ليس هذا جيرونيمو الحقيقي

ملاحظة المحرر: المقطع التالي مقتطف بإذن ومُكيَّف من كتاب “علاقات تأملية: تصور عالم السكان الأصليين والإصلاح” لجوزيف م. بيرس، الصادر عن دار جامعة ديوك في 26 أغسطس، والمتاح إلكترونياً وفي المكتبات.

جيرونيمو يواجه الناظر وهو ملفوف ببُرْداء أحمر زاهٍ يلمع. تلك المسحة اللونية اللافتة تَثبُت في العين كنَّقطة مقابل مشبعة لخلفية رمادية ووجه الجالس المملوء بالثنيات العميقة. عيناه الداكنتان تنظران مباشرة إلى المُشاهد. سبق أن وقف ليُصوَّر فوتوغرافياً مرات عديدة، لكن هذه كانت المرة الأولى التي يسمح فيها لرسّام بالتقاط شبيهه. ذلك الرسّام كان إلبريدج آير بوربنك، وقد أتم العمل عام 1897 في فورت سيل، الإقليم الهندي؛ وكان أولى لوحات سلسلةٍ كُلِّفت لصالح عمه، إدوارد إيفريت آير، الذي كان حينها مدير متحف فيلد في شيكاغو. كان جيرونيمو أسيراً في فورت سيل بعدما استسلم للحكومة الأمريكية مع نحو ثلاثين من شيروكاها أباتشي في عام 1866. أرسلتهم القوات إلى فورت مارين بفلوريدا حيث بقوا نحو عام، ثم نُقلوا إلى فورت سيل، وهناك «شرع» بوربنك، كما ذكر، في «رحلة بحث عن [جيرونيمو] في ما كان سيكون أول عشرين عاماً من مطاردة الأمريكيين الحقيقيين من أجل قماشتي».

ثَمَّة ثلاث خيوط تاريخية رئيسية تتقاطع في لقاء جيرونيمو وبوربنك في فورت سيل. أولاً، استسلام جيرونيمو أنهى فعلياً حروب الهنود على السهول، وبعده أصبح بالإمكان للدولة الاستيطانية أن تتخيل أنها «غلبت» الهنود غرب الميسيسيبي ومضت في تحقيق مصيرها المحتوم. ثانياً، فتح سَبْقُ سجن السكان الأصليين فسحةً جديدة في سياسة التعليم الأمريكية. لا ينبغي أن ننسى أنه في عام 1875 كُلِّف ريتشارد هنري برات بنقل 72 سجيناً من السكان الأصليين على نفس الطريق الذي سيسلكه جيرونيمو، من فورت سيل إلى فورت مارين، وهناك شرع برات في أول تجاربه التربوية مع السكان الأصليين تحت شعار «اقتل الهندي، خلِّ الرجل»؛ ثم استخلص برات من تجربة فورت مارين مبادئ عمله لاحقاً كمشرف على مدرسة كارلايل الصناعية الهندية في بنسلفانيا التي فُتحت رسمياً في الأول من نوفمبر 1879. ننتقل إذن من مطلب الإبادة (مغامرة عسكرية مكلفة) إلى وعد بحل «أرحم» (وأرخص) لمشكلة الهنود: الاندماج عبر التعليم. ثالثاً، بدأت صورة الشعوب الأصلية — بعد أن زُعِم ترويضها — تتحوّل من صورة «النبيل المتوحش» الرومانسية في مطلع القرن التاسع عشر إلى نَمطٍ إثنوغرافي سائد لدى علم الإنسان الإنقاذي (salvage anthropology) في الربع الأخير من القرن. إذا كان استسلام جيرونيمو يمثل ذروة هذا التحول من «متوحش» إلى «قاصر تحت الوصاية»، فإن بورتريهَه يرمز بدوره إلى انعطاف مماثل في تصور الهنود لدى مستعمري البلاد: يصبح الهندي مجرد ملامح على أفق الاختفاء.

يقرأ  لوحات تييجي هاياما الجديدةتسبر أغوار الشهرة

أكمل بوربنك، إجمالاً، أكثر من ألف لوحة لأشخاص من السكان الأصليين ينتمون إلى أكثر من مائة أمة عبر جزيرة السلحفاة. رسم سبعة بورتريهات لجيرونيمو، اثنتان منها محفوظتان في مكتبة نيوبري بشيكاغو التي تضم أيضاً رسائله ومذكَّراته عن وقته في أرض الهنود. البورتريهَان لجيرونيمو يعود تاريخهما إلى 1897 ويصوِّران القائد الأباتشي من الأمام ومن المِلفَظ الجانبي، مُردِّدان تأطيراً للمواضيع الأصلية كان قد تطوّر لدراسة القياسات الإنسانية في مطلع القرن. كانت هذه أولى لوحات بوربنك لجيرونيمو، وتشبه في الشكل بقية لوحاته آنذاك: كانت القماشات صغيرة، عشرة في ثمانية إنشات فقط، ووقع القائد باسمه أسفل كل لوحة، ما أضفى هالةً من الأصالة على المنتج النهائي.

