الرئيس يُحمّل مسؤولية زعزعة هالة الاستقرار في البلاد

حلفت سامية سولوحو حسن اليمين بعد فوزها بنتيجة رسمية تبلغ حوالي 98% من الأصوات في انتخابات 29 أكتوبر، لكن البلاد اختُطفتها تداعيات أعنف أعمال عنف ما بعد الانتخابات منذ عقود، ما هز سمعة تانزانيا القديمة كمثال للسلام والاستقرار في إفريقيا.

البلاد واجهت انتقادات نادرة ومباشرة من مؤسسات إقليمية وقارية، بينما لا تزال الحصيلة النهائية للضحايا غير واضحة، والعائلات تواصل البحث عن مفقودين أو تقيم جنازات لذويها الذين قُتلوا على وقع الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات.

بدايات ولاية سامية، القائدة الهادئة الطباع التي ألهبت روح التفاؤل عند توليها السلطة عام 2021 بعد الموت المفاجئ لسلفها السلطوي جون ماغوفولي، جاءت مغايرة لما يحدث الآن؛ فقد تحول المشهد السياسي إلى توتر وصدامات واسعة. كما لاحظ محلل السياسة الكيني بطرس كاجوانجا، فإن سامية «دفعت تانزانيا إلى شتاء كثيف من الاحتجاجات وعدم الاستقرار والضبابية».

هذه الاحتجاجات، التي قادها شباب كثيرون، رُفعت عنهم شعارات ومطالب تذكّر بحركات الجيل زد العالمية ضد قيادات متجذرة وأنظمة لا تستجيب. المحلّلون يؤكدون أن ما شهده البلد إنما هو تتويج لمناخ سياسي متأزم سبق الانتخابات: إصلاحات متوقفة، غضب شبابي متراكم، صراعات نفوذ داخل حزب الحكم، ومطاردة مستمرة لقادة المعارةضة والمناوئين — ظاهرةٌ راكمت الاستياء حتى انفجرت.

رسومات الساخر السياسي المعروف بـ«قادو» التي تصوّر الرئيسة وصفتها بأنها تسلك أساليب استبدادية وتقمع التنافس السياسي تناقلها الناس بكثرة على منصات التواصل، بينما تُشيّع جنازات الضحايا في شوارع ومدن عدة. وفي عمود صحفي، شبّه الصحفي المخضرم جنيرالي أوليموينغو الانتخابات الأخيرة بأنها نقطة الغليان لمرقٍ اجتماعي طُهي لعقود في طنجرة بطيئة، من دون أن تلتفت إليه سلطة غارقة في امتيازاتها.

اتهم قادو حزب «تشاما تشا مابينديو» الحاكم بأنه «دفن رأسه في الرمال» ولم يعد يسمع نبض المواطنين، وأنه على مر السنين حرَم الجماهير من حقوقها وقيّم مؤسسات الدولة التي تُبقيه في السلطة. وشاركه معلق الشؤون الشرق أفريقية تشارلز أونيانغو-أوبّو الرأي، قائلاً إن الحزب طالما أخطأ بين الهدوء والنضج، فكان هذا الهدوء في الحقيقة «صمت التعب».

يقرأ  رهانات عالية لخافيير ميليمع اقتراب الانتخابات النصفية في الأرجنتين

على عكس كثير من حركات ما بعد الاستعمار في المنطقة، يحتفظ حزب CCM، المشتق من اتحاد تانجانيكا الإفريقي الوطني، بقبضة قوية ليس على مؤسسات الحكم فحسب بل على الوعي الجمعي للأمة. وما كشفته انتخابات هذا العام هو وجه جديد وصادم لتانزانيا، التي طالما عُرفت بقلة الاحتجاج مقارنة بجيرانها.

في الأسابيع التي سبقت الاقتراع، عمِدت سلطات الحكومة إلى تقويض أي منافسة جدية بحسب المحلّلين: قُيد ترشيح أبرز زعيمين معارضين — حيث يُحتجز توند ليسّو بتهم الخيانة التي ينفيها، ورفضت لجنة الانتخابات ترشيح لوهاغا مبينا لأسباب تقنية. وبهذا الفعل وحده، يرى بروفيسور كاجوانجا، فقد نُكِصَت مبادئ تانزانيا ومؤسسها جوليوس نيريري؛ «لا تُسجن خصومك، بل تسعى لكسب تأييد الناس ضدهم».

