المحكمة تبرئ جنديًا بريطانيًا سابقًا من تهمة القتل في محاكمة «الأحد الدامي»

محكمة بلفاست تبرئ جنديًا بريطانيًا متهمًا في مذبحة «الأحد الدموي»

أصدرت محكمة جنايات بلفاست حكمًا بالبراءة على جندي بريطاني سابق كان يواجه تهمتي القتل وخمس تهم محاولة قتل، في قضية تعود أحداثها إلى أكثر من خمسين عامًا حين فتح جنود النار على متظاهرين سلميين كاثوليك في ديري. المتهم، الذي حكمت له المحكمة بالخفاء باسم «الجندي ف»، لم يمثل أمام هيئة محلفين وأُجريت المحاكمة أمام قاضٍ واحد استغرقت نحو شهر.

سادت غرفة المحكمة صمت طويل بينما قرأ القاضي باتريك لينش قرار البراءة، وكان المتهم مختفياً وراء ستارة زرقاء سميكة. يجدر التذكير بأن 30 يناير 1972 شهد إطلاق رصاصات على متظاهرين سلميين ممن كانوا يسعون لمطالبات مدنية؛ أُصيب نحو 26 مدنياً ولم ينجُ 13 منهم، بينما توفي آخر متأثرًا بجراحه بعد أربعة أشهر.

حصلت هذه الواقعة على أهمية محورية في تاريخ «الصراع»، وأسهمت في تأجيج عنف دام قرابة ثلاثة عقود بين قوميين إيرلنديين مطالبين بالحقوق المدنية ووحدة أيرلندا، وبين موالين لبريطانيا يريدون بقاء أيرلندا الشمالية ضمن المملكة المتحدة، والجيش البريطاني. ومن المعروف أن اتفاقية السلام عام 1998 خففت من حدّة هذه المواجهات.

القاضي لينش قال في قراره إنه مقتنع بأن الجنود فقدوا انضباطهم العسكري وفتحوا النار بقصد القتل، وأن الذين يتحملون المسؤولية يجب أن يظلوا مستحِيِين. ومع ذلك اعتبر أن الأدلة لم ترتقِ إلى مستوى عبء الإثبات المطلوب لإدانة المتهم. وأوضح أن التأخير الطويل أثر بجدية على قدرة الدفاع في التدقيق في صدقية ودقة الشهادات النَقلية والمتناقلة.

سبق أن خلُص تحقيق مبدئي عام 1972 (لجنة ويدجري) إلى براءة الجنود والسلطات البريطانية إلى حد كبير، لكن تحقيقًا ثانويًا أُجرِي لاحقًا — ما عُرف بتحقيق سافيل — وجد في يونيو 2010 أنه لم يكن هناك مبرر لأي من عمليات إطلاق النار، وأن المظلومين الذين كانوا يفرون قد أُطلق عليهم النار. بعد هذا التحقيق فتحت شرطة أيرلندا الشمالية تحقيقًا في جرائم قتل، وتوصلت النيابة إلى توجيه الاتهام لجندي سابق واحد في هذه القضية، فيما رأت النيابة عدم كفاية الأدلة لملاحقة 16 جندياً آخرين.

يقرأ  لم نطلب قط معاملة خاصة

لم يُستدعى «الجندي ف» ليشهد خلال المحاكمة، وأبلغ سابقًا المحققين بأنه لم يعد يملك ذاكرة موثوقة عن أحداث المذبحة. خارج قاعة المحكمة أدان ميكي مكنِّي — شقيق أحد الضحايا المسميين في القضية — حكم البراءة، واعتبر أن القرار لا يرقى إلى «تبرئة مشرفة»، مستعرضًا الخسائر الإنسانية من أرامل وفُقدان إخوة وأبناء يتيمون. ولّمس مكنِّي اللوم الكامل على الدولة البريطانية وقوات الشرطة المحلية لعدم قيامهما بتحقيق جاد أو كافٍ آنذاك.

من جانبها، قالت حكومة المملكة المتحدة بعد النطق بالحكم إنها «ملتزمة بالبحث عن سبيل للتقدم يعترف بالماضي ويدعم من خدموا بلادهم خلال فترة صعبة للغاية في تاريخ أيرلندا الشمالية». أما وزيرة الأقاليم الأولى في أيرلندا الشمالية وراشدة حزب شين فين، ميشيل أونيل، فوَصفت الحكم بأنه «مخيّب للآمال بشدة» واعتبرت أن استمرار حرمان عائلات ضحايا الأحد الدموي من العدالة يمثل إهانة للعدالة نفسها، مشيرة إلى أن لا جندي بريطاني ولا رؤسائهم العسكريين والسياسيين حوكموا على الإطلاق لمحاسبة فعلية.

أضف تعليق