ما الذي على المحك في التحالف الأمريكي—الكولومبي مع تأزم الخلاف بين ترامب وبيترو؟

خلافات متصاعدة بين واشنطن وبوغوتا: تحالفٌ متدنٍ في زمن المخاطر

لفَّت التحالف بين كولومبيا والولايات المتحدة الأنظار لعقود، إذ كان أحد أعمدة السياسة الأميركية في أمريكا اللاتينية. اتحد البلدان في مواجهة شبكات الاتجار بالمخدرات؛ وقد تَلقّت بوغوتا مئات الملايين من الدولارات كمساعدات عسكرية سنوية لتعزيز قدراتها الأمنية. لكن مع تطور الأحداث تبدو تلك الشراكة أضعف من ذي قبل — هاشاشة منذ عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض ومواجهة خطابية مستمرة مع الرئيس جوستافو بيترو.

جذور التعاون: “خطة كولومبيا” وتأثيرها
في أوائل الألفية قادت الولايات المتحدة مبادرة واسعة لدعم كولومبيا تحت مسمى “خطة كولومبيا”، خصصت لها دفعات مالية ضخمة لتعقب مهربي المخدرات، تقليص تدفق الكوكايين إلى السوق الأميركية، وتقوية المؤسسات العسكرية الكولومبيّة. يُنسب إلى هذا الاستثمار دوره في إضعاف تمرد الفارك الذي أعلن تفككه الرسمي عام 2016، كما أسهم في خلق قوة عسكرية من بين الأقوى في المنطقة.

إلا أن المردود بعيد عن الحل الجذري: إنتاج الكوكايين وصل إلى مستويات قياسية، وزراعة الكوكا تتوسع رغم ادعاءات الحكومة بتباطؤ النمو منذ 2021. الحملة العسكرية الأميركية في الكاريبي ضد قوارب يُشتبه في أنها تنقل مخدرات تؤكد أن المشكلة ما تزال قائمة، وأنها تشكّل أولوية لواشنطن، ما يجعل العلاقة الأمنية بين البلدين حيوية للطرفين؛ إذ تعتمد الولايات المتحدة على معلومات استخباراتية كولومبية بنحو كبير لقطع سبل التهريب في البحر الكاريبي.

إضعاف الدعم وتداعياته
على الرغم من تخفيضات التمويل في السنوات الأخيرة، بقيت المساعدات الأميركية كبيرة نسبياً، ويقدّر مركز الأبحاث واشنطن أوفيس في أمريكا اللاتينية أن الدعم تجاوز 400 مليون دولار في 2024. لكن قرارات بيروقراطية وسياسية أحدثت اهتزازات: إضعاف دور الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) وإلغاء برامج تنمويّة في المناطق الفقيرة والمناطق التي شهدت نزاعاً أدى إلى فقدان وظائف وإبطال مشاريع بنيوية كانت تساهم في الاستقرار المحلي.

يقرأ  لقاء ترامب وبوتين:كم من الأراضي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا؟ — أخبار حرب روسيا وأوكرانيا

إيقاف المساعدات الذي أعلنَه الرئيس ترمب رداً على اتهامٍ متبادل بين واشنطن وبوغوتا أنّ الأخيرة تشجّع إنتاج المخدرات، جاء بعد اتهامات من بيترو للقيادة الأميركية بمقتل مواطن كولومبي وانتهاك سيادة بلاده إثر ضربات استهدفت زوارق في الكاريبي. الخبراء يرون في هذه الخطوة إضعافاً ليس فقط للموارد المالية بل للعلاقة المؤسسية والتنسيق العملياتي الضروريين لإجراء عمليات مشتركة ضد شبكات الاتجار.

وقت سيء للخلاف
يصادف هذا التوتر مرحلة دقيقة جداً: يواجه البيت الأبيض تحديات أمنيّة إقليمية مع حملته العسكرية في الكاريبي، بينما يكافح الرئيس بيترو لإتمام وعده بـ”السلام الشامل” في مواجهة تجدد هجمات الجماعات المسلحة وتصاعد العنف في مناطق مثل كاتاتومبو وكوكا وواليه دل كاكاو، والتي بلغت ذروتها باغتيال مرشح رئاسي في بوغوتا.

