أنور إبراهيم: من هو رئيس وزراء ماليزيا؟

استُقبل الرئيس دونالد ترامب من قبل رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم لدى وصوله إلى كوالالمبور في أكتوبر 2025. وما هي إلا لحظة صارت أمام الكاميرات حينما مازح أنور الرئيس قائلاً: «كنتُ في السجن لكنك كدتَ تصل إلى هناك». كانت مزحة محفوفة بالمخاطرة — تراجع عنها سريعاً عند ملامح ترامب اللامبتسمة — لكنها أيضاً نوع من الجرأة التي لا يتجرأ عليها سوى سياسي مخضرم يتلذذ بانتصاراته الأخيرة.

الاتفاق الذي وقّعه مع ترامب لتخفيض الرسوم الجمركية على صادرات ماليزيا إلى الولايات المتحدة من 24% إلى 19% قد لا يعرّف كل تفاصيله بعد، لكن أي ضمان بعدم زيادة الرسوم يعد أمراً مرحباً به في ظلّ حالة الغموض الاقتصادي. والأهم من ذلك، أن أنور ضمن حضور ترامب لقمة إقليمية تحتل أهميتها موضع تساؤل متكرر: حضر الرئيس الأميركي قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في كوالالمور فقط ليفتتح ما عُرِف إعلامياً بـ«اتفاقية سلام» بين تايلاند وكمبوديا، وهو الاتفاق الذي نسّق له أنور شخصياً.

كما توسط أنور لوقف إطلاق نار هش بين تايلاند وكمبوديا بعد اشتباكات حدودية دامية وقعت هذا العام — وتدخل بعدما هدد ترامب بفرض رسوم على الطرفين إذا لم يتوقف القتال. اعتبر البعض ذلك انتصاراً دبلوماسياً لماليزيا، بينما رأى آخرون أن أنور كان في المكان المناسب والزمان المناسب؛ لكن أنور نفسه يرد بأنّه انتظر 25 عاماً ليلعب دوره، سنوات من الاضطراب قضى فيها فترات في السجن مرتين.

طريق مضطرب إلى السلطة

برز أنور أولاً كقائد طلابي جذاب ومثير، مؤسس الحركة الاسلامية الشبابية (ABIM)، قبل أن يدخل في أروقة السلطة في حزبه لاحقاً. في 1982 انضم إلى حزب الملايو المتحد (UMNO) الذي حكم طويلاً، في خطوة فاجأت كثيرين ظنّوا أنه سيبتعد عن المؤسسة السياسية. كانت خطوة سياسية محكمة: تسلّق بسرعة السلم الحزبي وشغل مناصب وزارية متعددة.

يقرأ  كوريا الجنوبية تعتقل جنديًا من كوريا الشمالية بعد تجاوزه حدودًا محصنة — أخبار عسكرية

في 1993 أصبح نائباً لرئيس الوزراء آنذاك مهاتير محمَد، وكان يُنظر إليه على أنه الوريث الأوفر حظّاً. لكن الخلاف بينهما تفجّر على خلفية إدارة أزمة آسيا المالية عام 1997 التي ألمّت بماليزيا بشدّة. طُرد أنور في العام التالي ثم وُجّهت إليه اتهامات باللواط والفساد — اتهامات لا يزال ينفيها إلى اليوم، معتبراً إياها حملة تشويه لإقصائه كخطر سياسي.

في 2004، بعد عام من تنحّي مهاتير، نقضت المحكمة العليا حكماً بالسجن بتهمة اللواط وأُفرج عنه. خرج أنور زعيماً لمعارضة متجددة قادتها إلى أقوى نتيجة انتخابية لها حتى عام 2013. لكن بعد أقل من عام، وأثناء استعداده لخوض انتخابات محلية، طُرحت ضدّه اتهامات لواط جديدة أعادته إلى السجن.

في تحول مفاجئ عام 2016 عاد مهاتير من التقاعد لخوض المعركة السياسية أمام رئيس الوزراء آنذاك نجيب رزاق المتهم بقضايا فساد. تفاهم مهاتير مع أنور — حيث وعد بإنقاذه من السجن إذا نال الفوز، ثم تسليم منصب الرئاسة إليه لاحقاً. حصدت ائتلافهما فوزاً تاريخياً عام 2018، لكن التحالف انفكّ مع تكرار مهاتير لتغيير الأطر الزمنية لتسليم السلطة. في انتخابات 2022 فاز ائتلاف أنور بأكبر عدد من المقاعد لكنه لم يحقق الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة، فبعد أيام من الجمود عيّنه الملك رئيساً للوزراء. وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات، أمسك الرجل البالغ من العمر 78 عاماً بمنصبه لفترة أطول من أسلافه الثلاثة السابقين.

استقرار لكن استقطاب

أبرز إنجاز لأنور ربما هو الاستقرار السياسي الذي أعاد إلى بلدٍ شهد دوامات في رئاسة الوزراء بين 2020 و2021. وفقاً لأستاذة العلوم السياسية سيازا شوكري في الجامعة الإسلامية الدولية بماليزيا، تُعتبر ماليزيا اليوم أحياناً من أكثر دول جنوب شرق آسيا استقراراً، ما جعلها جذابة نسبياً للمستثمرين. لكن تكاليف المعيشة ترتفع كما في كثير من الدول؛ ففي يوليو نزل نحو 20 ألف متظاهر إلى شوارع كوالالمبور يطالبون باستقالة أنور احتجاجاً على الغلاء ونقص الإصلاحات الاقتصادية.

