مع استمرار بروكسل في دفع موجة جديدة من التوسّع، تكشف أرقام التجارة بين أوروبا وبلدان المرشّحين قصة اعتماد متبادل غير متوازن، لكنها في الوقت نفسه تبرز إمكانات كبيرة لم تُستغل بعد.
المرشحون الرسميون للاتحاد هم ألبانيا، البوسنة والهرسك، مولدوفا، الجبل الأسود، مقدونيا الشمالية، صربيا، تركيا وأوكرانيا؛ ويُعامل كوسوفو كمرشح محتمل.
تشمل هذه الدول طيفًا جغرافيًا متنوّعًا من سواحل أدرياتيكية طويلة إلى غابات مورقة وأراضٍ زراعية من أكثرها إنتاجًا في أوروبا، فضلاً عن وجود بعض من أصغر السكان سنًا في القارة.
رغم ازدهار التدفقات التجارية بين الكتلة والمرشحين المستقبليين، يظل التوازن غير متكافئ: سلع أُنتجت في الاتحاد تجد سوقًا أوسع بكثير مما تبيعه دول المرشحين داخل الاتحاد.
تشير بيانات مفوضية الاتحاد الأوروبي (ورقة حقائق التجارة مع غرب البلقان 2025) إلى أن إجمالي تجارة السلع بين الاتحاد وستة شركاء من غرب البلقان بلغ 83.6 مليار يورو عام 2024، بزيادة 28.6% منذ 2021. وكانت صادرات الاتحاد إلى المنطقة 49.06 مليار يورو مقابل واردات بقيمة 34.52 مليار يورو، ما أسفر عن فائض لصالح بروكسل قدره 14.54 مليار يورو.
هيمنة السوق الاوروبي مطلقة: فهو يستحوذ على نحو 62% من تجارة دول غرب البلقان، في حين تمثل هذه الدول نحو 1.7% فقط من التجارة الخارجية للاتحاد.
في صربيا والبوسنة وألبانيا، تتجه بين ثلثي وثلاثة أرباع الصادرات إلى دول الاتحاد. كما أن جميع الدول المرشّحة، باستثناء مقدونيا الشمالية بشكل لافت، تسجل عجزًا تجاريًا مستمرًا مع الاتحاد؛ أي أنها تستورد منه أكثر مما تصدر إليه، بحسب برانيمير جوفانوفيتش من معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية.
تتمثل المشكلة في أن هذه اقتصادات ذات قطاعات إنتاجية محدودة؛ لا تنتج ما يكفي من الاحتياجات المحلية فتضطر للاستيراد، ولا تنتج فائضًا كافيًا للتصدير. على مدى العقد الماضي تحولت مقدونيا الشمالية إلى قاعدة إنتاجية لمكونات تدخل مباشرة في صناعة الاتحاد، وتستفيد من تفضيلات الوصول إلى السوق بموجب إطار اتفاقية الاستقرار والشراكة (SAA). النتيجة أنها تستطيع تسويق حصة كبيرة نسبياً من إنتاجها مباشرة إلى الاتحاد دون أن تعترضها معوقات معيارية فنية.
هذا يختلف تمامًا عن ألبانيا التي تعتمد أكثر على المواد الخام والمنسوجات منخفضة القيمة، أو الجبل الأسود الذي يهيمن عليه قطاع السياحة ويعتمد على الواردات للسلع. كما يختلف عن البوسنة وصربيا اللتين لا تزالان تستوردان كميات كبيرة من الآلات عالية القيمة من الاتحاد ثم تعيدان تصدير سلة منتجات أكثر تنوعًا وأقل قيمة.
أوكرانيا ومولدوفا تستوردان آلات ومركبات ومعدات صناعية عالية القيمة من الاتحاد، بينما تصدران عمومًا سلعًا ذات هوامش ربح منخفضة—مواد خام ومنتجات أساسية، والاتحاد يُوفّر التكنولوجيا اللازمة لإنتاجها.
تُدار تجارة غرب البلقان مع الاتحاد بموجب اتفاقيات الاستقرار والشراكة التي تزيل تدريجيًا الرسوم وتُوائم التشريعات الوطنية مع قواعد الاتحاد كجزء من مسار الانضمام. بالمقابل تعمل أوكرانيا ومولدوفا تحت أطر مناطق تجارة حرة عميقة وشاملة (DCFTAs) التي تفتح أجزاء واسعة من السوق الموحدة مقابل تبنّي جزء كبير من الإطار التنظيمي للاتحاد. باختصار، SAA طريق إلى العضوية، بينما تمنح DCFTA اندماجًا عميقًا في السوق دون عضوية كاملة—وإن تلاشت هذه الحدود بعد غزو روسيا لأوكرانيا، مع إشارة بروكسل إلى احتمال عضويتهما الكاملة.
ما يعيق صادرات المرشحين إلى الاتحاد لا يقتصر على الرسوم، بل يشمل حواجز تقنية للتجارة مثل المعايير الصحية والنباتية؛ فحتى لو وفرت الشركات منتجًا مطلوبًا، قد لا يصل إلى الأسواق الأوروبية لغياب الشهادات والمطابقة المطلوبة. النتيجة أن انخفاض البطالة لم يقترن بتحول تنموي حقيقي، مع خطر الوقوع في فخ الدخل المتوسط حيث تستمر هذه الاقتصادات كخطوط تجميع بأجور منخفضة وتطور تقني محدود.
