ترامب وأوكرانيا وأوروبا يستهدفون قطاع الطاقة الروسي مع تعثر الدبلوماسية — أخبار الحرب الروسية الأوكرانية

الاتحاد الأوروبي يستعد لإقرار جولة جديدة وواسعة من العقوبات على صادرات الطاقة الروسية يوم الخميس، بعد يوم من فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدابير مماثلة تجاه موسكو وسط تراجع مساعيه الدبلوماسية مع فلاديمير بوتين.

تأتي هذه الخطوات في وقت تتصاعد فيه الهجمات المتبادلة بين روسيا و اوكرانيا على البنى التحتية للطاقة، في محاولة لجعل مواصلة الحرب أكثر كلفة اقتصادياً.

على الأرض، استمر الوضع الراهن على جبهات القتال دون تغيير جوهري. أعلنت روسيا أنها استولت خلال الأسبوع الماضي على عدد من القُرى إضافة إلى مواقع في مناطق خاركيف ودونيتسك وزابوروجيا ودنيبروبتروفسك، لكن الخطوط الأمامية الأوكرانية بقيت عموماً صامدة ولم تحقق روسيا أي اختراق كبير.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال زيارته للبيت الأبيض الجمعة: «أعتقد أن جيشهم الآن ضعيف. لقد تكبدوا خسائر كبيرة في الاقتصاد وفي الأرواح». وحث زيلينسكي ترامب على استغلال ذلك الضعف لإرغام روسيا على المجيء إلى مائدة المفاوضات، مؤكداً استعداده للقاء بوتين وجهاً لوجه.

قبل ذلك الاجتماع المعلن، تحدث ترامب مع بوتين وأبدى تراجعاً عن الإيحاءات السابقة بأن الولايات المتحدة قد تزود كييف بصواريخ توماهوك طويلة المدى. وبعد المكالمة صرّح ترامب بأنه يأمل ألَّا تضطر بلاده لمشاركة هذه الصواريخ مع كييف: «نحن بحاجة إلى التوماهوك… نتحدث عن أعداد ضخمة من أسلحة ذات قوة هائلة… ونأمل أن نتمكن من إنهاء الحرب دون التفكير في التوماهوك». وأعلن أيضاً عزمه لقاء بوتين في بودابست خلال الأسبوعين المقبلين، لكنه تراجع لاحقاً عن تلك المبادرة واعتبر مثل هذه اللقاءات مضيعة للوقت.

من جهة أخرى، رفضت روسيا اقتراح ترامب الأخير بوقف إطلاق النار على خطوط السيطرة القائمة—اقتراح دعمتْه كييف وعدة عواصم أوروبية كبرى.

رغم فقدان أوكرانيا لمساحات طفيفة من الأرض، فإنها تعتبر أن لديها مزايا تشغيلية، لا سيما في عمليات الضرب بعيدة المدى التي تستهدف العمق الروسي.

هجمات على الطاقة

منذ أواخر الصيف، كثّفت اوكرانيا حملة استهداف دقيقة لمصافي النفط الروسية، ساعية إلى حرمان موسكو من البنزين لاقتصادها والديزل لآلتها العسكرية. وأظهرت تحليلات أن أوكرانيا نجحت في ضرب منشآت الطاقة الروسية 58 مرة منذ أغسطس، مقارنةً بثلاث هجمات فقط في يونيو ويوليو، ويُقدَّر أنها أتلفت أو ألحقت أضراراً بنحو خُمس قدرة التكرير الروسية.

يقرأ  ما الذي يجب معرفته عن محادثات ترامب مع زيلينسكي وزعماء أوروبا— آخر تطورات حرب روسيا وأوكرانيا

في الأسبوع الماضي وحده، شنت أوكرانيا ضربات على عدة منشآت؛ ففي أوريانبورغ، على بعد نحو 1,200 كيلومتر جنوب شرق موسكو، أجبرت هجمات بطائرات مسيّرة أوكرانية محطة معالجة غاز على إيقاف استقبال الغاز من كازاخستان بعدما تسببت الضربة في انفجار واندلاع حريق هائل. كما توقفت مصفاة نوفوكويبيشيفسك في منطقة الفولغا عن معالجة النفط الخام بعد أن استُهدفت في اليوم نفسه. وأُبلغ عن ضرب منشآت طاقة في منطقتي بريانسك وسمولنسك، فيما أكد مسؤول أوكراني أن قوات بلاده ألحقت أضراراً بمصنع كيماويات في بريانسك.