محطّبٌ بلقب «ماما سامية»، تواجه الرئيسة البالغة 65 عاماً اتهامات متزايدة بقيادة حكومة قمعية مسؤولة عن سحق احتجاجات تاريخية بعنف. ففي بدايات ولايتها نالت إعجاب الداخل والخارج عندما سمحت للأحزاب المعارضة بالتظاهر والنقد دون الخوف من نتائج وخيمة، وأعلنت سياسة «الأربعة آر»: المصالحة، والمرونة، وإعادة البناء، والإصلاح، والتي اعتبرها كثيرون بوابة لإعادة تفتح البلاد للعالم.

ولدت سامية ونشأت في زنجبار، الأرخبيل شبه المستقل المعروف بالودّ والتواضع، لذا كان شعور الارتياح طاغياً عندما تسلّمت السلطة عام 2021. لكن مع سعيها للفوز بفترة ثانية بدأ الضغط الداخلي داخل CCM وصعود قوى المعارضة يُنظر إليهما كتهديدات لطموحها؛ فأجرت تغييرات وزارية متكررة واستبدلت قادة عسكريين وخدماتية استخباراتية، في خطوات اعتُبرت تصفية لمنافسي سلفها. ضمن الحزب لجأت إلى ما وصفه بعضهم بسيناريو ماغوفولي: تحكّم مركزي للحزب، وتركيز السلطة، وخلق حِلف من المقربين كعماد للنفوذ.

السياسة المحسوبة لسامية — التي اكتسبت بها لقب «سيمبا جيكِ» أي «اللبؤة» بين أنصارها — أثمرت ترشيح الحزب لها في يناير، لكن الأشهر التي سبقت التصويت شهدت موجات اختطاف واعتقالات واغتيالات وحشية استهدفت ناشطين ومعارضين، ما أجهض آمال الإصلاح والمصالحة. تضاءل الفضاء السياسي تحضيراً للانتخابات التي شهدت قطعاً للإنترنت وفرض حظر تجوّل، وأفادت المعارضة بأن مئات ربما لقوا حتفهم في الاضطرابات، فيما لم تصدر السلاتات رقماً رسمياً للوفيات.

يقرأ  قاضٍ يُبقي الحظر على مسعى ترامب لترحيل أطفال غواتيمالا غير المرافقين — أخبار الهجرة

كان المشهد العنيف صدمة لأمة رست صورتها على الهدوء والاجماع والنظام لنحو ستة عقود. «أسطورة استثناء تانزانيا باتت في خراب»، كما كتب أونيانغو-أوبّو. وفي خطاب تنصيبها المتحدي، أكدت سامية أن الانتخابات كانت نزيهة وشفافة لكنها اعترفت بأن أشخاصاً قُتلوا خلال التظاهرات، وحمّلت جهات أجنبية مسؤولية هذه الأحداث الدامية.

استثنائياً، قالت كلٌّ من الاتحاد الإفريقي ومجلس تنمية جنوب إفريقيا إن فوز سامية لم يرتقِ إلى المعايير الديمقراطية المقبولة، مستشهدين بعمليات تعبئة أصوات وقيود قمعية وعيوب نظامية. وأعلن حزب المعارضة الرئيسي (تشادِما) أن النتائج «مختلقة تماماً».

يلخّص بروفيسور كاجوانجا التحدي الذي يواجه سامية الآن: لم يكن الفوز في الانتخابات هو المشكلة بحد ذاته، بل أنّ مهمتها الأهم كانت كسب قلوب وعيون مواطني تانزانيا وشعوب شرق إفريقيا بأن انتخابها جاء في منافسة نزيهة؛ وللأسف، اختارت التتويج بدل المسار الديمقراطي. مع بدء ولايتها الثانية، تواجه سامية رقابة دولية متزايدة قد تقوض شرعيتها في قيادة البلد.

أضف تعليق