يمتد الجدل ذاته إلى أوكرانيا، التي بدأت رسميًا محادثات الانضمام عام 2024؛ وعلى الرغم من الحرب ارتفعت التجارة مع الاتحاد بشكل كبير: صدّر الاتحاد إلى أوكرانيا سلعًا بقيمة 42.8 مليار يورو عام 2024 واستورد منها 24.5 مليار يورو، محققًا فائضًا قدره 18.3 مليار يورو. تغيرت تركيبة هذه التجارة منذ الغزو: لا تزال السلع الزراعية تمثل جزءًا كبيرًا من صادرات أوكرانيا، لكن الاتحاد صار ممثلاً رئيسيًا لمواد وآلات إعادة الإعمار.
تظهر مولدوفا نمطًا مشابهًا؛ فالاتحاد هو شريكها التجاري الأكبر، مسجلاً 54% من إجمالي تجارة السلع عام 2024، ويتجه نحو 65.6% من صادرات مولدوفا إلى السوق الأوروبية. وبلغ حجم التبادل نحو 7.5 مليار يورو العام الماضي، منها صادرات الاتحاد إلى مولدوفا 5.1 مليار يورو مقابل واردات 2.4 مليار يورو.
تقدّم دول غرب البلقان تقدمًا ملموسًا منذ أوائل القرن، لكن التقارب الكامل مع الاتحاد لا يزال بعيدًا، وفق لوحة درجات التقارب الاقتصادي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 2025. لقد تضاعفف الناتج الإجمالي لهذه الاقتصادات في عقدين، لكن المنطقة لا تزال تصل إلى نحو 40% فقط من متوسط الاتحاد؛ وبمعدلات النمو الحالية لن يتحقق التقارب الكامل قبل عام 2074.
الناتج للفرد—بمعيار تعادل القوة الشرائية—تضاعف خلال عشرين سنة، ما يعكس تحسّنًا حقيقيًا في الإنتاجية والاستثمار ومستوى المعيشة. ومع ذلك فإن هذا التقارب يحدث ببطء، إذ تقابله فروق كبيرة في الإنتاجية ورأس المال داخل الاتحاد.
النمو وحده لا يكفي للتقارب؛ فمطلوب نمو نوعي يقوده الابتكار والمهارات وصناعات ذات قيمة مضافة أعلى. في هذا السياق تبرز البنية التحتية والإنتاجية كأضعف حلقات المنطقة: فضعف جودة وشمولية شبكات النقل العامة يشكّل عائقًا كبيرًا أمام النمو عبر تقييد اتصال المنتجين بالمستهلكين والأسواق الإقليمية والعالمية.
تعرض الاقتصاد الأوكراني لصدمة هائلة؛ فقد نزح جزء كبير من السكان وتعرضت مساحات واسعة من البنية التحتية للدمار. تراجع الناتج بنحو 28.8% في 2022 ثم تعافى بنسبة 5.5% في 2023، فيما تضغط الاحتياجات الدفاعية على المالية العامة وتعيق التقارب مع دول الاتحاد.
تُجلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة مصانع وفرص عمل وروابط أقوى مع أسواق الاتحاد، غير أن أثرها لم يتحول حتى الآن إلى “تحول هيكلي” في دول المرشحين، بحسب جوفانوفيتش. يظهر النمط في صربيا مثلًا، حيث توفر مصانع السيارات وظائف لكن البلاد ما تزال تستورد تكنولوجيات متقدمة. حينما تتركز الاستثمارات في مراحل إنتاج منخفضة القيمة وتبقى قواعد الموردين المحليين ضعيفة، تصبح مكاسب الأجور محدودة وتؤول قيمة أكبر إلى الخارج.
هناك ازدواجية في رؤية الاستثمارات الأجنبية: السياسيون ينظرون إليها كطريق أساسي للتنمية، في حين يتزايد شعور الناس بأنها دائرة مفرغة. لذلك بات تغيير النموذج الاقتصادي أمرًا ملحًا—بنهج أكثر انتقائية للاستثمارات الأجنبية يفضّل النوعية والتقنية العالية، ومع سياسات صناعية وابتكارية تدعم الشركات المحلية.
الخلاصة واضحة: الأرقام تسرد قصة نجاح جزئي وتحذير في آن واحد. التكامل جارٍ لكن بلا تحويل هيكلي: الصادرات زادت، والمصانع تعمل، لكن الإنتاجية والبنية التحتية لا تزالان متأخرتين. المرحلة المقبلة يجب أن تركز على الجودة لا الكم—استثمارات أجنبية مُنتقاة ترفع مستوى سلاسل الإمداد، وإتاحة وصول انتقائي إلى السوق الموحدة مرتبط بإصلاحات، وتسريع الاستثمار في المهارات والطاقة والنقل.
إذا نجحت بروكسل والمرشّحون في الانتقال من دور خطوط التجميع إلى مبتكرين منتجين، يمكن ضم الفجوة في غضون جيل؛ وإلا فستبقى هذه الدول ورشة موثوقة أكثر منها شريكًا مزدهرًا.