رحيل رسّام بلجيكي مؤثر عن عمر يناهز ٧٩ عاماً

والتر سوينن، فنان بلجيكي بدأ مسيرته شاعراً قبل أن يحول ولعه باللغة إلى لوحات جريئة وغريبة، توفي عن عمر ناهز تسعة وسبعين عاماً. علن خبر وفاته عبر صالة العرض التي تمثله، زافييه هوفكنز، من دون بيان سبب محدد.

برز سوينن في المشهد الفنّي البلجيكي ضمن جيل من الرسامين المهتمين بخواصّ المادة في المَدينَة التصويرية، لكنه تميّز بحرّية أكبر وروحٍ مرحةٍ تميل إلى اللعب اللساني. كانت لوحاته تغمرها عبارات مكتوبة تبدو كمزحاتٍ أو شفراتٍ لغوية لا تُفصح عن معناها فوراً، وفي كثير من الأحيان تظهر شخصيات مركّبة وكأنها مُقتبسة من القصص المصوّرة، بل وأحياناً إيماءات جسديّة مفكّكة تتحدّى الشكل التقليدي.

من أعماله اللافتة لوحة من عام 2015 كتبت عليها بحروف حمراء كبيرة عبارة FEED THE FISH، ثم تابعها بخطٍ مُتمايل مكتوب بالإنجليزية: “at your own risk”. عمل آخر يصوّر ذراعيْن بلا جذع تؤدّيان إيماءة الـ bras d’honneur، وفي لوحة ثالثة تظهر قشّة موز على خلفية سوداء وكأنّها فخّ للزَلل.

لقد جَعَلت كتابات سوينن اللغة غير مستقرة؛ كما لاحظ الناقد مارك برنس، كلماتُه “تتقاتل على المساحة مع عناصر لا تدلّ على معنى، وتذوب فيها”. يتراكب الإنجليزي والفرنسي والفلمنكي فوق بعضهما، فتتحوّل تجريدية الكلمة إلى تجريد بصري يُجازف بتفكيك الدلالة لصالح اللمسة التصويرية.

تقنياً، تعاطى سوينن مع مادّة العمل بلا رتوش تقليدية: بدلاً من الاعتماد على أطر خشبية معتادة قَدَ يستعمل قطع خشب وبلاستيك مُعثر عليها، وأحياناً استبدل القماش بالخشب أو المعدن؛ اختياراتٌ تعكس نقده لما يُعتبَر “جيداً” في عالم اللوحة. كما صرّح في حوار له مع مجلة Frieze عام 2016: “أحاول أن أرسم ضد ذائقتي — ليس فقط ضد ‘الذوق الجيد’ بل بروح الامتناع، التي أعدّها فضيلة. من الصعب أن ترسم ضد الذائقة. لكن الرسم صار صعباً طالما.” قال انه يرى في هذا الموقف اعتراضاً واعياً على قواعد قبول العمل الفني.

يقرأ  متحف لوس أنجلوس يدين تواجد عناصر دوريات حرس الحدود الأمريكية على أرضه

حاز حسّه الهزلي الملتوي على إعجاب النقاد وزملائه في بلجيكا، ولاحقاً وجد جمهوراً مخلصاً في نيويورك خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. بعد أكثر من عشرين عاماً على أول معرض منفرد له في نيويورك مع Nicole Klagsbrun في أوائل التسعينيات، بدأ عرض أعماله في Gladstone Gallery عام 2015؛ ووصفت نقّادةٌ مثل روبرتا سميث تحوّله بأنها «نضج تمثّل في عزيمة استخراج أقصى درجات الجمال والفكاهة من حدّ أدنى من الطلاء».

ولد والتر سوينن في فورست (بلجيكا) عام 1946. في سن الخامسة قرر والده ووالدته أن يبدآ تعليمه بالفرنسية بدلاً من الفلمنكية، ما زرع فيه مبكراً انشغالاً بالكلمات واللغة والدلالة. بعد إنهائه المدرسة الثانوية درس الفلسفة والنقش ثم اتجه لتحصيل شهادة في علم النفس من جامعة لوفان الكاثوليكية. في ستينيات القرن الماضي بدأ كتابة الشعر، فالتقطه فنانون أمثال مارسيل بروودثائرز، وشرع في الرسم والرسم التخطيطي، غير أنّه لم يكرّس نفسه تماماً للمهنة التشكيلية إلا في الثمانينيات.

استعاد مساره زخماً جديداً بعد معرض استعادي جاب WIELS في بروكسل عام 2013؛ أعاد ذلك عرض أعماله أمام جيلٍ أصغر من الفنانين، وفتحت له تِجَار عرض كبار أبوابهم: عرضت له صالة Xavier Hufkens في 2014، وقدّمته Gladstone لثلاثة معارض منفردة، أحدها تزامن مع مشاركة في White Columns بنيويورك. وعلى الرغم من أنه لم يظهر أبداً في بينالي البندقية أو دو쿠 منحصراً، فإن تأثيره على أجيالٍ لاحقة بدا واضحاً في ضمّ أعماله في معارض جماعية نظّمها فنانون شبان أمثال سانيا كانتاروسكي، وإقتران أعمال ماتيو سيرليتي وإيدي مارتينيز بلوحاته.

خلال سجلاته الحياتية والفنية ظل شاعرية اللغة وروح المقاومة لذائقة الفن السائد محورها الثابت؛ وفي عبارة طريفة قال مرةً ما: “فهمت معنى أن تعيش كملك. أود أن أكون ملكاً ليومٍ واحد في الأسبوع!” كانت هذه المرونة، الممزوجة بالتهكّم والحِسّ البصري، حجر الرحى في مسيرة فنان أمكنه أن يستخلص من المادّة الأدنى أقصى ما فيها من جمال وسخرية.

يقرأ  منحوتات البورسلين للفنانة جيسيكا ستولر

أضف تعليق