علماء الفيزياء الفلكية يسابقون الوقت لدراسة مذنب قديم قادم من نظام نجمي آخر دخل النظام الشمسي هذا العام، وقد مرّ بالفعل بالقرب من المريخ. أُطلق عليه التعيين 3I/ATLAS؛ وهو لا يشكل تهديدًا للأرض أو للكواكب المجاورة، لكنَّه أثار اهتمامًا هائلًا لدى وكالات الفضاء والعلماء، إذ يعدُّ واحدًا من ثلاثة أجرام بينَ نجمية رُصدت حتى الآن.
مخطط أصدرته ناسا في 2 يوليو 2025 يوضح مسار المذنب خلال مروره بالنظام الشمسي.
ما هو 3I/ATLAS؟
المذنب هو ثالث جرم بينَ نجمي يتم تسجيله وهو يعبر النظام الشمسي للأرض قادمًا من نجم آخر. المذنبات أجسام سماوية تتألف أساسًا من جليد وغبار وغازات، وتدور حول الشمس، وتُعدُّ بقايا من تكوّن النظام الشمسي قبل نحو 4.6 مليار سنة.
تم اكتشاف 3I/ATLAS في يوليو من قِبل العَالِم لاري دينو من فريق تلسكوب ATLAS (Asteroid Terrestrial-impact Last Alert System) الموجود في ريو هرتادو في تشيلي. يمول المشروع ناسا وتديره مجموعة بحثية في معهد الفلك بجامعة هاواي.
قبل ذلك، رُصد الجسم 1I/أُومواموا، وهو جرم صخري ممدود الشكل، في أكتوبر 2017 على يد روبرت ويريك باستخدام تلسكوب Pan‑STARRS في مرصد هاليكالا، هاواي. وفي أغسطس 2019 اكتُشف 2I/بوريسوف، وهو «مذنب مارق» لا يخضع لجذب نجمي محدد ويسافر حراً في الفضاء، على يد الفلكي وصانع التلسكوبات غينادي بوريسوف في مرصد مارجو (MARGO) بشبه جزيرة القرم.
عادةً ما تُسَمَّى المذنبات تيمّنًا بمكتشفيها أو بمحطات الرصد التي رصدتها، والحرف “I” في التعيين يدلُّ على صفتها «بينَ نجمية» — أي أنها نشأت في نظام نجمي آخر.
أين يسافر 3I/ATLAS؟
مرّ بسرعة فائقة قرب المريخ في أكتوبر الماضي، واقترب منه حتى نحو 29 مليون كيلومتر بسرعة تقارب 310,000 كيلومتر في الساعة. وبلغ أقرب مسافة إلى الشمس في نهاية أكتوبر، ومن المتوقع أن يقترب أقرب ما يكون إلى الأرض في ديسمبر حين سيكون على مسافة تقارب 270 مليون كيلومتر، وفقًا لناسـا — أي أنه سيبقى أبعد من الشمس التي تبعد عنا نحو 150 مليون كيلومتر.
من يدرسه؟
تتابعه حالياً مجموعة من المراصد والأجهزة الفضائية، لا سيما وأن مساره الحالي أخفاه خلف الشمس فجعل تعقبه من الأرض لحظياً غير ممكن، مع توقع عودته للظهور من الجانب الآخر للشمس بنهاية نوفمبر أو أوائل ديسمبر 2025. العلماء حريصون على معرفة حجمه الفعلي وخصائصه الفيزيائية بدقة أكبر. من بين الأصول الفضائية التي تتابع أو ستتابع المذنب:
– تلسكوب هابل الفضائي.
– المسبّحَتان على سطح المريخ: بيرسيفيرانس وكيوريوسيتي.
– المدار الاستكشافي للتعرّف على المريخ (Mars Reconnaissance Orbiter).
– مهمة يوروبا كليبر (Europa Clipper) المتجهة إلى قمر المشتري الجليدي يوروبا، انطلقت في 14 أكتوبر 2024.
– مهمتا لوسي وفسخي (Lucy وPsyche)، مركبتان روبوتيتان أُطلقتا لزيارة عدة كويكبات تشارك مدار المشتري حول الشمس.
– مسبار باركر لدراسة الشمس (Parker Solar Probe) المنطلق منذ 2018 لمراقبة الهالة الخارجية للشمس.
– مهمة PUNCH (Polarimeter to Unify the Corona and Heliosphere) التي أُطلقت في مارس 2025 وتدرس الغلاف الجوي الخارجي للشمس، وتُوصف بأنها «أربع مركبات بحجم حقائب» منتشرة على امتداد حدّ النهار والليل للكوكب لتوفّر رؤية مستمرة وغير محجوبة.
– مرصد الشمس والهيليوسفِيري SOHO، الذي تشغله ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، وأُطلق عام 1995 ويقع حالياً في نقطة لاغرانج L1 بين الأرض والشمس على بعد نحو 1.5 مليون كيلومتر، ما يتيح له رؤية مستمرة للشمس.
كما ستُبقي وكالة الفضاء الأوروبية مركبة JUICE (الموضوعة في 2023 والمتجهة إلى المشتري وأقمرته الجليدية) على رصد هذا القادم السريع خلال نوفمبر.
ما الذي اكتُشف حتى الآن؟
باستخدام هذه المصادر المتعددة، تمكّن الباحثون من الحصول على صور كافية لتأكيد أن الجسم مذنب بالفعل، استنادًا إلى الشكل القطعي لمساره المداري (شبه قطع زائد/مدار قطع زائد)، أي أنه لا يتبع مدارًا مغلقًا حول الشمس. التقط هابل أولى الصور في يوليو والتي أظهرت غلافًا على شكل دمعة من الغبار المنطلق من نواة صلبة جليدية.
تقدّر ملاحظات هابل قطر النواة بما لا يتجاوز 5.6 كيلومتر، وقد يكون حجمها صغيرًا يصل إلى نحو 440 مترًا بحسب ناسا. وكوما المذنب — الهالة الضبابية المحيطة — غنية بثاني أكسيد الكربون، ما يدلّ على أنه تشكّل في بيئة شديدة البرودة وبعيدًا جدًا عن نجمه الأم، بحسب داريل سيليغمان، عالم الكواكب في جامعة ولاية ميشيغان.