تُقَدَّر تكلفة إعادة إعمار وتعافي أوكرانيا بأكثر من 486 مليار دولار.
يهدف زعماء أوروبا إلى المصادقة على خطط مثيرة للجدل لاستخدام أصول روسية مجمَّدة لدعم أوكرانيا في اجتماع يعقد بُروكسل يوم الخميس. المقترح غير المسبوق الذي أطلق عليه الاتحاد الأوروبي اسم «قرض تعويضات» ينصّ على أن تتسلم كييف نحو 140 مليار يورو (حوالى 121 مليار جنيه إسترليني) من الأصول الروسية المجمدة الموجودة لدى يوروكلير، المؤسسة المالية المقيمة في بلجيكا.
ظلّ هذا المخطط قيد الإعداد لعدة أشهر، جزئياً بسبب التعقيدات القانونية المحيطة به، وبسبب مخاوف بعض الدول الأعضاء من إزعاج الاستقرار المالي العالمي. وخصوصاً بلجيكا التي تريثت قبل دعم استخدام هذه الأصول، خشيةً أن تتحمّل تبعات محتملة إذا ما طعنت روسيا قانونياً في يوروكلير.
ردّت روسيا بغضب إزاء أي اقتراح لاستعمال أموالها.
كيف سيعمل «قرض التعويضات»؟
بالنسبة للاتحاد الأوروبي، أصبح التساؤل حول كيفية الاستمرار في دعم كفاح كييف ضد العدوان الروسي أكثر إلحاحاً مع تراجع الدعم الأميركي لأوكرانيا. حتى يوليو، قدّمت دول الاتحاد نحو 177.5 مليار يورو (حوالي 154 مليار جنيه إسترليني) كمساعدات مالية لأوكرانيا. لكن مع غياب أي إحراز تقدّم نحو اتفاق لوقف إطلاق النار، ستحتاج أوكرانيا إلى مزيد من الأموال مع اقتراب الحرب من عامها الخامس.
وتقدّر الأمم المتحدة والبنك الدولي أيضاً أن تكلفة إعادة الإعمار والتعافي تتجاوز 486 مليار دولار (حوالي 420 مليار يورو).
جُمِّدت استثمارات روسية بقيمة نحو 210 مليارات يورو (حوالي 182 مليار جنيه إسترليني) من قِبل الاتحاد الأوروبي منذ بدء الغزو الروسي الشامل في فبراير 2022. والحصة الأكبر — نحو 185 مليار يورو — محجوزة لدى يوروكلير، غرفة المقاصة المعنية بالمعاملات المالية في بروكسل والواقعة تحت ولاية الاتحاد الأوروبي.
عند تجميدها كانت غالبية هذه الاستثمارات على شكل سندات سيادية — أي قروض مُمنوحة لدولة تُسَدَّد على مدار فترة زمنية. وقد استحقت هذه السندات الآن؛ أي إن روسيا مطالبة باسترداد أصل القرض والفوائد، لكنها غير قادرة على الوصول إلى هذه الأموال بسبب العقوبات المفروضة عليها منذ 2022.
منذ ربيع 2024 يستخدم الاتحاد الأوروبي فوائد الأصول الروسية المجمدة لدعم دفاع أوكرانيا، بما يصل إلى نحو 3 مليارات يورو سنوياً. والآن يبحث الاتحاد تحويل الأصول المجمدة نفسها فورياً إلى أوكرانيا كـ«قرض تعويضات» بلا فوائد، على أن تُسدَّد هذه الأموال لاحقاً من أموال التعويضات التي ستدفعها روسيا بعد انتهاء الحرب، ما يوفر سيولة عاجلة لاحتياجات كييف.
هل يستطيع الاتحاد الأوروبي تجاوز المسائل القانونية المتعلقة بأموال روسيا؟
ينصّ القانون الدولي على أن الأصول السيادية لا يمكن مصادرتها بشكل قاطع؛ فحتى وإن جُمِّدت تظل هذه الأصول ملكاً لموسكو، ومن ثم فإن مصادرتها تشكل تحدياً قانونياً كبيراً.
ولتجاوز هذه العقبة قد «يقترض» الاتحاد الأوروبي أموال روسيا المجمدة لدى يوروكلير ويستبدلها بوصل دين (IOU) مغطى بضمان مشترك من جميع الدول الأعضاء. وقد يخفف ذلك أيضاً من مخاوف يوروكلير بشأن كيفية إعادة الأموال إلى روسيا في حال انتهت الحرب فجأة وطالبت موسكو بأصولها.