يقرأ  ميرتس يقود الاتحاد الديمقراطي المسيحي نحو النصر — وحزب البديل من أجل ألمانيا يحقق مكاسب قوية

الاستثمارات الضخمة في تصنيع أشباه الموصلات ومراكز البيانات لم تؤتِ ثمارها بعد، ولهذا كان اتفاق التخفيض الجمركي مع الولايات المتحدة حاسماً لاقتصاد قائم على الصادرات. وفي الوقت ذاته يتهم منتقدون إدارته بعدم بذل ما يكفي لتعزيز مجتمع ماليزي أكثر شمولاً في وجه تصاعد تيارات إسلامية محافظة. وقد تفجرت حوادث عنف ديني في بلدٍ ذي أغلبية مسلمة وجالية صينية كبيرة، من بينها احتجاجات وغضب عام بعد بيع سلسلة متاجر للجوارب مطبوع عليها كلمة «الله» بما اعتبره كثيرون تجديداً مسيئاً، مما أدى إلى هجمات وحملات مقاطعة ومطالبات بملاحقة مديري الشركة.

في 2023 اضطرت مطعماً يديره مسلمون من أصل صيني إلى الاعتذار علناً بعد حادثة تسبّب فيها عامل يرتدي قلادة صليب. وفي تعليق نشرته CNA، قال أستاذ دراسات آسيا جيمس تشين إن «الوسط السياسي الماليزي لم يعد متسامحاً متعدد الأعراق كما كان، بل يميل إلى محافظة ذات أفق إسلامي… وموقف أنور من الإسلام السياسي قد يدفع بالبلاد إلى مناطق مجهولة». ينتقده آخرون بتهم المحسوبية ويشككون في تعهداته بمكافحة الفساد، لا سيما بعد قرار النيابة العامة إسقاط 47 تهمة فساد عام 2023 عن حليفٍ بارز لأنور يشغل منصب نائب رئيس الوزراء.

الرقصة الدبلوماسية

على الساحة الدولية، برز أنور بشكل أوضح. عليه أن يؤدي رقصة توازن دقيقة لكيلا يجرّ الاقتصاد الناشئ الذي يقوده إلى استقطاب بين الولايات المتحدة والصين. دعا رئيس الصين شي جين بينغ إلى القمة بعد زيارة رسمية قام بها في أبريل بعد غياب 12 سنة، لكنه تغيب عن قمة هذا الأسبوع. وحضور ترامب لم يكن أمراً هيناً لاقتصادات جنوب شرق آسيا المعتمدة على السوق الأميركية؛ إذ أتاح للدول، مثل تايلاند وفيتنام، مناقشة تفاصيل وضمانات بشأن التعريفات الجمركية التي ستُحتسب كنصر مرحلي.

يقرأ  من الفكرة إلى النظام: كيفية تحويل عمليات الذكاء الاصطناعي الجديدة إلى أنظمة قابلة للتكرار

سار أنور نشاطه الدبلوماسي بسرعة: خلال عامه الأول كرئيس وزراء زار كل دول آسيان ماعدا ميانمار التي تشهد حرباً أهلية منذ استيلاء الجيش على السلطة عام 2021. تعد ميانمار من أصعب التحديات لآسيان؛ فبينما أثنى البعض على تصريحه المتكرر بشأنها، لم يتغير الكثير على الأرض جزئياً لأن الصين هي الأقوى تأثيراً على المجلس العسكري. ومع ذلك، يرى بعض المراقبين أن أنور «حرك المؤشر قليلاً» وأعاد لآسيان بعضاً من أهميتها.

دوره في الوساطة بين تايلاند وكمبوديا رفع مكانته الدولية، لكن مثل هذه الانتصارات الدبلوماسية لا تعني بالضرورة شيئاً للمالايزي العادي. ما لاقى صدى واسعاً داخلياً هو دفاعه الصريح عن القضية الفلسطينية، الذي ازداد منذ اندلاع الحرب في غزة عام 2023. تقول آرييل تان، منسقة برنامج ماليزيا في مدرسة س. راجاراتنام للدراسات الدولية، إن أنور «يحتاج لرفع علم فلسطين عالياً لإرضاء الرأي العام وتقوية موقعه أمام خصوم يتهمونه بعدم الذهاب بعيداً بما فيه الكفاية».

لكن ثمة معضلة: يحتاج أيضاً إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع واشنطن، الحليف الأقوى لإسرائيل، وتقول تان إنّ نقده للولايات المتحدة خفَّ منذ إعادة انتخاب ترامب، ما جعل الانخراط مع واشنطن أمراً أكثر أهمية، خصوصاً مع تهديد الرسوم الجمركية. السؤال المهم: هل سيتمكن أنور من الموازنة بين المطالب المحلية والمتطلبات الخارجية، ويحوّل نجاحاته الدولية إلى مكاسب ملموسة على الساحة المحلية؟ الإجابة على هذا السؤال ستكون حاسمة لبقائه في السلطة قبل الانتخابات المرتقبة عام 2028.

أضف تعليق