تحذير: يحتوي هذا التقرير على أوصاف مرئية مروعة لعمليات إعدام.
أفادت تحقيقات فيديو أجرتها وحدة التحقق في بي بي سي بأن مقاتلين من مجموعات قوات الدعم السريع (RSF) أقدموا على إعدام عدد من أشخاص غير مسلحين بعد سيطرتهم على مدينة الفاشر السودانية. المقاتلون، الذين قاتلوا القوات المسلحة السودانية (SAF) في حرب دامية منذ أكثر من عامين، استولوا خلال عطلة نهاية الأسبوع على قاعدة عسكرية رئيسية في المدينة عقب حصار طويل.
وردت مقاطع عدة تُظهر رجالاً يرتدون زيًّا عسكريًا، وبعضهم يحمل شارات تتطابق مع شارات قوات الدعم السريع، وهم يمارسون عنفاً شديداً في محيط الفاشر. ومن جهتها، قالت منسقة الأمم المتحدة في السودان إنها تلقت «تقارير موثوقة عن إعدامات موجزة» في المدينة خلال مقابلة مع بي بي سي يوم الأربعاء.
سعت بي بي سي لتحصيل تعليق من قوات الدعم السريع؛ ونفى عمران عبد الله، مستشار لدى الميليشيا، أن يكون مقاتلو المجموعة يستهدفون المدنيين خلال مقابلة مع بي بي سي يوم الإثنين.
منذ اندلاع الصراع في 2023، تعرّض السودان لدمار واسع بعد انهيار التحالف الهش بين الجيش وقوات الدعم السريع. تشير التقديرات إلى سقوط أكثر من 150 ألف قتيل ونزوح نحو 12 مليون شخص عن منازلهم منذ بدء الاقتتال.
قالت دنيس براون، منسقة الأمم المتحدة في السودان، لبرنامج Today على راديو بي بي سي 4 إنها تلقت تقارير عن إعدامات تستهدف «خاصة الرجال العزل» منذ دخول قوات الدعم السريع إلى الفاشر. وتجدر الإشارة إلى أن قتل المدنيين العزل أو المقاتلين المستسلمين يعد جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف.
معظم المقاطع التي راجعها فريق التحقق التابع لبي بي سي التقطت في مواقع ريفية مغبرة ورملية، ما يصعّب تحديد موقعها بدقة، إلا أن فريق التحقيق نجح في تحديد موقع واحد حيث رُصِد إعدام موجز لرجل عُزَل داخل مبنى جامعي في الفاشر. أظهر المقطع الرجل جالساً وسط عشرات الجثث في ممر، ثم التفت باتجاه الكاميرا فيما كان أحد المسلحين ينزل السلم؛ رفع المقاتل بندقيته وأطلق طلقة واحدة أسقطت الرجل أرضاً دون حركة.
تدور في الإنترنت أيضاً عدة مقاطع مشابهة مزعجة يصعب تحديد مواضع تصويرها لأنها خارج المدينة وفي مناطق قليلة المعالم. ومع ذلك تمكّن فريق التحقق من وضع أحد المقاتلين الظاهرين في مقاطع إعدام متعددة ضمن محيط الفاشر خلال الأيام الأخيرة.
المقاتل المعروف باسم «أبو لولو» ظهرت أنشطته مع قوات الدعم السريع موثقة على ملفات في وسائل التواصل الاجتماعي رصدها فريق التحقق. مقطع نُشر أولاً خلال عطلة نهاية الأسبوع أظهره وسط جثث في منطقة شمال غرب المدينة؛ وبالتعاون مع مركز مقاومة المعلومات (CIR) أمكن تأكيد موقع ذلك المقطع، لكن من الصعب التمييز إن كانت الجثث لمدنيين أم لعسكريين من القوات المسلحة بسبب رداءة جودة الصورة.
كما ظهر «أبو لولو» في ما لا يقل عن مقطعين آخرين يظهران مشاركته في إعدامات لأشخاص غير مسلحين راكعين ومحاطين بحراس مسلحين. بحث عكسي للصور أظهر أن كل هذه المقاطع نُشرت على الإنترنت منذ عطلة نهاية الأسبوع. في أحد الفيديوهات توجه إلى رجل جريح ملقى على الأرض ووبّخه لعدم إفادته بمعلومات، ثم هدد باغتصابه قبل أن يطلق عليه النار مراراً ببندقية آلية. وفي فيديو آخر بدا يقف مع عدد من مقاتلي قوات الدعم السريع حاملي بنادق هجومية من طراز AK، وحرسوا مجموعة لا تقل عن تسعة أسرى عزل؛ وبعد مخاطبته للأسرى صوب سلاحه نحوهم واطلقت النار عليهم، وفي أعقاب ذلك رفع المقاتلون الآخرون أذرعهم وهتفوا.
