نظرة عامة:
في زمن تنتشر فيه المعلومات المضللة أسرع من الحقيقة، يصبح دور المعلمين محوريّاً: عليهم أن يكونوا خط الدفاع الأول عن طريق تعليم مهارات قراءة الوسائط الرقمية وتمكين الطلبة وأسرهم من التفكير النقدي تجاه ما يشاهدون على الإنترنت.
عندما نفكّر، كمعلمين، في الضرر الجسيم الذي تسبّبه المعلومات المضللة، نرى طلابنا — ونستمع إلى محادثاتهم العابرة في الممرات، والصفوف، والكافتيريا — يعيدون تقطيع مقاطع صوتية ووصفات لصور وفيديوهات شاهدوها على منصات مثل تيك توك. أظهرت أبحاث بيو لعام 2024 أن ما يقرب من ستة من كل عشرة مراهقين يقولون إنهم يستخدمون تيك توك وإنستغرام بشكل شبه دائم، ما يؤكد أن وسائل التواصل أصبحت المصدر الرئيس لفهم كثيرين منا للعالم.
تعمل خوارزميات هذه المنصات على استغلال فضول الفرد اللاواعي والواعي على حدّ سواء، فتعرّضه فوراً لمعلومات غير مُتحقّق منها، وغير مُصادَق عليها، وغالباً ما تكون غير صحيحة؛ وتتحول هذه المعلومات، بالنسبة للكثيرين، إلى حقيقة مفترضة ما لم تُناقضْ وتُدحض.
والخطر لا يقتصر على الطلبة وحدهم: الآباء والأمهات والأوصياء الذين صاروا على مدار سنوات يبتعدون عن مصادر الأخبار التقليدية، هم أيضاً يتعرضون لنفس الديناميكيات. لقد وجد بحث آخر أن نحو نصف مستخدمي تيك توك يتلقون الأخبار هناك بانتظام. في هذا الانقسام المعزول الذي تخلقه منصات التواصل تتكاثر الأيديولوجيات وتُستغَل المخاوف وتُضخّم، وما يترتب على ذلك من آثار كارثية على مستوى الفرد والمجتمع.
تذكرت خريف 2020 حين رن هاتفي أثناء وجودي في صف شبه فارغ. طلبتي كانوا يتابعون التعليم عن بُعد عبر Google Meets؛ كنت أجالسُ وحيداً أمام لوحة من الشاشات السوداء، أعلّق الميكروفون، وأنشر رسالة الغياب، ثم أجيب على المكالمة. كانت الأم على الطرف الآخر تتحدث بارتعاش وخوف: ابنها، مثل كثيرين، يتراجع تحصيلياً وحضورياً، وهي لا تعرف من أين تطلب المساعدة. مع تطور الحديث ابتعد التركيز عن مشكلات ابنها إلى مخاوفها الخاصة؛ فهي تعمل من المنزل بدوام كامل، وتحاول مساعدة أولادها، وفي الوقت نفسه تتخبط في تيارات المعلومة المضللة على منصات التواصل.
بصوت متهدّج اعترفت بأنها تخشى أن تأخذها الحكومة أولادها إن أرسلتهم إلى المدرسة واصيبوا بكوفيد؛ استندت في ذلك إلى منشور على فيسبوك يزعم أن الحاكم سيرسل شاحنة بيضاء غير موسومة لاعتقال الأطفال وإدخالهم للحجر الصحي. رغم يقيني بعدم صحة ذلك، شرعت أبحث بلا هوادة على الانترنэт عن أي أثر يدعم ادعاءها — عنوان جانبي، أثر يقودني إلى المصدر، بصيص يقيم الفاصل بين الحقيقة والوهم — ولم أجد شيئاً. عندها فقط أدركت بالكامل مدى تهديد المعلومات المضللة وقدرتها على التشبث بتصورات الواقع لدى الأهالي الذين أتعامل معهم، وتأثير ذلك بالضرورة على حياة طلابي ومستقبلهم.
نحن اليوم أمام موجة جديدة من المعلومات الصحية المتضاربة تُشبه جدلاً لقاح كوفيد عام 2020، ومرة أخرى يقف الطلبة في قلب الصراع. في 22 سبتمبر 2025 أعلن الرئيس ترامب أن الأسيتامينوفين (تايلينول) مرتبط بارتفاع معدلات التوحّد، وطلب من الحوامل الامتناع عن تناوله وأن «يصمدن»، كما دعا الآباء إلى التوقف عن إعطائه لأطفالهم. في المقابل، أصدرت إدارة الغذاء والدواء رسالة عامة إلى الأطباء توضح أن العلاقة المباشرة بين الأسيتامينوفين والتوحّد غير حاسمة؛ فقد وُصفت علاقة ارتباط في دراسات عديدة لكن السبب والنتيجة لم يُثبَتا، وهناك دراسات مخالفة في الأدبيات العلمية، وأن الأسيتامينوفين يُعدّ آمنًا نسبياً كخيار يُصرف دون وصفة أثناء الحمل مقارنة ببعض المسكّنات والخافضات الأخرى.
ومن جهتها، اتهمت إدارة البيت الأبيض وسائل الإعلام بـ«الخبر المزيف» ووصفَت ردود الأفعال النقدية بالتضخيم والتشويه. هذه الاستراتيجية تزيد، لدى كثيرين — وخصوصاً أولئك المؤيّدين للرئيس — من الارتباك بشأن مصدر النصيحة الطبية الموثوق. كما نقلت تقارير أن مركز أبحاث مرموقاً دعا الأهالي للسؤال مباشرة مقدمي الرعاية الصحية: هل سيلجأون إلى آراء غير متخصّصة أم سيلتمسون رأي مزودي الرعاية الطبيين حول الحالة العلمية الراهنة؟
الحقيقة، في جوهرها، تتعرّض للانقراض التدريجي. نعيش في زمن يروج فيه رئيس الدولة الحالي، وحكومته، وقطاعات واسعة من مؤيديه السياسيين، لعدم ثقة حادّة وحتى كراهية متطرفة تجاه «الأخبار المزيفة» أو الإعلام السائد، ويُعتبر أي تغطية غير ملائمة كذباً ومعلومات مضللة.
