ناجون من حصار الفاشر يروون لهيئة الإذاعة البريطانية قصصًا عن وحشية قوات الدعم السريع

باربرا بليت آشر — مراسلة أفريقيا

هُزّ وجُرِح وترك بملابسه وحدها، يروِي عزّ الدين حسن موسى ما لاقاه من وحشة وعنف بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في إقليم دارفور. يقول إنه تعرّض للضرب بالعصي وأن مقاتلي الفصيل تعمّدوا تعذيب وقتل من حاولوا الفرار.

يصل عزّ الدين الآن إلى بلدة تاويلا، مرهقًا مستلقيًا على بساط تحت مظلّة، وهو واحد من عدة آلاف ممن نجوا وبلغوا ملاذًا نسبيًا بعد موجة عنف وصفتها الأمم المتحدة بـ«المروعة». اعترف قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو، بحدوث «انتهاكات» في الفاشر ووعد بتحقيقات، وقالت مسؤولة سامية بالأمم المتحدة إن القوات أبلغت بأنها اعتقلت بعض المشتبه فيهم.

تبعد تاويلا نحو 80 كم عن الفاشر، وهي إحدى المحطات التي تتجه إليها أعداد الفارين. يحكي عزّ الدين أنه غادر الفاشر منذ أربعة أيام، وأن ما واجهوه في الطريق يفوق الوصف: «قِسمنا إلى مجوعة وتعرّضنا للضرب. المشاهد كانت قاسية للغاية؛ رأينا قتلى وضربًا أمام أعيننا. أصبت في الرأس والظهر والساقين، وضربوني بالعصي. كانوا ينوون إعدامنا، لكن حين سنحت لنا الفرصة فررنا بينما اعتقل آخرون أمامنا».

أغلب القادمِين إلى تاويلا هم من النساء والأطفال. أقام عزّالدين مع مجموعة من الناجيين في مبنى آمن، وكانوا يتحرّكون ليلاً وأحيانًا يزحفون على الأرض لإبقاء آثارهم مخفية. سرق المقاتلون ممتلكاتهم: هواتفهم وملابسهم وحتى أحذيتهم. ساروا ثلاثة أيام بلا طعام، ومع ذلك تمكنوا برحمة الله من الوصول.

أخبر مهاجرون في تاويلا الـBBC أن الرجال كانوا عرضة لتدقيق خاص من قبل قوات الدعم السريع، التي استهدفت كل من شُكّ في أنه عسكري. يعتقد أن نحو خمسة آلاف شخص وصلوا إلى تاويلا منذ سقوط الفاشر يوم الأحد، وكثيرون منهم قطعوا المسافة سيرًا على الأقدام لثلاثة إلى أربعة أيام.

يقرأ  زيلينسكي ينزع الجنسية الأوكرانية عن عمدة مدينة أوديساأخبار حرب روسيا وأوكرانيا

من بين الناجين جلس أحمد إسماعيل إبراهيم، يلفُّ قطعة شاش حول جسمه، ويروي أن عينه أصيبت بقذيفة مدفعية وأنه غادر المدينة بعد تلقيه علاجًا. كان مع ستة رجال عندما أوقفهم مقاتلو الدعم السريع: «قتلوا أربعة منهم أمامنا؛ ضربوهم وقتلوهم. أنا أصبت بثلاث رصاصات». يضيف أن المقاتلين راجعوا هواتف الثلاثة الناجين وتحسسوا رسائلهم، ثم سمح أحدهم لهم بالابتعاد ففرّوا إلى الأدغال.

وفي خيمة مجاورة تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود، تروي يسرى إبراهيم محمد قرار الهرب بعد أن قتل زوجها، الذي كان جنديًا في الجيش السوداني، أثناء عودته للمنزل خلال القصف. تقول: «بقينا صابِرِين لكن الاشتباكات لم تتوقف. تحركنا مبتعدين عن مناطق المدفعية، والمرشدون لم يكن لديهم علم بالوضع. من قاوم تعرّض للضرب أو السلب، وكان القتل واردًا. رأيت جثثًا في الشوارع».

يعمل الفاضل دخان في عيادة المنظمة، ويقول إنهم قدموا رعاية طارئة للوافدين، بينهم نحو 500 حالة بحاجة علاج عاجل. «الغالبية من القادمين من كبار السن والنساء والأطفال»، يوضح الطبيب؛ «الجرحى يعانون كثيرًا، وبعضهم بترت أطرافهم. هم بحاجة كبيرة للمساندة الطبية».

أكثر من ذلك، ما زال المئات من الآلاف ممن نزحوا سابقًا يلتفون حول تاويلا بعد جولات سابقة من العنف بالفاشر. المدينة نفسها كانت تحت حصار دام 18 شهرًا قبل سقوطها، وتعرّض سكانها لقصف مدفعي وجوي كثيف، وفرضت قوات الدعم السريع حصارًا على الإمدادات والمساعدات مما أدخل السكان في أزمة غذائية حادّة. في أبريل، أدى استيلاء قوات الدعم السريع على مخيم زمزم إلى نزوح مئات الآلاف.

يُثير العدد النسبي القليل للوصول إلى مراكز مثل تاويلا قلقًا؛ إذ تشير تقديرات إلى أن نحو ربع مليون شخص ظلّوا داخل المدينة قبل سقوطها، وما وصل حتى الآن يقارب 5,000 فقط. كارولين بوفوار، التي تعمل مع لاجئين في تشاد لدى وكالة سوليداريتـ(ر) إنترناشيونال، تقول إن هذا الرقم يبعث على الخوف. القادمون هم في أغلبهم يعانون سوء تغذية شديدًا وجفافًا وكسورًا أو إصابات متقدمة، ومحفور في نفوسهم صدمة ما رأوا في المدينة أو في الطريق.

يقرأ  فانس: على أوروبا أن تتحمّل النصيب الأكبر من مسؤولية أمن أوكرانيا

تعتقد فرق الإغاثة أن كثيرين ما زالوا محاصرين بين تاويلا والفاشر، عاجزين عن التقدّم إما بسبب حالتهم الصحية أو بسبب انعدام الأمن على الطرق حيث تتعرض قوافل المدنيين لهجمات من ميليشيات. بالنسبة لعزّ الدين، فإن الراحة لكونه نجَا لا تُسكن مخاوفه على من تبقوا خلفه: يناشد بتأمين الطرق العامة أمام المدنيين وإيصال المساعدات إلى الشوارع، لأن الناس في حالة حرجة لا يمكنهم التحرك أو الحديث أو طلب النجدة. «المساعدة يجب أن تصل إليهم، فالكثيرون مفقودون ومعانون.»

الاحتياج الإنساني عاجل: إمدادات طبية وغذائية ومياه وممرات آمنة للوصول إلى المتضرِّرين. بدون ذلك، ستستمر معاناة الناجين واللاجئين الذين تفرّقوا في قلب هذا الصراع، وتبقى الأولويات الإنسانية واضحة أمام المجتمع الدولي والجهات الفاعلة على الأرض.

أضف تعليق