وأُحبطت ضربات أخرى؛ فقد أعلنت روسيا أنها أسقطت ما لا يقل عن 88 طائرة مسيّرة أوكرانية بعيدة المدى فوق مناطق حدودية خلال الأسبوع. ومع ذلك، كان للأضرار المتراكمة أثر ملموس: ارتفعت أسعار البنزين في روسيا وطبقت إجراءات توزيع في بعض المناطق.

أظهرت صور أقمار صناعية في 17 أكتوبر أن طائرات مسيّرة أوكرانية ألحقت أضرارا جسيمة بما لا يقل عن 11 خزانا رئيسياً في ميناء فيودوسيا النفطي في القرم، الذي تستخدمه روسيا لتزويد قواتها في جنوب أوكرانيا؛ ورفعت إدارات ودوائرٍ أوكرانية وتقييمات مفتوحة المصدر تقديرات عدد الخزانات المتضررة إلى ما بين 16 و19 خزانا.

ومن خلال هذه الضربات، نجحت أوكرانيا أيضاً في تقليص قدرة روسيا على تصدير نفطها وتجنيبه عائدات التصدير.

في خطاب للشعب الأوكراني في 15 أكتوبر، وصف زيلينسكي قدرات بلاده بعيدة المدى بأنها «أمور تؤثر فعلاً على القدرة الحربية الروسية وتقلصها بشكل ملحوظ». وأضاف أن مدى ودقة الضربات بعيدة المدى قد تحسَّنَا.

في البيت الأبيض سعى زيلينسكي—دون نجاح حتى الآن—لنيل موافقة ترامب على تزويد أوكرانيا بصواريخ تومهوك بعيدة المدى (نطاقها نحو 2,500 كيلومتر). حالياً أقوى صاروخ تمتلكه أوكرانيا هو الصاروخ الإنجليزي-الفرنسي «ستورم شادو» بمدى يقارب 500 كيلومتر. وأشار زيلينسكي إلى أن أوكرانيا تصنع طائرات مسيّرة ضربت مصافي روسية تبعد نحو 2,000 كيلومتر، وأنها تريد صواريخ مشابهة لتنسق ضربات مشتركة، وعرض تكنولوجيا الطائرات المسيّرة ومعرفة الإنتاج مقابل الحصول على تومهوك.

من جانبها حذرت روسيا من أن نقل تومهوك إلى أوكرانيا سيُعتبر تصعيداً؛ وقال دبلوماسي روسي رفيع للصحفيين يوم الجمعة إنه سيزيد المخاطر في المجال الأمني—ليس فقط أمن أوروبا بل الأمن الدولي بأسره.

يقرأ  قائد الأركان الإسرائيلي: توسيع الهجوم على قطاع غزة وشيك

الضربات الروسية

بالمقابل، ردّت روسيا باستراتيجية موازية تستهدف إنتاج الكهرباء في أوكرانيا. ووجدت تحليلات أن موسكو ركزت في يوليو وأغسطس ضرباتها على محطات توليد الكهرباء في الشرق، مما اضطر إلى تحويل كميات هائلة من الكهرباء من محطات في الغرب، ثم انتقلت إلى استهداف المحطات الفرعية وخطوط النقل خلال يوليو وأغسطس لإحداث انقطاع واسع في المناطق الشرقية.

ولم تستثن روسيا قطاع الفحم الذي تستخدمه أوكرانيا لتوليد الكهرباء؛ فنقلت شركة تعدين أوكرانية أن طائرات روسية مسيّرة ضربت أحد مناجمها في دنيبروبتروفسك وضربت ثلاثاً أخرى خلال الشهرين الماضيين.

تفوق روسيا في قدراتها بعيدة المدى واضح؛ بين 16 و22 أكتوبر أطلقت روسيا 859 طائرة مسيّرة و77 صاروخاً على البلاد المحاصرة. واعترضت أوكرانيا ثلاثة أرباع الطائرات المسيّرة ولكن أقل من نصف الصواريخ، والكثير منها كان باليستياً. وطالب زيلينسكي مراراً بالحصول على منظومات دفاع جوي إضافية من حلفائه. وصف زيلينسكي الاجتماع مع ترامب يوم الجمعة — الذي وردت عنه تقارير أولية بأن أجواءه كانت متوترة — بأنه «إيجابي»، وأعلن أن أوكرانيا تتهيأ لشراء 25 منظومة دفاع جوي من طراز باتريوت.

هل تشكّل العقوبات طريقًا إلى السلام؟

حتى وقت قريب، اتخذ ترامب والاتحاد الأوروبي نهجين متباينين حيال طريق التهدئة: إذ كان ترامب يميل إلى اتفاق بين قوى كبرى بينما طالبت القيادات الأوروبية بزيادة الضغط على بوتين دعماً لزيلينسكي. ولكن هذا الخِطاب بدا أنه تغيّر خلال الأسبوع الجاري.

