اكتشاف أثري يسلّط ضوءًا جديدًا على طقوس الدفن الرومانية
في موقعٍ كان في ما مضى مدينة رومانيّة قديمة تميّزت بالتجارة والحمّامات الحرارية في جنوب فرنسا، كشف علماء آثار عن مقابر يُرجَّح أنها تقدم إفاداتٍ جديدة حول طقوس الدفن الرومانية.
بعد استيلاء يوليوس قيصر على مرسيليا عام 49 قبل الميلاد، شهدت مدينة اولبيا، الواقعة نحو خمسين ميلاً على الساحل إلى الجنوب الشرقي، فترة رومانية امتدت بين القرنين الأول والثالث الميلادي — وهي الحقبة التي تعود إليها المقابر المحترقة المكتشفة حديثًا. وتشير التقارير إلى أن أكثر من 160 قبرًا اكتُشفَت مؤخرًا، وتوفر دلالاتٍ على كيفية إجراء عملية الحرق، وعلى إدراج قرابينٍ من بينها مشروبات كحولية ضمن الشعائر المرتبطة بالدفن.
توضح بيانات المعهد الوطني الفرنسي للبحث الأثري الوقائي (Inrap) أن الجثث كانت تُفرَش على هياكل خشبية موضوعة فوق حُفرة مربعة مخصصة للنار. ووصف مصدر التقرير كيف أن حرارة الوتد الناري أدت إلى انهيار الرف الخشبي، مما تسبب في تبييض العظام والتواءها وتشققها؛ كما ذابت الأواني الزجاجية، وتشوهت القطع البرونزية، ولُطّخت الخزفيات بالسّخام.
ومن بين الاكتشافات اللافتة وجود ما أطلق عليه الباحثون «قنوات الذبائح» أو أنابيب سكب القرابين، التي كان يتم من خلالها صب السوائل خلال أيّام الطقوس تخليدًا للأموات. وبيّن المعهد أن سِمةً مميزة في أولبيا هي إحاطة معظم المقابر بقنوات مخصصة لتدفق القرابين السائلة — كالنبيذ والبيرة والمِيد — بغرض تكريم المتوفى أو ضمان حمايته في العالم الآخر.
صُنِعت هذه الأنابيب في كثيرٍ من الحالات من امفورات معادَ استخدامها؛ وهي جرار طينية كانت تُستعمل لتخزين النبيذ والزيت وغيرها من المواد، وقد لعبت دورًا طقسيًا خلال أيّام الاحتفال المخصّصة للأموات، مثل احتفال الفيراليا في 21 فبراير وطقوس الليموراليا في 9 و11 و13 مايو.
تُثري هذه المعطيات فهمنا لممارسات الدفن الرومانية: فهي لا تُظهر فقط الجانب التقني لعملية الحرق، بل تُبرز أيضًا بُعدًا طقسيًا واجتماعيًا يتجسَّد في تقديم القرابين والسّبل المتنوعة للتواصل مع الأموات وضمان رعايتهم عبر الرموز السائلة والمواد المستعملة في الطقوس.