في مقطع ثالث بدا المقاتل واقفاً إلى جانب مسلحين آخرين وبخلفيتهم عشرات الجثث. بعض المقاتلين كانوا يرتدون زيًّا شبيهاً بزِّي قوات الدعم السريع، وظهر على أحد الأقمصة شارة دائرية بها خط أسود على محيطها — سمة متوافقة مع شعارات الميليشيا.
في أغسطس الماضي أعلنت قوات الدعم السريع أنها ستحقق مع «أبو لولو» بعد اتهامه بتنفيذ إعدام أسير؛ وجاء في بيان إنه «إذا ثبت أن الفاعل عضو في صفوفنا فسيُحاسب فوراً».
تزامنت هذه المقاطع مع نتائج بحث نشرها باحثون مقيمون في الولايات المتحدة استنادًا إلى صور فضائية لمدينة الفاشر التقطت بعد سقوطها، والتي بدت كأنها تُظهر نتائج لعمليات قتل جماعي في شوارع المدينة نفسها. لاحظ محللو مختبر ييل للأبحاث الإنسانية وجود «عناقيد» كبيرة في الصور، قيل إنها «تتوافق مع نطاق أحجام أجساد بشرية بالغة وليست موجودة في لقطات سابقة».
وأشار تقرير ييل إلى أن ملاحظات المحللين «تتوافق مع تقارير عن عمليات إعدام» نُشرت على الإنترنت ومن قبل الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية خلال الأيام الماضية، كما لفت التقرير إلى «تغيرات لونية» قد تكون دموية. لكن بي بي سي للتحقق لا يمكنها تأكيد نتائج ييل بشكل مستقل لغياب لقطات أرضية من تلك المواقع.
صور فضائية أخرى راجعها فريق التحقق أظهرت مركبات متوقفة عند نهايتي عدة شوارع؛ ولاحظ محللو ييل أن تموضعها بدا وكأنه يشير إلى عمليات تمشيط من منزل لآخر. وفي بعض المناطق لوحظت عناقيد اعتبرها ييل أجساماً بشرية قرب تلك المركبات.
قال مايكل جونز، محلل في معهد الخدمات المتحدة الملكي (RUSI)، إن قوات الدعم السريع لديها سجل في تنفيذ إعدامات مختصرة ذات طابع عرقي، ويمكن عزو ذلك جزئياً إلى «تركيبها اللامركزي». وأضاف أن «أغلب قوة المجموعة تأتي من تكتل فوضوي من ميليشيات مستأجرة وحلفاء محليين وانتهازيين اقتصاديين، غالباً ما تحركهم مصالح أو ضغائن سبقت صراع أبريل 2023. ورغم أن العنف قد يُنظّم تحت مظلة سياسة RSF، إلا أن تنفيذه قد يكون مموَّزاً محلياً حيث يسوي الجناة حسابات شخصية أو قبلية، أو يستولون على أصول أو أراضٍ، أو يشاركون في تطهير عرقي لتوطيد نفوذهم السياسي».
خلال الأشهر الأخيرة حققت القوات المسلحة السودانية مكاسب كبيرة ضد قوات الدعم السريع، بما في ذلك استعادة العاصمة الخرطوم، بحيث تسيطر الآن على معظم شمال وشرق البلاد. بالمقابل تسيطر قوات الدعم السريع على معظم دارفور في الغرب وجزء كبير من منطقة كردفان المجاورة — المنطقة التي كانت معقلاً لميليشيا الجنجويد السابقة التي نفذت حملات قتل عرقي في دارفور بين 2003 و2005. ويُعتقد أن كثيرين ممن قاتلوا مع الجنجويد انضموا لاحقاً إلى قوات الدعم السريع.
حتى وقت قريب كانت الفاشر آخر مركز حضري رئيسي في دارفور لا تزال تسيطر عليه القوات الحكومية وحلفاؤها. سبق لقوات الدعم السريع أن أعلنت أنها تأمل في تشكيل حكومة موازية في المدينة بعد سيطرتها عليها.
اتُهمت كلتا الطرفين بارتكاب جرائم حرب منذ اندلاع الصراع، وفي أيام إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قالت الولايات المتحدة إن قوات الدعم السريع ارتكبت أعمال إبادة جماعية. سبق لوحدة التحقق في بي بي سي أن وثّقت عمليات قتل جماعي نفذتها قوات الدعم السريع بعد انشقاق قائد بارز.
تضمنت تقارير إضافية مساهمات من مراسلين وباحثين متعددين دعماً للتحقيقات الميدانية والفضائية.