إغلاق الحكومة يصعّد هجوم الولايات المتحدة على الفقراء الفقر والتنمية

اليوم تُسجل الولايات المتحده يومها الحادي والأربعون من إغلاق الحكومة الفيدرالية، وهو إغلاق تسبب في تعرّض الموظفين الفيدراليين لعدم صرف رواتبهم، وإرباك حركة الطيران، وحرمان ملايين الأمريكيين الفقراء من المساعدة الغذائية.

وليس هذا الإغلاق الأول من نوعه في تاريخ قوة عالمية تتيح لها قوى مؤسساتية أن تتوقّف عن العمل عن عمد؛ إلا أن هذه الدورة حظيت أخيراً بالوصمة السيئة لكونها الأطول في التاريخ الأمريكي الحديث.

المشهد السياسي هذه المرة أكثر ما يصف بـ«الديستوبيا»؛ فقد نجم الإغلاق عن خلاف ميزاني بين الجمهوريين والديمقراطيين حول تخفيضات حادة في الإنفاق على الرعاية الصحية التي يفضلها الرئيس دونالد ترامب. وهذا هو نفسه ترامب الذي اقترح مشروع موازنة دفاعية للسنة المالية 2026 تفوق قيمتها تريليون دولار.

وبعد بدء الإغلاق، قررت إدارة ترامب أن يدفع الفقراء ثمن الخلافات السياسية؛ ففي الأول من نوفمبر توقف برنامج المساعدة الغذائية التكميلي (SNAP) لأول مرة منذ تأسيسه عام 1964.

يعتمد نحو 42 مليون أمريكي — أي واحد من كل ثمانية أشخاص — على هذا البرنامج لتأمين طعامهم. ووفقاً لخدمة البحوث الاقتصادية بوزارة الزراعة الأمريكية، شكل الأطفال نحو 39 في المئة من مستفيدي البرنامج في السنة المالية 2023.

عندما دخلت موقع خدمة البحوث الاقتصادية يوم الأحد، صادفت تنبيهاً مهنياً في أعلى الصفحة جاء فيه: «بسبب إغلاق الديمقراطيين اليسار المتطرف، لن يتم تحديث هذا الموقع الحكومي خلال فترة انقطاع التمويل.»

واستمرّ النص بخط أصغر: «أوضح الرئيس ترامب أنه يريد إبقاء الحكومة مفتوحة ودعم من يطعمون ويزودون ويكسون الشعب الأمريكي.»

كان يمكن أن يكون الأمر مضحكاً، لو لم يكن مريعاً إلى هذا الحد.

الأسبوع الماضي اضطرت الإدارة إلى التراجع عن حملة التجويع بعدما قضى قاضيان فيدراليان بعدم قانونية تجميد مزايا SNAP. لكن إعادة صرف المساعدات الغذائية كانت جزئية فقط، ومصحوبة باستئناف لدى المحكمة العليا يطلب تعليق قرار التمويل الكامل لصالح استمرار المجاعة الجماعية.

يقرأ  إقالة رئيس المحكمة العليا الغانية على خلفية اتهامات بإساءة استخدام الأموال العامة

في هذه الأيام، بالكاد تمر مبادرة سادية لا تؤيدها أعلى محكمة أمريكية. وفي هذه الحالة لم تخيب المحكمة الظن.

ونقلت وكالة أسوشيتد برس يوم الجمعة أن المحكمة العليا «قبلت الاستئناف الطارئ لإدارة ترامب لوقف أمر قضائي يقضي بتمويل مدفوعات مساعدات SNAP بشكل كامل خلال إغلاق الحكومة»، رغم أن سكان بعض الولايات قد تلقوا الأموال فعلاً.

أبعد من ذلك، يصعب تخيل «طوارئ» أكثر إلحاحاً من استخدام موارد الدولة الضخمة لضمان ألا يموت مواطنوها جوعاً؛ فهذه أولية تدبيرية بديهية لأي حكومة مسؤولة، لكننا نشهد عكس ذلك.

ومع الأخذ في الاعتبار استخدام الجيش الإسرائيلي المعاصر للتجويع القسري كجزء من ما وُصِف بالابادة المدعومة أمريكياً للفلسطينيين في قطاع غزة، قد يبدو مبالغة فظة أن نستخدم مثل هذه المصطلحات على الصعيد الداخلي الأمريكي. لكن حرمان الناس عمداً من الغذاء الضروري للبقاء هو تجويع بكل ما للكلمة من معنى — سواء استُخدم كسلاح إبادة أو كتجسيد جديد للحرب الأمريكية المستمرة على الفقراء.

في 31 أكتوبر، نشر موقع CNN عنواناً اعترَض عليه كثيرون: «أشعر بالذنب لأنني أتناول وجبة»: عائلات ذات دخل منخفض تستعد لفقدان وصولها إلى مليارات الدولارات من المساعدات الفيدرالية، ونقل التقرير عن أم من أوهايو أنها بدأت تحجم عن الأكل استعجالياً لصالح أطفالها.

ووصفت الأم معاناة أسرتها بسبب إغلاق الحكومة بقولها: «لم تعد مسألة ديمقراطي أو جمهوري. لم تعد لعبة حزبية. إنها حياتنا.»

ورغم أن الديمقراطيين قد يظهرون بمظهر الحزب الأكثر تحضراً في ظل جنون ترامب غير المندم، إلا أن الحرب على الفقراء كانت منذ زمن طويل أمراً ذا طابع ثنائي. ففي التسعينيات، على سبيل المثال، أشرف الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون على «إصلاحات» لنظام الضمان الاجتماعي أدت في نهاية المطاف إلى ارتفاع حاد في أعداد الأمريكيين الذين يعيشون في فقر مدقع.

يقرأ  الاتحاد الدولي للجمباز يعلّق على قرار إندونيسيا بمنع فريق إسرائيل من المشاركة في بطولة العالم

في نهاية المطاف، كلا الحزبين ملتزمان بقوة بدعم الأوليغارشية التي ترتكز عليها بنية الولايات المتحدة — إذ لا يمكن الحفاظ على هيمنة أقلية نُخبوية إن كان الجميع متساوين في الحقوق الأساسية، بما في ذلك الحق في الغذاء الكافي.

الأثرياء في أمريكا يصرخون بشأن المخاطر الوجودية لفرض ضرائب على ثرواتهم. لكن بالنسبة لعشرات الملايين الذين سُيحرمون من التغذية الضرورية، فالمخاطر الوجودية شخصية وواقعية.

ليلة أمس، صوت ثمانية من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين مع الجمهوريين كخطوة أولى لوقف الإغلاق مؤقتاً وإنعاش عمل الحكومة حتى يناير. ولا يزال يتعين على مجلس النواب التصويت ثم توقيع ترامب، وهو ما قد يستغرق أياماً. وإذا أُقرّ، فسيمدد مشروع القانون دعم SNAP حتى سبتمبر لكنه في الجوهر لا يحل جذور المشكلة. الجائعون يبقون في وضعية انتظار، والرعاية الصحية لا تزال معلقة.

في الأسابيع الماضية، صوَّر بعض المحللين احتمال المجاعة الجماعية بأنه «ضرر جانبي» لنزاع حزبي. ومع أن لغة الحرب تبدو مناسبة إلى حد كبير، فإن الفئات الأفقر في المجتمع الأمريكي ليست مجرد ضحايا عرضيين؛ بل هي الأهداف المقصودة لنظام رأسمالي صُمم للحفاظ عليهم في مراتب دنيا.

وجهات النظر المعبر عنها هنا تعكس رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الجزيرة التحريرية.

أضف تعليق