تحرّك القادة الأوروبيون إلى واشنطن بصورة عاجلة — ظاهرياً لحماية الرئيس زيلينسكي وتجنّب تكرار مشهد التوتّر في المكتب البيضاوي في فبراير — لكنّ هدفهم الحقيقي كان إحباط أي محاولات من جانب الرئيس الأميركي ترامب لتهديد أمن أوروبا على المدى الطويل بعد تحوّله المفاجئ في نهج إنهاء الحرب في أوكرانيا.
لم يقتصر الانعطاف الأميركي على التخلي عن شرط وقف إطلاق النار قبل الشروع في مفاوضات السلام الدائم فحسب، بل بدا أيضاً — بحسب دبلوماسيين — أن ترامب لا ينوي فرض عقوبات اقتصادية إضافية على روسيا. باختصار: رؤساء حكومات أوروبا، إلى جانب قادة الاتحاد الأوروبي والناتو، اجتمعوا لتجنّب مواجهة محتدمة أو استسلام سياسي.
استخدم الرئيس الفرنسي تعبير “الاستسلام” لتوصيف المقترح الروسي، قائلاً إن هناك دولة واحدة تقترح سلاماً يرقى إلى درجة الاستسلام: روسيا. وكان لذلك وقع قوي على زعماءٍ اضطرّوا لخرق جداولهم — وفي شهر أغسطس حيث يقضي كثيرون عطلاتهم — للتوجّه إلى واشنطن. كان ماكرون يمارس الرياضات المائية على الريفييرا، وميلوني كانت في اليونان، لكن حجم التغيّر في سياسة ترامب بعد لقائه بوتين في ألاسكا دفع الأوروبيين إلى تعديل خططهم بسرعة.
تفيد المصادر أن ميلوني بادرت بدعوة نفسها إلى الرحلة، وانضم إليها ماكرون سريعاً، وبعد ذلك بدا من المحتّم أن يتبعهما آخرون. أمضى القادة عطلة نهاية الأسبوع في التنسيق عبر الهاتف، وأجروا ما لا يقلّ عن خمسة محادثات جماعية منفصلة. همّهم الأساسي كان قرار ترامب بتحويل معايير الدبلوماسية بعد اجتماع ألاسكا، وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر على مصلحة أوروبا الاستراتيجية.
يخشى بعض المسؤولين من أن تأثير هذين القرارين — اللذين بدّلا استراتيجيات غربية راسخة على مدى شهور — قد اُستهين به. فكلا الخطوتين قربتا الموقف الأميركي إلى موقف يصبّ في مصلحة روسيا. كما لاحظ أحد المسؤولين الأوروبيين: “الأمور تحرّكت بسرعة وبشكلٍ كبير وفق جدولٍ لا أحد كان يتوقّعه.” وأضاف: “الأميركيون يرون هذه اللحظة فرصة للانقضاض بينما الحديد ساخن. سؤالنا هو: ماذا نريد أن نحقّق بالضبط؟”
هدف الأوروبيين، وفقاً للدبلوماسيين، هو تعديل التفكير في البيت الأبيض على مسأستين جوهريتين: أولاً، رفضُ الفكرة القائلة بإن السلام يمكن تحقيقه ببساطة عبر تنازل أوكرانيا عن دونباس؛ وثانياً، التأكيد على أن المسألة لا تتعلق بمستقبل أوكرانيا وحدها، بل بأمن القارة الأوروبية ككل. كما قال دبلوماسي بريطاني: “الأمر يتعلق بمنع تهديد أمن قارتنا.”
بمعنى آخر، أي ترتيبات حول ضمانات أمنية كجزء من صفقة نهائية يجب أن تُصاغ بضمان أنها تؤمّن أمن أوروبا الأوسع، لا أمن أوكرانيا فقط. ويتعيّن إقناع ترامب بأمرين: أن قضايا الأراضي والأمان لا يمكن فصلهما عن بعض، وأن الضمانات الأمنية لا تكفي أن تكون شفوياً أو نصياً بلا آليات تنفيذية.
حتى الآن، تحدث المفاوضون الأميركيون عن منح أوكرانيا ضمانات شبيهة بعض الشيء بضمانات الناتو، لكن من دون تحديد واضح لماهية تلك الضمانات. “لا أحد يفهم بالضبط ماذا يعني ترامب بقولِه ‘ضمان أمني’.” قال أحد المسؤولين. “يعتقد أن مجرد قوله لبوتين ‘لا تهاجم’ يكفي. هذا ليس مقبولاً لأوكرانيا ولا لنا.”
توقّف الأوروبيون عن الدعوة إلى وقف دعم تسليح أوكرانيا؛ فهم يصرّون على أن أمن كييف لن يؤمَّن إلا ببقاء جيشها قوياً، وبسند طويل الأمد من المساعدات العسكرية والمالية للحلفاء. ويشمل ذلك أسلحة أميركية تُشتَرى عبر دول أوروبية وتُهَدَّى لأوكرانيا، واستمرار تدفُّق المعلومات الاستخبارية الأميركية. وبالضرورة، يستبعد هذا الموقف مطالب روسيا بنزع سلاح أوكرانيا.
لكنّ ثمة مخاطرة: قد تؤدي الضغوط المباشرة على ترامب إلى انطباع بأنه يتعرّض للتنمّر السياسي، فيسوء اللقاء وتتعقّد الأمور أكثر. كما أن الوفد الأوروبي تشكّل بسرعة وفيه اختلافات داخلية حول حجم التزام أوروبا بأمن أوكرانيا مستقبلاً، ودور قوة “طمأنة” أوروبية مقترحة في أوكرانيا ما بعد الصراع لا يزال غامضاً.
على الأرجح يسعى الأوروبيون اليوم إلى إبطاء الوتيرة وتهدئة الحديث المتسارع عن صفقات تبادل أراضٍ التي ينبغي أن تُترك لمرحلة اختتام أي مفاوضات. ولعلّهم يفضّلون السعي إلى ثلاثة نتائج عملية: التوصل إلى قمة ثلاثية محتملة تجمع ترامب وزيلينسكي وبوتين؛ بلورة مبادئ عامة لأي تسوية مستقبلية؛ والاتفاق على “مفاوضات حول المفاوضات” لتحديد مكان وإطار أي محادثات مباشرة. وفوق كل ذلك، يبقى السؤال المركزي: هل يمكن للشروع في هذه المرحلة قبل التوصل إلى نوع من وقف إطلاق النار؟
الرهان الأوروبي اليوم هو كسب وقت ومواقع تفاوض أفضل، ومنع انتقال النقاش إلى تسوية تُعطي موسكو مكاسب دائمة على حساب أمن القارة.