خريطة المشهد الكويري في أوروبا خلال العصور الوسطى

معرض «طيف الرغبة: الحب، الجنس والجندر في العصور الوسطى» في ذا مت كلواسترس يقدم سردًا معاكسًا ومستنيرًا لصورة العصور الوسطى في الثقافة الشعبية، التي تُصورها غالبًا كمجال محكوم بقواعد سيجندرية صارمة وثنائيات نمطية وهيمنة جنسية مغايرة وحيدة؛ بينما تكشف الأعمال المعروضة عن تعقيد اجتماعي وثقافي يرفض اختزال الماضي في قالب أحادي.

شهدت القرون الثلاثة الممتدة من القرن الثالث عشر إلى الخامس عشر تصاعدًا في اضطهاد من خرجوا عن المعايير الجنسانية والسلوكية السائدة: أصبح مفهوم «الزندقة» أو السُدومية يعتبر ذنبًا شاملًا لأي علاقة جنسية لا تقتصر على الإنجاب أو لأي تعبير جنسي يتعارض مع ثنائيات نصوصية. ومع ذلك، تُظهر القطع الفنية أن الهوية الجندرية في ذلك الوقت كانت غالبًا أداءً يتحدد بالفعل بالممارسات والأفعال لا باللباس فحسب.

مثال بصري قوي هو النسيج الألماني «حيرانتا ملكة سبأ» (نحو 1490–1500) الذي يصور لحظة طرح الملكة لغزّين على سليمان: كيف يميز المرء بين فتى وفتاة إذا كانا متشابهين في الزي؟ وكيف يفرق بين زهرة حقيقية وصُنعية؟ تأتي الإجابة بأنها مسألة سلوك: النحلة التي تتجه إلى أيٍ منهما، وطريقة قطف التفاح — الفتاة تنحني فتجثوّ عند التقاطها، أما الفتى فلا يفعل. يُستنتَج إذًا أن الثياب ليست مؤشرًا ثابتًا للهوية، كما يوضّح الملك عبر الشخصيات ذات الأزياء التي تختلف عن أمثلة الذكور المعاصرة لكنها لا تغيّر هويتهن. وبنفس الحسّ البصري، يتجلى التشابه في ثياب القديسين في تمثال «لقاء القدّيسَين يواكيم وآنا عند البوابة الذهبية» بقماش ذهبي متدفق.

كان اللعب بالجندر جزءًا من الرؤية الدينية البصرية: تُعرض مخطوطات منقوشة تصويرًا لسانت ويلجفورْتِيس على الصليب — امرأة صلّت لتنجو من زواج مكرَه فوهبتها السماء لحية أبعدت الخاطب، فقتلتها يدُ والدها الغاضبة. صورة قديسة ملتحية تُصلَب إذًا بداخل منظومة تقرأ القداسة والجسد بعينين متداخلتين. مثال آخر هو القديس مارينوس، مولود أنثى لكن عاش بزي رجل وسرّ هويته لاحقًا بعد موته — ويظهر مضطجعًا على فراش الموت في تصوير المخطوط.

يقرأ  الفن في الأماكن الغريبة:مقاومة عبر «اللاشيء»

الملائكة في الفن الوسيط كثيرًا ما صُنّفت ككائنات محايدة الجنس، وهو تصور يتلاقى مع فكر توما الأكويني الذي رأى أن الملائكة لا تتخذ أجسادًا مادية تقليدية ولا تُقَيَّد بثنائيات البشر. في تمثال «زوج ملاك المذبح» الفرنسي (القرن الثالث عشر) تبدو الوجوه الشعرية والرداءات المتدفقة والسمات الرقيقة كتصوير لعشاق في المحكمة — صورة للجسد الإلهي باعتباره يتجاوز بناءات الجنس البشرية.

المسيح نفسه ظهر كنموذج يؤطر هذه الرؤية: لوحة «رجل الآلام» حيث يتدفق الدم من جرح جانبي بعد القيامة، والنص المصاحب يذكر كيف اشتُهرت لدى بعض الفنانين والكتّاب الوسيطين صِفات أنثوية للمسيح — ثدي مُدرّ أو رحم يُعطي الكنيسة ميلادًا روحانيًا. في مخطوطة صلاة بون دي لوكسمبورغ يتأكّد التشبيه: الجرح الجانبي مُصَوَّر بشكل يوحي بشكل شبيه بالفرج، مما ربط بين آلام الصلب ومأساة الولادة في خيال المسيحية الوسيطة.

نتيجة ذلك أن جسد المسيح أصبح هدفًا للتأمل الروحي وربما للتحفيز الحسي، ليس فقط للعلمانيين بل أيضًا للرهبان والرهبانات الذين دخلوا في «زواج صوفي» مع المسيح. يظهر ذلك في تمثال خشبي لأوائل القرن الرابع عشر «المسيح والقديس يوحنا المحبوب» حيث يستند يوحنا إلى كتف المسيح في وضع يشبه الطقوس الخطوبية، كما في تمثال «الزيارة» الذي يصوّر مريم وإليصابات متعانقتين بيد إلى يد في إشارة تقارب ووعود رمزية.

تتضمن المعروضات أيضًا أعمالًا صريحة تدلُّ على حسِّية أو إثارة نفسية، مثل تمثال خشبي لسانت سباستيان يُبرز جسدًا عاريًا ومشدودًا قبيل استشهاده، أو إناء نحاسي يصور مشهد أرسطو وفيليس حيث تركب فيليس الفيلسوف كالفَرس، أو طبق من أواخر القرن الخامس عشر يُظهر امرأة تضرب زوجها على مؤخرته العارية — كلها نكات وسخرية وسخرَة اجتماعية حول المرأة الجريئة والرجل الخاضع، وفي الوقت نفسه تحذير من تهديدات جنسانية تُضفى عليها سلطة اجتماعية.

يقرأ  المسارات المائية المقدّسةللمجتمعات السوداء والسكان الأصليين

يمثّل المعرض مدخلاً مهمًا لأبحاث معاصرة حول الجندر والهوية المثلية في العصور الوسطى؛ فهو يتيح لذوي ميول مختلفة أن يجدوا أسلافًا وفنًا داخل مؤسسات كاثوليكية مفاجِئة، ويقدّم خلفية تاريخية نقدية لمن يسعون إلى استجلاء أثر «الغرابة» والجندر داخل اللغة البصرية للمسيحية الوسطى والمقدّس عموماً. من خلال مفهوم «تشويه الماضي» أو «تأويله بمعيار مختلف»، يتحدى المعرض حدود التصنيفات المعاصرة ويدعو إلى إعادة تفكيك الحاضر وإيجاد تعاطف تاريخي مع استكشافات جنسية وجندرية سابقة.

أولئك السياسيون والحركات التي تسعى اليوم إلى احتكار رموز العصور الوسطى والإيمان الكاثوليكي لتبرير الكراهية والعنف وتكريس أدوار جندرية تقليدية لن يجدوا في هذا المعرض سندًا لتبريراتهم؛ بل على العكس، ستُعرض أمامهم مرونة وتعدديّة تاريخية تقوّض بياناتهم الثابتة.

معرض «طيف الرغبة» مستمر في ذا مت كلواسترس حتى 29 مارس 2026. نسقته المرشدتان ميلاني هولكومب ونانسي ثيبوت. هيمنتهاا رؤية نقدية تسمح بإعادة قراءة الماضي بمنظور يجعلنا نعيد التفكير في حاضرنا.

أضف تعليق