الحملات الأميركية على زوارق يُشتبه في أنها قادمة من فنزويلا أوقعت عشرات القتلى وأثارت اتهامات مباشرة من ترمب لرئيس فنزويلا نيكولاس مادورو بكونه رأس شبكة واسعة لتجارة المخدرات؛ فيما نفى مادورو هذه الاتهامات واعتبر الضربات محاولة لإضعافه سياسياً. البعض من الخبراء القانونيين اعتبر العمليات الأميركية مرشحة لانتهاك القانون الدولي، أما بيترو فدعا الأمم المتحدة إلى فتح “مسار جنائي” ضد المسؤولين الأميركيين.

مخاطر انقسام التحالف
تحذّر منظمات وخبراء من أن تراجع التعاون سيخدم فصائل الجريمة المنظمة: غياب التنسيق والاستخبارات المشتركة يسهل على المهربين تحويل مساراتهم عبر المحيط الهادئ وموانئ أخرى، بينما تستفيد مجموعات مسلحة محلية من تفكك الروابط الأمنية والتمويلية. كما أن إخلال التوازن في الدعم قد يُضعف قدرات القوات الكولومبية على ضبط الجماعات المسلحة.

مراقبون مثل إليزابيث ديكنسون من مجموعة الأزمات الدولية يقولون إن كولومبيا لا تزال الحليف الأقرب للولايات المتحدة في مكافحة المخدرات بأمريكا اللاتينية، وأن سنواتَ من الاستثمار والتدريب شكّلت مستوى غير مسبوق من التنسيق؛ لذا فإن تراجعه سيترك فراغاً يصعب ملؤه بسرعة. وفي المقابل يؤكد الباحث هيكتور غاليانو أن كولومبيا والولايات المتحدة بحاجة متبادلة: قواعد واتفاقيات عسكرية تُستخدم من قبل الطرفين، وانهيار التعاون ينعكس سلباً على قدرة الطرفين في محاربة شبكات التهريب.

يقرأ  الجامعة تُبدِي حماسها لخطة إنشاء حرم جامعي في الهند

حرب الكلام والتحركات الدبلوماسية
منذ استلام ترمب الرئاسة، لم تهدأ الاحتكاكات بينه وبين حكومة بيترو. أحداث متسلسلة شملت مقاطعة رحلة لإعادة مواطنين موزّعين من الولايات المتحدة وتهديدات بحرب تجارية استُبعدت بعد مفاوضات، واستدعاء للسفراء ثم إعادة النظر في تصنيف كولومبيا كشريك موثوق في مكافحة المخدرات وحتى إلغاء تأشيرة شخصية للرئيس بيترو إثر مشاركته في احتجاجات خلال زياراته الدولية. كل ذلك خلق أجواء من الشك والقلق من أن التحالف يمكن أن يتدهور أكثر.

خلاصة التحذير
يخشى المحللون أن يؤدي تدهور العلاقة إلى نتائج مقلقة: تقويض القدرات الأمنية في كولومبيا، استغلال المافيات لفراغاتٍ في التنسيق والاستخبارات، وزيادة العنف وعدم الاستقرار الإقليمي. التفريط في شراكة استمرت عقوداً في وقت تتصاعد فيه التحديات الإقليمية يبدو مخاطرة ليس لها فائدة واضحة لأي من الطرفين—وبالتأكيد تمنح الفائز الحقيقي في هذا التراجع هو العصابات الإجرامية والمنظمات التي تزدهر في غياب التنسيق الدولي. امكانية تصاعد الأزمة تضع سؤالاً استراتيجياً: هل سيلتقي الطرفان عند خطوط تفاهم جديدة أم أن الخلافات الحالية ستمدي يد الاضطراب إلى مزيد من المناطق في القارة؟

أضف تعليق