حتى صباح الخميس كانت بلجيكا لا تزال تُعبّر عن انتقادات للمقترح لكنها تترك الباب مفتوحاً أمامه إذا توفرت ضمانات تقضي بتقاسم المخاطر بين جميع الدول الأعضاء. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد كايا كالاس لبرنامج Today على بي بي سي إن مخاوف بلجيكا «مفهومة» وأن البلجيكيين «لا ينبغي أن يتحملوا الخطر بمفردهم».
ووصفت روسيا فكرة استخدام استثماراتها بأنها سرقة القرن، محذّرة من ردود فعل وانتقام قد تضر بالاستقرار المالي الغربي، بحسب سفيرها لدى إيطاليا أليكسي بارامونوف.
إن أقرّ قادة الاتحاد مشروع «قرض التعويضات» في قمة الخميس فستباشر المفوضية الأوروبية فوراً صياغة الاقتراح القانوني الرسمي للقرض.
ما هي الإشكاليات؟
المسألة الجوهرية في سيناريو «قرض التعويضات» أن نجاحه مشروط بفوز أوكرانيا في الحرب وقبول روسيا بدفع تعويضات. لا ضمانة بأن روسيا ستوافق على ذلك. وإذا رفضت، قد يعفو الاتحاد عن دين كييف لكنه سيظل مُلزَماً بسداد المبلغ الذي اقترضه لتمويل وصل الدين ليوروكلير.
وسيقع هذا العبء عملياً على دافعي الضرائب الأوروبيين — وهو خيار غير مريح لمعظم الحكومات الأوروبية. كما يساور المصرفيين المركزيين في أوروبا قلق من إرساء سابقة قانونية قد تزعزع الاستقرار المالي العالمي وتردع دولاً أخرى عن إيداع أصولها الملاذ الآمن في الغرب. لا تريد لا يوروكلير ولا دول الاتحاد أن تُظهَر كمودِعٍ غير موثوق لثروات أجنبية؛ وحتى في سياق الحرب الروسية يلزم احترام النظام النقدي الدولي.
من يؤيّد الخطة ومن يعارضها؟
أيدت بولندا ودول شمال أوروبا ودول البلطيق الخطة بحماس، ووصفها الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب بـ«العبقرية». وقال «أعتقد أنها ستنجح وستساعد أوكرانيا على تمويل نفسها».
وعلى الطرف الآخر قد يعارضها قادة أكثر ميلاً لروسيا مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ورئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو. وحذر أوربان من أنه إذا ردّت موسكو بالانتقام ضد شركات مجرية فسيكون من الصعب تبرير دعم المجريين لـ«مصادرة» الأصول الروسية المجمدة.
من جهته قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس إن القرار «من الناحية المثالية» يجب أن يكون بالإجماع لكنه يمكن أن يُتَّخذ بأغلبية كبيرة لتجاوز حق النقض الذي قد تستخدمه بودابست.
نقطة خلاف أخرى تتعلق بكيفية السماح لأوكرانيا بصرف هذه الأموال. تواجه البلاد عجزاً مقدرًا بنحو 42 مليار يورو في «ميزانية البقاء» لعام 2026، بحسب مركز الاستراتيجية الاقتصادية الأوكراني. وترى بروكسل وباريس أن التمويل يجب أن يُستخدم لدعم الميزانية كي يتمكن الجهاز الحكومي من الاستمرار، بينما تريد دول مثل ألمانيا أن تلتزم أوكرانيا باستخدام الأموال لشراء أسلحة أوروبية.
كتب ميرتس في فاينانشال تايمز أن «من المهم أن تُستخدم هذه الأموال الإضافية حصراً لتمويل تجهيزات أوكرانيا العسكرية»، مضيفاً أن دول الاتحاد وأوكرانيا ستقرران «بشكل مشترك» نوع الأسلحة المراد اقتناؤها.
من جانبها تُقاوم كييف أي قيود على استخدامها للأصول الروسية المجمدة. وأكدت إيرينا مودرا، مستشارة قانونية رفيعة في الإدارة الأوكرانية، لوكالة رويترز أن «الضحية، لا المانحون أو الشركاء، هي من يقرر كيف تعالج احتياجاتها الأكثر إلحاحاً للدفاع والتعافي والتعويض».
واحتفظت أوكرانيا بحق تقرير كيفية تخصيص الموارد، وقالت مودرا إن جزءاً منها سيتوجّه أيضاً إلى قطاعات أخرى مثل إعادة الإعمار وتعويض الضحايا.