دير القديسة كاترين عند سفح جبل سيناء في مصر مشهورٌ بسلامه المقدَّس، لكنه الآن يستعد للانفتاح أمام الجمهور.
تأسَّس هذا الدير الأرثوذكسي اليوناني في القرن السادس، ويُعدُّ واحداً من أقدم الأديرة المسيحية المأهولة باستمرار في العالم.
تُروى فيه قصة ظهور الله لموسى في العَلَم المحترق، وما نُقل عن تسلُّم موسى للوصايا العشر على جبل سيناء.
بالقرب منه شُيِّد هذا المبنى العتيق الذي يعود تاريخه إلى نحو 1500 عام عند نقطة التقاء الوادي ببداية جبل سيناء.
يشتهر الدير بين المؤمنين باحتضانه لآثار القديسة كاترين الإسكندرانية، كما تجذب مكتبته القديمة التي تضم مخطوطات نادرة أعداداً كبيرة من الحجاج والباحثين.
هنا تشعر أحياناً بالقرب من الله أكثر مما شعرت به في أماكن أخرى، مع نسماتٍ لطيفة تتدفق من الصخور القاحلة ذات اللون البني المائل إلى الحمرة فتُحرِّك شجيرات الورود وأشجار الزيتون.
اقضِ بضعة أيامٍ هنا، وما يغلب على الحواس هو الصمت.
يحترم هذا المكان المسيحيون واليهود والمسلمون على حدّ سواء، حيث تتقاطع الإيمان والتاريخ والطبيعة في توليفةٍ قوية.
لكن في قاع الوادي يبدو المشهد مختلفاً، إذ تعجُّ المنطقة بالخرسانة والحاويات وآليات البناء بينما تستعد مصر المعاصرة لسياحة الغد.
تُخطَّط فنادق وفيلات تضم أكثر من ألف غرفة، إلى جانب ممشى يضم سوقاً مفتوحاً وساحةَ سلام ومركزاً للزوار — واللافتة موجودة بالفعل.
«وجهة رائعة لكل الزوار»
تحتفي الحكومة بالمشروع الذي من المقرَّر إنجازه في أكتوبر 2026 باعتباره «هدية مصر للعالم ولجميع الأديان».
من المقرر إنشاء متحف ومسرح، فضلاً عن قاعات مؤتمرات ومطاعم. تُعبَّد الطرق السريعة ويتمّ توسعة مطار مجاور غير مستغل حالياً. وتبلغ التكلفة المتوقعة 220 مليون دولار.
سيكون «وجهة رائعة لكل الزوار» سواء أ أتوا لأسباب دينية أو ترفيهية أو لمحبي الطبيعة، حسب قول رئيس الوزراء مصطفى مدبولي.
وقالت وسائل إعلام موالية للدولة إن الهدف هو «تسخير سحر المنطقة» وتحويلها إلى «وجهة لا بدّ من زيارتها». وقد انضمّ بالفعل شبكة فنادق ألمانية كبرى إلى المشروع.
لكن هل يستطيع ديرٌ يقوم على السكينة والعزلة أن يستوعب هذا العدد الكبير من الزائرين؟ ألم تتحول المواقع الدينية التي كانت تحوي بعض السائحين بين الفينة والأخرى إلى مواقع سياحية تزدان بمعالمٍ دينية قليلة؟
الموازنة بين الانفتاح والهدوء
يقول الأب جاستن، أحد 22 راهباً يقيمون في دير القديسة كاترين، إن الأمر يحتاج إلى «توازن دقيق»: «منفتح ومتاح إلى حدٍّ معين، لكن أيضاً حافظوا على أوقات الصمت والعزلة».
يبدأ الرهبان يومهم في الساعة الرابعة فجراً، ويعيشون وفق جدولٍ معقَّد قائم منذ قرون، كما يؤكد الأب جاستن. حالياً يفتح الدير أبوابه للزوار ثلاث ساعات يومياً.
لكن التغيير قادم. تقول منظمة World Heritage Watch، المكرَّسة لحماية مواقع التراث العالمي لدى اليونسكو، إن هذا المشروع «أقصى ما يمكن من التباين مع ما تمثله المنطقة». وقد نال الموقع هذا الوصف في 2002.
ودعت اليونسكو الحكومة في القاهرة إلى عرض خطة حماية، ووقف أعمال البناء، والسماح للمراقبين بدخول البلاد، لكن حتى الآن لم تسفر هذه النداءات عن نتيجة.
هدم منازل وتدمير مقبرة
يعيش البدو واقعاً جديداً منذ فترة طويلة. أفراد قبيلة الجبالية يقال إن أصولهم تنحدر من جنود بيزنطيين أُرسلوا في القرن السادس لحراسة الدير، ويعتقد أنهم أقدم القبائل في المنطقة.
جاء اسم «الجبالية» من الكلمة العربية «جبل»، لعيشهم في المناطق الجبلية.
لقد سهّلوا في الأصل إنشاء الدير وتشغيله، إذ عملوا حماةً ومرشدين جبليين وسائقي جمال.
الآن هدمت منازلهم ضمن أعمال البناء وتعرضت مقبرة قديمة للتدمير. وبأيديهم العارية نبشوا رفات أقاربهم لإعادة دفنهم في مكان أبعد.
حيث كانت المقبرة، باتت الآن موقفاً للسيارات.
«يتجاهلون الجميع»، يقول أحد البدو عن نشاطات الحكومة.
يخشى البعض أن يصبح موقع القديسة كاترين نسخةً أخرى من شرم الشيخ جنوباً: مكان تحيط به فنادق خمس نجوم وسياح لا يخرجون من فنادقهم.
بعد أن طُرد كثير من البدو إلى الأطراف في شرم، بات كثيرون يكسبون رزقهم من تدوير النفايات.
أغانٍ ودموع على القمة
على جبل سيناء يبدو كل شيء كما كان. بالنسبة للبعض، بعد صعود مُتعب، تتحرر كل طاقة القديسة كاترين.
تغنّي مجموعة سياحية كورية ترانيم مسيحية، وتبكي امرأة باكيةً بصوتٍ مرتفع وهي تقرأ دعاءً على القمة. وأخرى تجلس بهدوء تبكي على صخرة تراقب غروب الشمس.
في أسفل الدير يسمع صوت أنغام الرهبان المنبعثة من مكبر صوت في المحل الصغير، ويعمر الهواء رائحة شمع البخور من الشموع النذريّة.
في طابقٍ علويّ، تضم المكتبة أكثر من 3300 مخطوطة قديمة، يقال إنها تضاهي قيمة مخطوطات الفاتيكان.
«عليكم حماية الناس الذين يأتون إلى هنا ليشعروا بشيءٍ في قلوبهم»، يقول راهبٌ واضعاً كفيه على صدره. «إن لم تحمِ ذلك فسيتحوّل المكان إلى متنزّه سياحي».
منظر لدير القديسة كاترين في شبه جزيرة سيناء.
أجزاء من مشروع البناء الجاري بالقرب من دير القديسة كاترين في شبه جزيرة سيناء.