وفي الوقت نفسه، استُخدمت معلومات مضللة بشكل مكرّر من قِبل الإدارة لتبرير تغييرات حكومية واسعة النطاق — مثل السعي لتقويض وزارة التعليم— مع مزاعم مُبالغ فيها حول تراجع المدارس الأمريكية في مؤشرات المقارنة الدولية، ما غذّى سردية أن النظام التعليمي الأمريكي في حالة انهيار ويستدعي إجراءات جذرية. هذه الدوامة المعلوماتية تؤثر مباشرة على ثقة الجمهور، وتُعيق الحوار المستند إلى أدلة، وتعرقل قدرة المجتمعات على حماية صحة وتعليم أبنائها. ادَّت مزاعم ملموسة عن خفض كبير في تكلفة التعليم لكل تلميذ إلى نتائج غير دقيقة، وقد أكدت جهات مُختصة أن هذه الادعاءات لا تعكس الواقع. ما تلا ذلك من خفض في الميزانيات أدى إلى تداعيات ضارة على الطلاب في أنحاء البلاد، من بينها تقليصات أجبرت بعض المناطق التعليمية على تسريح معلمين ومعلّمات وفقدان خدمات أساسية.
هذا التهويل المتعمد أو غير المدرك زرع مناخاً من عدم الثقة صار من الصعب على كثيرين التنقّل فيه. عندما نفتقد مصادر موثوقة للمعلومة، نلجأ بطبيعتنا إلى بعضنا البعض. المراهقون، خصوصاً ممن ليس لديهم خبرة كافية في الثقافة الإعلامية، يقضون وقتاً طويلاً على منصات التواصل—حسب تقارير الجمعية الأمريكية لعلم النفس، يقضون ما يقارب خمس ساعات يومياً. في تلك المساحات الافتراضية والمنتديات الالكترونية، تتكاثر روح الزمالة والانسجام إلى حد يجعل الأصوات المخالفة أقل سماعاً؛ وهنا يتحول التضليل إلى خطر فعلي، حيث تُقنع أسرٌ بأفكار مبالغ فيها، مثل الاعتقاد أن الحاكم قد يختطف أطفالهم.
كأمّ ومواطنة عالمية، يكاد الكلام أن يقصر عن وصف قلقي من هذا الخطر؛ وأجد صعوبة في التعبير عن شعوري بالتشاؤم في بعض الأحيان. لكن بوصفِي مُربية، أتحمّل مسؤولية كبيرة تجاه تنمية أدوات التفكير النقدي لدى الشباب—مهارات وإثارة فضول معرفي ذي طابع تحقيقي. لهذا دمجتُ التثقيف الإعلامي في كل جزء من منهجي التعليمي، كحل واحد فعّال يمكن أن يحقّق نتائج إيجابية ملموسة للطلبة.
من المبادئ الأساسية للتثقيف الإعلامي إدراك أنّ كل وسيلة إعلامية، حتى الروبوتات والمحادثات الآلية، تحمل تحيُّزات لأنها صناعة بشرية أو برمجية يُدخل صانعوها قيمهم ومِنطلقاتهم—عن قصد أو دون وعي—في الرسائل. لذلك يطالب التثقيف الإعلامي بالتحقق من المعلومات ومراجعتها قبل نشرها أو مشاركتها. هذا ينطبق سواء على فيديوهات قصيرة تبدو بريئة على تيك توك أو دراساتٍ ممولة خاصّاً أو برامج إخبارية مرئية.
أبحاث جامعة ولاية بنسلفانيا أشارت إلى أن نسبة كبيرة من المشاركات على الشبكات الاجتماعية تتمّ دون أن ينقر الناشرون على الروابط لمطالعة المضمون؛ فقد وجدت تحليلات أن نحو ثلاثة أرباع المشاركات تمت دون قراءة المصدر أولاً، وكان المحتوى السياسي أكثر عرضة للمشاركة بهذه الطريقة. ودراسة أخرى لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا برهنت أن الأخبار الكاذبة تنتشر أسرع من الأخبار الصحيحة بحوالي ست مرات.
أتذكر أمّاً مذعورة على الهاتف في عام 2020—لو أنها لم تتعرّض لمعلومة مضلّلة من مصدر كانت تثق به على منصة اجتماعية، لربما لِما عانت ذلك الكمّ من القلق والارتباك. والأهم أن أبناءها وربّما طلاب غيرهم كانوا ليحققوا تقدّماً أفضل دراسياً لو لم تُغذَّ هذه المخاوف بتكهنات عن خطف حكومي مزعوم لأطفالهم.
من الضروري أن نُقيّم مصداقية أي معلومة تصلنا قبل أن نصدقها أو نعيد إنتاجها أو نشاركها. علينا أن نكون أمناء للحقائق في كل تفاعل على مواقع التواصل: أوقف نفسك قبل المشاركة، افحص المصدر، تحقّق من التغطية المتكررة للخبر، وتتبع الادعاءات إلى سياقها الأصلي. وإذا ترددتَ—وهذا ما يُحبّه تلاميذي—استخدم اختبار CRAAP للوقايه من التضليل!