ففي يوم الأربعاء فرض ترامب عقوبات على عملاقتَي النفط الروسيتين روسنفت ولوك اويل، مرفقة بتحذيرات من مخاطر تواجه المؤسسات المالية الأجنبية التي تتعامل مع هاتين الشركتين — خطوة قد تصعّب على دول مثل الهند الاستمرار في شراء النفط الروسي.

وفي وقت سابق من الأسبوع دعا ترامب إلى وقف فوري للحرب، مع اعتبار خطوط السيطرة الراهنة على الجبهات نقطة انطلاق للمفاوضات اللاحقة. وافقت أوكرانيا وأوروبا سريعًا على مقترح ترامب. قال قادة أكبر خمس اقتصاديات في أوروبا وحلفاء أوكرانيا في بيان يوم الثلاثاء: «نؤيد بقوة موقف الرئيس ترامب القائل بوجوب توقف القتال فورًا وأن تكون خطوط التماس الحالية هي نقطة انطلاق المفاوضات».

غير أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رفض قبول وقف فوري لإطلاق النار على طول خطوط التماس القائمة، معتبرًا ذلك غير مقبول لموسكو.

يقرأ  أُعيد انتخاب إرفان علي رئيسًا لغيانا الغنية بالنفط لولاية رئاسية ثانية أخبار سياسية

بالنسبة لأوروبا، يفضي هذا التباين الظاهر بين ترامب وبوتين إلى فرصة لمواصلة ضرب اقتصاد الحرب الروسي المتداعي. وصرّح القادة الأوروبيون بأن «على أوروبا تصعيد الضغط على اقتصاد روسيا وصناعتها الدفاعية حتى يصبح بوتين مستعدًا للسلام».

ستتضمن الحزمة التاسعة عشرة للعقوبات التي يجهزها الاتحاد الأوروبي خطوات مهمة للحدّ من واردات النفط والغاز الروسية التي ما زالت تلبي جزءًا من احتياجات القارة. وأعلن مجلس وزراء الطاقة في الاتحاد أن الكتلة ستعمل على التخلص التدريجي من كل واردات الغاز الروسي على مدار السنة القادمة.

لم يُحظر الغاز الروسي على غرار حظر واردات النفط، ففي العام الماضي استوردت أوروبا نحو 51.7 مليار متر مكعب من الغاز الروسي. وكشفت منظمة غرينبيس مؤخرًا أن فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا اشترت العام الماضي ما قيمته 34.3 مليار يورو من الغاز الطبيعي المسال الروسي، بينما قدمت هذه الدول معًا دعماً لأوكرانيا بقيمة 21.2 مليار يورو بطرق مختلفة.

وتُتوقع أن تشمل إجراءات الاتحاد الجديدة استخدام نحو 140 مليار يورو من أصول احتياطية تابعة للبنك المركزي الروسي، المجمدة على أرض الاتحاد، كضمان لمنحة أو قرض مساوي الحجم لأوكرانيا. ونص مسودّة هذا الإجراء، التي اطّلعت عليها رويترز، على تخصيص الجزء الأكبر من هذه الأموال لتمويل مشتريات أوكرانيا من أسلحة أوروبية، مع تخصيص جزء أصغر لأسلحة أميركية مثل منظومات باتريوت.

وبذلك سيستخدم الاتحاد أموال روسيا لتعزيز دفاعات أوكرانيا وإحياء الصناعة الدفاعية الأوروبية، على الرغم من رفض ومزاعم موسكو للشروع في مثل هذه الخطوات لشهور عديدة.

ربما كان زيلينسكي يقصد هذا المسار حين قال للمواطنين إن لقائه مع القادة الأوروبيين يقود إلى «اتفاق قوي، وفي نواحٍ كثيرة جديد تمامًا، حول قدراتنا الدفاعية».

وتأتي هذه الضخة المالية في وقت بالغ الأهمية: فقد انخفضت المساعدات العسكرية لأوكرانيا بنسبة 43 في المئة خلال شهري يوليو وأغسطس مقارنةً بالنصف الأول من العام، وفقًا لمعهد كيل.

وأخيرًا، ستستهدف الحزمة الأحدث للاتحاد أيضاً أطرافًا ثالثة تشتري النفط الروسي. وتشير التقارير إلى أن العقوبات ستطال مصفاتين صينيتين وشركة تجارية صينية وكيانًا صينيًا رابعًا متورطًا في التحايل على العقوبات القائمة.

أضف تعليق