النقيضُ لكارافاجيو في عصر الباروك

باريس — يقدم متحف جاكمار-أندريه معرضه «من الظل إلى النور» عن الرسام الباروكي الفرنسي جورج دو لا تور، في أول استرجاع كبير لأعماله في فرنسا منذ عام 1997. المعرض هو الحلقة الأحدث في سلسلة استكشافية للمبدعين المتأثرين بكارافاجيو؛ وأتساءل كيف تمكن المتحف من عرض أعمال ضخمة شبيهة بتلك التي عُرضت في معارض كارافاجيو (2019) وأرتيميسيا جنتيلسكي (2025) داخل قاعات عرض صغيرة إلى هذا الحد؟ مثل مجموعة والاس في لندن، فإن جاكمار-أندريه كان في الأصل مسكنًا خاصًا فُتح كمتحف عام 1913 ليعرض مجموعة المصرفي إدوارد أندريه وزوجته نيلي جاكمار من الفنون التطبيقية والجميلة، مع تخصيص معارض مؤقتة في ملحق غير منتظم الشكل يقع في عمق هذا القصر الهوسماني. هذا الفضاء الضيق يملأه إحساس متوافق مع فن دو لا تور؛ فالتقارب الجسدي للوحات يعكس قرب شخصياتها من سطح اللوحة، خصوصًا في أوقات الذروة حين يتدافع الزوار بحثًا عن موقع للمراقبة.

يركز المعرض على كيفية استيعاب دو لا تور لاتجاه التباين الضوئي الكارافاجي (chiaroscuro) الذي اجتاح أوروبا، وكيف طبّقه على تركيبته التصويرية المشهديّة المتقشفة، مانحًا إياها بعدًا حميميًّا وروحانيًا خاصًا. مشاهد كثيرة مظلمة الاتّجاه تُظهر أفرادًا معزولين يقومون بأفعال يومية غير بطولية — مثل «امرأة تلتقط برغوثًا» (ح. 1632–35) أو «صبي ينفخ على جذوة» (1646) — كانت لتستفيد أكثر من هدوءٍ مُهيب وظلّ شبه كلي كما عُرضت أعمال مارا في معرض ديفيد في اللوفر القريب. الإضاءة المتوسطة المستمرة والعروض المزدحمة لا تؤدي فقط إلى تلاشي التأثير، بل تجذب الانتباه إلى حالة الأعمال غير المتجانسة، فتكشف عن نعومة النسيج العشوائية وعيوب أخرى. وليس المقصود بذلك انتقاد القائمين على المعرض، جيل فيغنبام وبيار كوري؛ فالقيود المكانية أو الميزانية خارجة عن إرادتهم. إلا أن الإعداد يقلل إلى حد ما من طموح العرض، الذي يبرز، بلا شك، في اتساع النطاق الجغرافي للقطع المعارة — من مجموعات إقليمية فرنسية وصولًا إلى طوكيو وواشنطن. تجميع هذه اللوحات بحد ذاته لافت ومثير للإعجاب.

يقرأ  في ذاكرة دكان الأصباغحيث علَّمني المكان كيف أرى

كارافاجيو يصور مشاهد واسعة تتشطّر بحركات درامية لشخصيات مبالغ فيها؛ أما دو لا تور فيصغّر مشهده، محاصرًا شخصياته حول مصدر ضوئي واحد، ما يكثف الحدث ويقربه. كثيرًا ما تكون الأجساد مضغوطة إلى حد الاقتراب من الحافة البصرية للوحة، مع مساحة سلبية أقل، ومساحة تصوّرية أضيق. بينما تميل الأسلوبية الكارافاجية إلى الدائرية والنعومة رغم الدراما، يعتمد دو لا تور على صرامة خطية ونمذجة أكثر انبساطًا — بمعنى أبسط، تقلّ درجات التلاشي اللوني، ويبدو الفراغ التصويري ضحلًا. في لوحة «سخرية زوجته من أيوب» (ح. 1620–50)، على سبيل المثال، تطغى الزوجة على أيوب حتى حافة الإطار؛ ومع نمذجة مسطحة نسبيًّا ومصدر ضوئي وحيد على شكل شمعة منخفضة — تركيب اعتمده الرسام كثيرًا — تبدو المشهد خانقًا وقريبًا للغاية. النتيجة هي تحويل قصة توراتية بعيدة إلى حدث ذو فورية وقابلية للتعاطف لدى المشاهدين.

لا يزعج أن تكون شروحات اللوحات بالفرنسية فقط؛ إذ كما قال لي أحد أساتذتي في الجامعة: «مع الصور الجيدة لا تحتاج إلى كلمات تفسيرية.» رغم أنني أجد هذا القول محل جدل، فإن المعرض يقدم حجة مقنعة. أهميته تنبع من اختيار الموضوع — فدو لا تور ظل مهملًا لفترة طويلة — ومن حكم القيمين على المعرض في انتقاء مسار بحثي تُبرّره اللوحات بحد ذاتها دون حاجة ملحة للشرح اللفظي. عمل موفق.

المعرض «جورج دو لا تور: من الظلّ إلى النور» مستمر في متحف جاكمار-أندريه (158 شارع هاسمـان، باريس) حتى 25 يناير 2026. المعرض من إعداد جيل فيغنبام وبيار كوري.

أضف تعليق