كان دافع توثيق ما يُزعم أنه هنودٌ على شفا الزوال يحرّك معظم حياة بوربنك وعمله. هدفه أن يرسم الهنود قبل أن يختفوا، وأن يفعل ذلك عبر تجسيد شباهاتهم بتفاصيل واقعية دقيقة. اتجه بوربنك توجهاً إثنوغرافياً أكثر منه نحو الرومانسية، بخلاف معاصره هنري فارني، whose لوحاته تحتفظ بقدر من الرومانسية في لوحته اللونية الباردة والمناظر المفتوحة. درس بوربنك الواقعية الألمانية في ميونيخ قبل أول رحلة له إلى الإقليم الهندي، وكان عمه آير داعماً كبيراً للدراسات الإثنوغرافية وراعيًا لأعمال كاتلن ومموِّلاً لمعرض العالم الكولومبي لعام 1893 في شيكاغو. ومع ذلك، لم يُعبِّر بوربنك عن اهتمامه بالواقعية عبر أكثر الوسائط «حقيقة» آنذاك، أي التصوير الفوتوغرافي، بل عبر الرسم؛ فالتصوير يُنسب إليه القدرة على تجميد الحياة في لحظة، لكنّه كان يفتقر إلى بريق اللون — اللباس، وصبغات الوجه والجسم، ودرجات لون البشرة والعين — ذلك كله كان يبرز في أعمال بوربنك. عمل في مسارٍ واقعي، ومع ذلك كان ينظر أيضاً إلى أسواق غير مستغلة لعرض وبيع تلك الصور.

يقرأ  انطلاق النسخة الافتتاحية لمهرجان أوفّفي مونتريال هذا سبتمبر

لوحة بوربنك بعنوان «جيرونيمو» هي بورتريه مُقْبِض. يواجه جيرونيمو الناظر وأذراعُه معانِقةٌ لجسده، تلفُّ حول صدره كما لو أنها تحاول أن تمسكه معاً — أن تُحافظ على تماسكه حتى لا ينهار. لَعَلَّنا لو أبصَرنا يديه لَعَلِمنا أكثر عن الحركة الكامنة تحت البطانية؛ فثمّة إيماءة هناك، إيماءة تتحدث عن العلاقة بين الجالس والفنان، إيماءة تحوي حرفياً وتمسك في الوقت نفسه ما يختبئ عن الأنظار بصورة رمزية. جيرونيمو لا يمنحنا كل شيء. لكن ماذا يكتم، وما الحقيقة التي تكمن في الأسفل؟ تأخذ اللوحة جسده بوصفه أمراً حقيقياً، لكن هويته الهندية تظهر كإسقاط. يندمج بُرداؤه الأحمر وهويته المعرَّفة عن طريق العِرق في محاكاةٍ براقةٍ فريدةٍ تتجاوز مجموع أجزائها.

تُذكّرني هذه اللوحة بأن الواقعية التي رغب بوربنك في تجسيدها كانت وهمية. تلك الحقيقة كان لا بد من «صيدها»، في اعتراف بوربنك غير الموفّق برغبة التقاط شباهة كانت دوماً حقيقية من منظور رجل أبيض مسلّح، سواء كان يحمل بندقية أو قماشاً أو كاميرا. كما يقول جيرالد فيزينور في كتابه «مواقف هاربة»، إن «الهندي هو محاكاة للبورتريه الإثنوغرافي». حُجَّة فيزينور، التي أُفصِّلها أكثر في “علاقات تأملية”، تذهب إلى أن الهندي ليس واقعاً مستقلاً بقدر ما هو وقفة، أثر من مخيلة الاستعمار. البحث عن الأصالة الهندية — ما يسميه بوربانك «الأمريكيون الحقيقيون» — هو مشروع استعماري بامتياز.

يعتمد هذا البحث على أساطير استعمارية تحيط بالحضور الفعلي للسكان الأصليين، وتعمل باستمرار على نفي الحقيقة القائلة بأن تمثيل السكان الأصليين لا يتأتَّى إلا عبر عملية اختراع استعماري. إن اختراع «الهندي» يقوم على غياب الشخص الأصلي الحقيقي.

ويتجسَّد هذا الغياب في أسر جسد يتحول إلى «هندي» حين يُكسَى بجلدٍ أحمر، أو ربما ببطّانيةٍ حمراء.

يقرأ  ١٠ معارض فنية في لوس أنجلوس تستحق الزيارة هذا أغسطس

أضف تعليق