أسعار لحم البقر الأمريكية ترتفع إلى مستويات قياسية هل تنجح خطط ترامب في خفضها؟

ارتفاع قياسي في أسعار اللحم يحوّل الملف إلى قضية سياسية في الولايات المتحدة

شهدت أسعار اللحم البقري في الولايات المتحدة ارتفاعاً حاداً لدرجة أن الموضوع أصبح شاغلاً سياسياً بارزاً. حتى دونالد ترامب، الذي أعلن منذ زمن أن التضخّم «مات»، بات يتناول القضية علناً، خوفاً من أن تضرّ بوعوده بخفض أسعار البقالة للأسر الأميركية.

مطالبات ومُقاومات
في الأيام الأخيرة دعا ترامب المربين إلى خفض أسعار الماشية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأثار ذلك ردود فعل غاضبة بين مربّي الماشية. كثيرون يخشون أن بعض الحلول المقترحة ستجعل ظروف عيشهم أصعب، وفي الوقت نفسه لن تُحدث فرقاً يُذكر في رفوف المتاجر.

انكماش القطيع وندرة العرض
أعداد مزارع ومربي الأبقار تراجعت باستمرار منذ الثمانينيات، ما قلّص المعروض المحلي بينما ظلّ الطلب مرتفعاً. مخزون الماشية في البلاد وصل إلى أدنى مستوى في نحو 75 عاماً، وخسرت الولايات المتحدة أكثر من 150 ألف مزرعة أبقار منذ 2017 — أي تراجع بنحو 17% بحسب وزارة الزراعة. وتفاقمت المشكلة بفعل تركّز شركات تجهيز اللحوم خلال أربعة عقود، والارتفاع الكبير في تكاليف المدخلات الأساسية مثل الأسمدة والمعدّات، بالإضافة إلى سنوات متعاقبة من الجفاف التي اضطرت المربين إلى تقليص قطعانهم. يقول كريستيان لوفيل، مربي أبقار في إلينوي، إن مساحات كانت خصبة حين كان طفلاً باتت اليوم جافة وتقيّد أماكن الرعي.

معدلات التضخّم في اللحم
تشير بيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركية إلى أن أسعار لحم البقر المفروم ارتفعت بنسبة 12.9% خلال الاثني عشر شهراً حتى سبتمبر، بينما ارتفعت أسعار شرائح اللحم (الستيك) بنسبة 16.6%. رطل اللحم المفروم بات يكلف في المتوسط 6.33 دولاراً مقارنةً بـ5.58 دولاراً قبل عام، وهي زيادات فاقت كثيراً متوسط تضخّم أسعار الغذاء العام البالغ 3.1%. بريندا بوتيل، أستاذة اقتصاد زراعي، تشرح أن قلة القطيع خلال السنوات الأخيرة مع استمرار الطلب على «اللحم الأميركي» تفسّر الأسعار المرتفعة. وديريل بيل من جامعة أوكلاهوما يتوقّع بقاء الأسعار مرتفعة حتى نهاية العقد على الأقل، لأن استعادة القطعان يستغرق سنوات.

يقرأ  عمارة كوبا الفريدة تتلألأ في صورٍ نابضةٍ بالحياة للمصور جيمس كيروين — «كولوسال»

اقتراحات وزراعية واستيراد مثير للجدل
كشفت وزارة الزراعة هذا الأسبوع عن «حزمة كبيرة» لزيادة الإنتاج المحلي من خلال فتح مساحات رعي إضافية ودعم معالجي اللحوم الصغار. لكن مقترح ترامب بزيادة واردات اللحم من الأرجنتين دفع مربّين إلى الغضب، إذ خشوا أن يؤدي إلى «فوضى» في موسم حرج دون أن يخفض أسعار التجزئة. حتى رابطة مربي المواشي الوطنية، التي دعمت سياسات ترامب سابقاً، وصفت خطة الاستيراد بأنها «تخلق فوضى في وقت حاسم لمنتجي الماشية الأميركيين، من دون أن تُخفض أسعار المتاجر».

هيمنة الرباعي وتأثيرها
اليوم تسيطر أربع شركات فقط على أكثر من 80% من سوق ذبح وتعبئة لحم البقر: تايسون، JBS، كارغيل، وناشونال بيف. هذه التركّزات جعلت كثيرين يتهمون السوق بالابتزاز، سواء للمربين أو للمستهلكـن. شركات المعالجة واجهت دعاوى عديدة، بينها شكوى ماكدونالدز التي اتّهمت بعض الشركات بالتواطؤ لرفع أسعار اللحم. ورغم أن إدارة ترامب ألغت أمراً صدر في عهد بايدن بشأن مكافحة التوحّد المؤسسي في سلسلة الغذاء، إلا أنها تحرّكت أيضاً لفحص قضايا المنافسة في القطاع الزراعي.

قصص مزارعين: من البيع المباشر إلى فقدان الحافز
مايك كاليكرات، مربي أبقار في سانت فرانسيس، كان ناجحاً في البقاء عبر استبعاد الوسطاء وفتح متاجره الخاصة لبيع المستهلكين مباشرةً، لكنّه يقول إن هذا الخيار غير متاح لمعظم المربين الذين لا يملكون رأس المال للانتقال إلى نموذج مماثل. «لن نعيد بناء قطيع الأبقار هذا — ليس حتى نعالج مسألة تركّز السوق»، يقول كاليكرات، مؤيداً خطط وزارة الزراعة لفتح المزيد من أراضي الرعي، لكنه يحذّر: «ما لم يكن هناك سوق، تصبح سُلْفة الماشية مغامرة سخيفة».

من جانبه، يستذكر بيل بولارد، الرئيس التنفيذي لجمعية منتجي المواشي R-CALF امريكية، موجة الإخراج الأولى للمربين حين بدأ تبدّؤ تركز صناعة تجهيز اللحوم في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وأغلق مزرعته عام 1985. ويشير بولارد إلى أن أسعار الماشية تحسّنت خلال العام الماضي بعدما انخفض العرض بدرجة دفعت أسعار الشراء لارتفاع، لكنه يؤكد أن الاعتماد على الواردات وقوة المشترين لدى معالجي اللحوم ما زالت تُضعف ثقة المربين في نزاهة السواق ويمنعهم من توسيع قطعانهم. ويختتم بالقول إن تركيز إدارة الرئيس على أعراض المشكلة بدل جذورها يثير الشك لدى كثيرين بأن الإجراءات المقترحة ستحل الأزمة الحقيقية.

يقرأ  أمطار غزيرة تغلق شواطئ إيبيزا الإسبانية وتؤدي إلى فيضانات

أضف تعليق