاكمة في يوليو 2024 إلى رأي استشاري آخر اعتبر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني وجاء في سياق مطالبات بإنهائه فوراً. كما تواصل المحكمة فحص ادعاءات قدمتها جنوب أفريقيا تتعلق بانتهاك إسرائيل لاتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948.

يقرأ  إسرائيل تستيقظ على صباحٍ مُرٍّ وحلوٍ: عودةٌ مفعمةٌ بالأمل مصحوبةٌ بالخسارة

ختاماً، خلُصت المحكمة إلى أن على إسرائيل — كقوّة احتلال — تسهيل دخول المساعدات الإنسانية وعدم عرقلة عمل الوكالات الأممية، مع التأكيد على أن أي اتهامات جنائية أو أمنية يجب أن تدعمها أدلة موثقة، وهو ما لم تتمكن إسرائيل من تقديمه بشأن اتهاماتها ضد أونروا. كما حذّرت الهيئة من أن تعطيل الإمدادات الإنسانية قد يرقى إلى استخدام الجوع كوسيلة من وسائل الحرب، وهو ما تحظره قواعد القانون الدولي الإنساني.

(ملحوظة: وثائق الجلسات استمعت إلى شهادات دول ومنظمات عديدة، وكانت قضية الأونروا محوراً رئيسياً في تسجيلات وإفادات المحامين والوفود، وفيها قالت الأطراف الفلسطينية إن إعاقة المساعدات تُستخدم كسلاح حرب وتؤدي إلى إحداث مجاعات محلية.)

أضف تعليق